لجان × لجان
يكتبها: علي بارجاء
إذا أردت أن تميöع قضية أو تفشل مشروعا فأوكل أمرهما إلى لجنة, هكذا يقول الناس جهرا لا همسا, وإذا كان هذا القول غير صحيح دائما, ولكن الناس تعارفوا عليه, وصاروا يردöدونه كلما سمعوا قرارا بتشكيل لجنة ما في شأن من الشؤون العامة لكثرة ما يرونه من عجز اللجان عن إيجاد حلول حاسمة للقضايا التي شكلت من أجلها, و عدم تحقيق إنجاز ذي قيمة يعود بالنفع على الصالح العام, ناهيك عما عرöف عن اللجان من التطويل والانجرار وراء الروتين, والدخول في المماحكات الناتجة عن تأثر أعضائها بوجهات نظر وآراء ومواقف مسبقة, أو بتأثير من الجهات التي ينتمون إليها بهدف محاولة كل عضو أو مجموعة أعضاء السيطرة على مخرجاتها, وتجييرها لصالح طرف أو أطراف بعينها, ما لم يصل الأمر إلى عرقلتها عن أداء دورها في أسوإ الأحوال, وقلما تخلو لجنة من اللجان من هؤلاء وأولئك!
اختيار أعضاء اللجان التي تشكل هنا وهناك في كل أمر يعجز المسؤول المباشر عن اتخاذ قرارات شجاعة وسريعة, وتقديم حلول ناجعة, يعد شكلا من أشكال التهرب من المسؤولية, مخافة الإخفاق في إرضاء جميع الأطراف التي يهمها الأمر وغالبا ما يفسر هذا التهرب بأنه أسلوب ديمقراطي ينفي عن المسؤول صفة الديكتاتورية التي أصبحنا نسمعها تطلق كثيرا في غير مواضعها حتى في القضايا التي تستوجب اتخاذ قرارات مباشرة من المسؤول نفسه.
تشكيل اللجان لا يكون عادة إلا في القضايا الكبيرة, وربما المصيرية, التي يحتاج حلها إلى مساهمة أكثر من جهة, والاستهداء بأكثر من رأي. أما أن تشكل لجان في كل قضية صغيرة كانت أم كبيرة فذلك تعطيل للإجراءات الإدارية, وتسويف في حلها.
معلوم أن تشكيل اللجان لا يكون إلا في حال عدم وجود مؤسسات الدولة أما في وجود الدولة ومؤسساتها الإدارية والتشريعية والقضائية والأمنية, فإن اللجان تصبح تجاوزا وتجاهلا لتلك المؤسسات, بل إعفاء وتهميشا, وإبعادا لها عن ممارسة دورها المناط بها بحسب الدستور والقوانين النافذة.
فلجان مثل لجنة إعادة المبعدين من وظائفهم, هي لجنة تمارس مهام وزارتين مهمتين هما الخدمة المدنية والمالية, وكذلك لجان الأراضي والعقارات التي نهبت في الجنوب بعد حرب صيف أربعة وتسعين, هي لجان تمارس دور مصلحة أراضي وعقارات الدولة والقضاء, كل ما في الأمر أن ثمة مبالغ طائلة تصرف من خزينة الدولة في غير مواضعها, ويمكن صرف تلك الأموال في ما يعود بالنفع على الوطن والمواطن.
وإذا كان لا بد من تشكيل اللجان تلو اللجان, والإنفاق عليها كل هذا الإنفاق, فينبغي ترشيدها, ومراعاة أن تحقöق المرجو منها في أوقات قياسية وبكلفة أقل, وأن يراعى في اختيار أعضائها من أهل الكفاءة والعلم والخبرة, بعيدا عن المحسوبية والاسترزاق.
إن بعض الجهات تحرص على ترشيح أعضائها للجان من ذوي القدرة على الكلام والخطابة والمواجهة والتعصب للرأي, متصورين أن المشاركة فيها هي ذهاب إلى ميدان حرب وقتال, وأن فيها ربحا أو خسارة.
وإذا صح الأمر في اللجان الخاصة بجهات حكومية تتصل بقضايا خاصة بها. فإن اللجان التي تناقش الأمور العامة المرتبطة بقضايا الشعب ومصير الوطن, ينبغي أن يختار أعضاؤها بروية, وانتخابهم من خيارات متعددة, ما لم يكن أمر الترشح لها متاحا للتقدم بالمنافسة وبحسب وثائق تثبت الكفاءة والخبرة, ولو كان بنسبة محددة تضمن وجود الأعلم والأكثر خبرة وفاعلية ومحايدة.
ولضمان الناحية العلمية وجودة المخرجات وحيادية المعالجة واتخاذ القرارات, والسرعة في الإنجاز, فإن الشركات المختصة بدراسة ومعالجة المشكلات, وتقديم الحلول والمقترحات, تكون هي الأولى لتحل محل كثير من اللجان, ويمكن أن توكل إليها تلك المهام, مع إمكانية اقتراح كوادر وطنية من أهل الشأن والكفاءة والخبرة للمشاركة فيها.