عشاق الحروب.. على المحك!!

فتحي الشرماني


 - أعتقد أن مرحلة ما بعد الحوار الوطني, وبدءا من مطلع 2014م, ستكون هي أنسب مرحلة لقيام الجماهير اليمنية بفرز المواقف من جديد وتحديد الوطني من غير الوطني,
أعتقد أن مرحلة ما بعد الحوار الوطني, وبدءا من مطلع 2014م, ستكون هي أنسب مرحلة لقيام الجماهير اليمنية بفرز المواقف من جديد وتحديد الوطني من غير الوطني, وتمييز المرتهن لطموحات الشعب وإرادته من المرتهن والمسحوب من أذنيه إلى الخارج وأجندته التي تصر على التضحية بالبشر من أجل كسب المعركة أو جزء منها ضد الآخر المنافس على الهيمنة.
هذه المرحلة المنتظرة – في رأيي – يمكن أن يؤرخ لها بالتوقيع على وثيقة حل القضية الجنوبية بعد اكتمال تحقيق الإجماع التوافقي عليها .. فعلى إثر هذا التوقيع وجدنا القيادة السياسية بزعامة الرئيس عبدربه منصور هادي رئيس الجمهورية, تتذوق الطعم الأولي للنجاح, ووجدناها اليوم أكثر إصرارا على الحزم وعدم التهاون في مواجهة أي سلوكيات تعكر صفو المشهد اليمني القادم, لاسيما سلوكيات من لايزال حتى هذه اللحظة مفتونا بالسلاح وإشعال الحروب هنا وهناك تحت مبررات واهية بات اليمنيون جميعهم يدركون إصرار أصحابها على إبقاء النار مشتعلة ولو كان الثمن هلاك اليمنيين جميعهم.
الآن اللحظة تميل إلى الوضوح الكامل, فهي– أي هذه اللحظة – تجهز نفسها للخروج من إسار سقف موفنبيكي واحد يدور تحته ما يدور إلى رحاب الفضاء المفتوح والمتسع بحجم الرقعة اليمنية, وبالتالي فهذا الانجلاء والانفراج لن يسمح بإضافة ما هو غير شعبي وغير سياسي إلى ما هو سياسي .. لم يعد هناك مجال للمناورة والتحرك على مستوى الإظهار والإضمار, وإن استمر هذا الأسلوب في سياق نخبوي, فأضواء الجماهير اليوم ستسلط بكثافة على المشهد السياسي, وستكون النخب وجميع القوى أمام عيون اليمنيين وهم يراقبون من لا يزال منشدا إلى افتعال الصراعات والمواجهات ليقطع الطريق على استقرار هذا الوطن وتعافيه من الأمراض المزمنة التي لحقت به منذ بضعة سنوات, وتسببت بإعاقة اليمنيين عن تحقيق الأهداف التنموية.
أقول: إن مدمني الفوضى والاقتتال وتهديد السلم الوطني سيكونون اليوم على المحك .. وما عليهم إلا أن يجنحوا إلى السلم, ويدركوا أن الإرادة الشعبية لن تقبل بعد اليوم بأي سلوك خارج عنها, أو أي قوة أو جماعة تحمل إرادة موازية أو مضادة لتلك الإرادة, فليس هناك إلا إرادة يمنية واحدة, وهي تلك التي تقول اليوم وبكل قوة: ليس أمام آلة الحرب إلا أن تقف .. وليس أمام هواة القتل والتدمير إلا أن يدخلوا في المجموع الوطني ويتفاعلوا مع مختلف القوى في إطاره, ويقطعوا صلتهم بكل أساليب الاستعراض ومحاولة الهيمنة والاستفزاز التي استعذبت إشعال الحرائق في أكثر من مكان, وما فتئت تبحث عن أماكن أخرى لتوسيع دائرة النار.
اليوم جميع القوى الوطنية مسؤولة أكثر من أي وقت مضى عن حقن دماء اليمنيين التي لا تزال تراق اليوم في مناطق الصراع في شمال الشمال ذلك أنه لا معنى للتوافق والتصالح والانسجام السياسي إذا لم ينجح في إيقاف نزيف الدم الذي تجدد مع بدء اختتام مؤتمر الحوار الوطني, وأقصد بذلك أن المشكلة بين طرفي الصراع في صعدة لا تزال قابلة للحل, والحل الناجح لن يكون إلا بيد الدولة التي نأمل أن تضع بجهودها حدا لهذا الاقتتال الدائر من خلال فرض نفسها بمسؤوليتها الدستورية والأخلاقية والإنسانية والدينية على المشهد, ووضع الطرفين أمام حكمها العادل الذي سيكون على من يرفضه أو ينقضه أن ينتظر المواجهة مع الشعب اليمني بأكمله .. وأظنني لست بحاجة إلى تذكير من يصر على رأيه وحساباته غير الوطنية بتلك الأمثال والحكم الشعبية التي تنصح الإنسان بأن يحتكم إلى رأي الناس ويقبل بمقررات الصلح ويلتزم بها, وإن لم, فليعلم أنه خاسر طال الزمان أم قصر.
على العموم, يبدو لي أن القيادة السياسية منذ اليوم ستتعامل بمنطق مغاير .. ستضع المهووسين بالحروب والدماء أمام خيار واحد, وهو إيقاف الحرب, وستنطلق في ذلك بإرادة سياسية مسؤولة معززة بإرادة الجماهير, هذه الجماهير التي ستقف إلى جانبها في إعلاء صوت الدولة في شكلها التوافقي الاتحادي القادم, بحيث يحتكم الجميع إلى هذه الدولة التي تعمل وستعمل على إعادة الحقوق إلى أصحابها والمساواة بين مواطنيها في الرعاية, وحتى في التقصير إن وجد في المستقبل.
ومع انطلاق جهود اللجنة الرئاسية الجديدة لحل الصراع بين الحوثيين والسلفيين – بما يؤكد الإرادة السياسية الصادقة والمصرة على النجاح بإيقاف الحرب – فإن الأمل لايزال يراودنا بأن ثمة من سيتحتم عليه أن يستجيب لصوت العقل ويكف عن قتل إخوانه اليمنيين بدم بارد, أو بمبررات واهية لا ترقى إلى مستوى الحجة التي تسمح له بارتداء عباءة الدولة وتأديب الآخر أو الحكم عليه بالموت.

fathi9595@gmail.com

قد يعجبك ايضا