القليل من الزيت يكفي
وجدي الاهدل
لقد تعاقب على رئاسة الهيئة العامة للكتاب نخبة من أعلام اليمن وخيرة مثقفيها ومنهم الأديب خالد الرويشان الذي صار فيما بعد وزيرا للثقافة والكاتب والمثقف الموسوعي فارس السقاف الذي صار الآن مستشارا لرئيس الجمهورية للدراسات الإستراتيجية كما يرأسها حاليا الكاتب والمفكر عبد الباري طاهر. وهؤلاء هم أصحاب مشاريع ثقافية تركت بصمتها في المجتمع اليمني وكل واحد منهم كان له نصيب من إصدار الكتب ومساهمته في نشر الكتاب اليمني وإخراجه من الأدراج. طبعا هناك محدودية في عدد العناوين المطبوعة وكميتها والسبب هو ضآلة المخصصات المالية المرصودة من الدولة لطباعة الكتاب. ينبغي أن نلاحظ أن الملف الثقافي في اليمن مهمل منذ قيام الثورة في عام 1962 ومعظم الحكومات المتعاقبة كانت تضع الملف الثقافي في آخر جدول أعمالها وهو ملف مؤجل والجميع يتحجج بأن الحكومة مشغولة بملفات كبرى وقضايا عظيمة ومشاكل أكثر أهمية وإلحاحا وعليه يتم إقصاء الثقافة من دائرة الاهتمام وتقليص نفقاتها إلى الحد الأدنى. التقيت قبل فترة بشاب ساخط على الهيئة العامة للكتاب وكان يشتمها وكأنه يذكر ولدا يناصبه العداء في الحارة لا هيئة حكومية! ذكرته بأن الهيئة قد طبعت الأعمال الكاملة للروائي اليمني محمد عبد الولي – توفي في عام 1973- الذي يعتبر المؤسس للرواية الحديثة في اليمن وذكرته بأن هذه هي المرة الأولى التي تقوم مؤسسة حكومية بطباعة أعماله فإذا بالشاب يناقض نفسه دون أن يدري ويقول أنه ذهب إلى الأستاذ عبد الباري طاهر في مكتبه وحصل منه على نسخة مجانية ثم ابتسم وقال إنه سمع أن الهيئة بصدد إصدار طبعة فاخرة من الأعمال الكاملة لمحمد عبد الولي وأنه سيذهب مرة أخرى للحصول على نسخة مجانية من الطبعة الفاخرة! هكذا “نفسيات” لا تساعد على نجاح العمل الثقافي علينا أن نكون منصفين وأن نقول لمن أحسن عملا “أحسنت”.
لاشك أن طموحات المؤلف اليمني أكبر بكثير والأمل الذي في نفوسنا يتجاوز بسنوات ضوئية الحصاد الثقافي المتواضع الذي تنتجه سنويا المؤسسات الثقافية الحكومية والحل في تقديري هو إنشاء صندوق “دعم الكتاب” وتوفير موارد مالية جيدة لهذا الصندوق على أن يكون الهدف من إنشاء الصندوق هو توفير الكتب المخفضة للأسرة اليمنية وأن يشمل برنامج الطباعة الكتب العلمية والتاريخية والجغرافية والأدبية والتراثية التي تؤسس وعيا راقيا لدى الأجيال الشابة الصاعدة. أي أن يكون على غرار مشروع “مكتبة الأسرة” في مصر. وأعتقد أن اقتطاع “سنت” واحد من كل برميل نفط يباع – الدولار يساوي مائة سنت- سوف يؤدي إلى خلق ثورة ثقافية في اليمن وظهور معجزات علمية لم يكن لها أن تظهر لولا وفرة الكتب ورخص ثمنها.. “سنت” واحد هو مبلغ ضئيل جدا ولن يؤثر بالمرة على إيرادات الدولة ولكنه كفيل بإحداث نقلة عظمى في حياة اليمنيين وجعلهم في مصاف الشعوب القارئة المثقفة.. إنني أطالب الحكومة في اليمن بأن تتخذ القرار الشجاع بأن تخصص القليل جدا من زيت النفط لإضاءة العقول وتهذيب الأرواح.. يقال أن مليارديرا يملك شركة نفطية التقى بالفنان بابلو بيكاسو وقال له أمام الملأ: “كلانا صار غنيا من بيع الزيت!”. فجاوبه بيكاسو: “لكن هناك فرق.. أنت احتجت إلى أن تبيع الكثير منه لتصير غنيا وأما أنا فلم أحتج إلا القليل جدا منه”.
*وجدي الأهدل- كاتب يمني.