لم تترك عناوينها
محمد المساح
توغل الليل في مساره وهو واقف على رصيف الشارع لا حقيبة سفر على ظهرة في أحد يديه كيس نايلون لخفته كأنه يشاركه تلك الاسترجاعات والتداعيات من حواف الذاكرةـ ويتوحد معه في تلك الهنيهات الزمنية سارحا في نظرة غائمة عبر الأشياء من حوله والسيارات تعبر الأسفلت الأسود والضجيج والحنين الذي ترسله إجزازات الموتورات وهي تعزف تلك النغمات من كثرة التكرار تلاشت ذبذباتها الصوتية في طبلة الأذن وأصبح السمع يسمع أولا يسمع الأمر سيان حين التعود.
شعر أن الشرود الذي أخذه ذلك الوقوف الغريب على الرصيف قد طال انسحب متناقلا نحو الجدار الحجري وقرفص ليستريح نهض من جلسته أوقف دبابا وهو يصعد قائلا له إلى نهاية الشارع وبعدها سنفكر إلى أين!!
الشارع الرئيسي هو هو.. لم يتغير استطال إلى مدى أبعد أخذ يتلفت على جانبيه عله يرى ذاك المطعم أو ذاك المقهى حينها بالتأكيد سيلمح أحد الوجوه تلك التي تذكرها ويقول لصاحب الدباب أيوه.. بس هنا.
وصل الدباب إلى نهاية الشارع ولم يشاهد ما كان يتوقعه في تلك الحالة الارتباكية قال له صاحب الدباب وصلنا إلى أين¿ لم يجد أمام نفسه وبسرعة نحو البحر..
سار الدباب عبر شوارع والتف وانحنى هنا وهناك حتى وصل إلى الكورنيش توقف وهبط صاحبنا حاسبه وذهب على ضوء تلك القناديل التي تنعكس أضواؤها في غيم من نسمات البحر وتلك الضبابية التي نقلته إلى زمن لا يدري أهو حقيقي¿ أم هو مع إجهاد الذاكرة المتعبة شظايا وأطياف أزمان انطوت وغابت مع تلك الوجوه والصور وهي تضج بصدى الضحكات الصافية المقطرة من جدار القلب لأولئك الذين ذهبوا ولم يتسن لهم الوقت لترك عناوينهم.