العرشي يفتح ملف الوحدة
هشام علي

لا أدري هل اتفق مع الأستاذ المناضل يحيى العرشي أم أعتب عليه لأنه أخر نشر كتابه قرابة ربع قرن من الزمن فالكتاب الذي قام بإعداد أسئلته المحورية منذ 1987م وتحمل عناء البحث عن أجوبة للأسئلة المقلقة التي أثارها هو «كتاب العمر» في رأيي فقد ارتبط اسم الأستاذ يحيى العرشي بالوحدة اليمنية منذ عقود ليس باعتباره وزيرا لشؤون الوحدة لعدة مرات بل باعتباره مناضلا وحدويا مخلصا للوحدة في كل مهمة قام بها وفي كل منصب شغله وأبرزها عمله في وزارة الإعلام والثقافة قبل وبعد الوحدة وكذلك في موقعه في نفوس الناس على اختلاف مشاربهم وطبائعهم.. وأذكر أنني رافقته في رحلة تاريخية من صنعاء إلى عدن إلى حضرموت وشبوة ومارب كان ذلك بعد أشهر قليلة من حرب 1994م التي كانت شوكة في جسد اليمن وخنجرا مزق اللحمة الوطنية وبذر أزهار الشر في كيان الوحدة تلك كانت المفارقة التي حملتها تلك الحرب حافظت على الوحدة بقوة السلاح ونقضت أحلام الوحدة في الوقت ذاته حين طغت قوى الاستتباع والفساد والنهب وأخذ بعض القادة عسكريين ومدنيين يعتبرون عدن مدينة مفتوحة بكل ما تحمله العبارة من معان تكرس عقلية الفتح والتدمير والنهب.
في هذا المناخ الصعب ذهب الأستاذ يحيى العرشي إلى عدن وكان حينها وزيرا للثقافة وبرغم عنف الحرب وآثارها كانت زيارة العرشي بردا وسلاما على نفوس المثقفين والمبدعين بل على نفوس الناس جميعهم وأتذكر أننا توقفنا في الطريق بين شبوة وحضرموت أمام مدرسة لأطفال البدو الرحل وكانت المدرسة فضاء تحت شجرة ليس هناك مبنى ولكن كان هناك أطفال صغار يحملون إرادة التعليم ويحملون حبا لليمن وللوحدة لقد هلل الصغار حين رأوا الأستاذ يحيى العرشي ليس الوزير يحيى العرشي لكن المناضل الوحدوي الذي كان يعبر مرات ومرات متاهات صحراء «صيهد» بين حريب وبيحان ليوقف حروبا وصراعات على ما كان يسمى المناطق الحدودية بين شطري اليمن.. هكذا قدمه أحد الشيوخ الذين قابلناهم في ذلك المكان وهكذا عرفه لأولئك الصغار.
هذا هو الأستاذ يحيى العرشي في ذاكرة اليمنيين وهذه هي صورته في ذلك المكان عند أطراف الصحراء.
أعد لكتاب الأستاذ العرشي تاركا الاستطراد في التعريف به ذلك أن الحديث عن شخصيته ودوره قد يطول كثيرا.. أقول إن يحيى العرشي جمع مادة الكتاب في السنوات الثلاث الأخيرة من عقد الثمانينات وتمت الوحدة بين شطري اليمن وهو يجمع هذه الأجوبة لكنه وجد أن إعلان الجمهورية اليمنية قد قطع قول كل مجيب فارجأ نشر الكتاب لما يحتمله ذلك النشر من اضطراب أو تأويل لا سيما أن جمهورية الوحدة دخلت منذ عامها الأول في ثورة الشك واضطراب المواقف وتنافر الأسئلة والأجوبة ورغم ما في كتاب العرشي الذي حمل عنوان «الاستقلال… والوحدة» من قضايا مهمة كان ينبغي الاطلاع عليها ومعرفتها والاستفادة من أهم محور فيها أعني ذلك المحور الذي ينتظم الأطراف المختلفة في الحركة الوطنية ويجمعها في قضية الوحدة اليمنية عشية الاستقلال الوطني في 30 نوفمبر 1967م. فالأجوبة التي وردت في الكتاب تكشف اتفاق الجميع على الوحدة اليمنية وعجز الجميع عن التفكير بهذه الوحدة كممارسة فعلية وكبرامج وأفعال وقرارات.. ذلك هو الموقف في اليوم الأول بعد الاستقلال الوطني حكومة فتية لم تستطع تقديم أية مقاربة في اتجاه الإجابة عن سؤال الوحدة الذي كان شعارا عاليا للثورة ضد الاستعمار والنظام الإمامي لسنوات لكنه توقف عند مأزق التجربة الواقعية. وكذلك كان الحال في النظام الجمهوري في الشمال الذي كان يصارع من أجل بقاء الجمهورية ضد فلول الملكيين الذين يحاصرون صنعاء من كل الجهات.
ذلك كان مأزق الوحدة قبل ولادتها المتعسرة أو الولادة التي لم تتحقق كما تهوى الأنفس وتلذ الأعين عند اليوم الأول للاستقلال الوطني وليس في هذه الحال أية غرابة فالأحداث التاريخية الكبرى لا تتحقق بالأحلام والأمنيات ولكن بالفعل والتدبير والتخطيط. ولم يكن ثمة تيار أو حزب أو جماعة يعد مشروعا للوحدة بين الشطرين ليس ثمة سوى الهدف الخامس من الأهداف الستة لثورة سبتمبر وكذلك شعار الوحدة الذي ورد في الميثاق الوطني للجبهة القومية.
لقد جاء الاستقلال الوطني للشطر الجنوبي من اليمن في أوقات صعبة وعسيرة فالجمهورية في الشمال كانت تقاتل من أجل البقاء والجيش المصري انسحب بعد قمة الخرطوم وتيار التحرر العربي الذي انكسر بعد هزيمة يونيو 1967 امتدت ظلاله إلى اليمن حيث أخذت الرجعية والاستعمار تهجم بكل قوتها على ذلك النظام الجمهوري الذي ترك منفردا ولكن اليمنيون استطاعوا الدفاع عن الجمهورية وكانت معجزة المقاومة الشهيرة التي اجترحت ميثاقا للحرية والثورة وتجمع الثوار اليمنيون من الشمال والجنوب والشرق للدفاع عن صنعاء في وقت غادرت رموز السلطة العاصمة التي كانت تحت نيران القوى الملكية.
وفي هذا المناخ ا