الازدواج في التعامل السياسي مع الحرب

عبدالرحمن مراد

مقالة


 - يقول المفكرون إن توزيع نظام القيم يتصل بالسلطة بأشكالها المتعددة.. الثقافية والدينية والاجتماعية والسياسية ويرون أن سوء ممارسة السلطة يطور دائما قيما سلبية
يقول المفكرون إن توزيع نظام القيم يتصل بالسلطة بأشكالها المتعددة.. الثقافية والدينية والاجتماعية والسياسية ويرون أن سوء ممارسة السلطة يطور دائما قيما سلبية لا تعدم أن تجد من يسعى لانتهاكها إما انطلاقا من رؤية ما أو من منظور معين وعند تلك النقطة يحدث تقاطع وجهات نظر الفاعلين في مسار الحياة ومثل ذلك التقاطع باستقطاباته يشكل النسيج الدلالي.. وهو الأمر الذي يجعل من قضية الالتباس قضية احتيال في مستوى يمكن التفكير فيه إذ أن حقل الاحتمالات الدلالية المتشعب عنها يفصح عن قصور وعجز في التفسير والتأويل وتحديد المآلات.. وهنا ينشأ كما يرى ذلك المفكرون نوعا من التضاد الذي يتعمق كلما استمر سوء الفهم.. فالذين يمارسون ازدواجا ظاهرا في شلالات الإيحاءات هم أكثر حرصا على إرسال رسائل مشبعة بالرموز والقرائن يهدفون من خلالها إلى تحقيق غايات ومقاصد في نفوسهم قد تكون مضمرة أو قد تكون ظاهرة والوقوف أمام تلك الإيحاءات والقيام بتنضيدها والتأمل فيها يجعلها قابلة للفهم في كونها اتجاها لا ينتج عنها إلا قيما سلبية وقاتلة.
ولعل الحرب التي نتفاعل مع قرائنها ورموزها والتي حدثت وتحدث في بقاع متناثرة من اليمن تجعلنا نقف حائرين أمام شلالات إيحاءاتها وازدواج الموقف السياسي منها بل يمكن القول موقف السلطة بأشكالها المتعددة الثقافية والدينية والاجتماعية والسياسية.
فثنائية الحضور والغياب في الخطاب والموقف من الحرب يجعلنا نرى أن الازدواج ليس تضادا أو تقاطعا بل حرص شديد تتعمده السلطة بأشكالها المتعددة طبعا والسياسية بالذات لتبعث من خلاله رسائل مشبعة بالزمور والقرائن وهي رسائل متعددة منها ما هو إلى الداخل ومنها ماهو إلى الأقليم ومنها ماهو إلى المجتمع الدولي.
وحين تعمد السلطة الدينية إلى تجاوز المحددات الموضوعية والقواعد العامة الواضحة في التعامل مع الحرب من حيث الإصلاح والتحقيق والتحقق من معرفة الباغي وردعه فإن لم يفئ إلى أمر الله قتاله باعتباره باغيا إلى الدعوة إلى نصرة طائفة دون غيرها تقع تلك السلطة في الازدواج والازدواج هنا ليس تضادا كما أسلفنا بل هو فعل منظم وممنهج وهو في جوهره اشتغال سياسي ووقوع السلطة الدينية في مثل ذلك مساس بجوهر الدين وتصبح القضية هنا قضية شائكة لأن الازدواج بين الفعل السياسي والمبادئ العامة للدين في البعدين الروحي والأخلاقي هو التفكيك بعينه للمنظومة القيمية وهو الهدم والفساد من حيث تظن الإصلاح هذا التفكيك وذاك الهدم يمسان الدين في كلياته وفي رمزياته وهو الأمر الذي سيفضي إلى حالة اللا معيارية ومثل هذه الحالة تعمل على تشويه التصورات الذهنية في المستقبل القريب.
ومفهوم اللامعيارية عند علماء الاجتماع هو انعدام القانون وفقدان القدرة على الانضباط وانعدام الشكل والنموذج وانعدام الأخلاق وظلال هذا المفهوم أصبح حقيقة اجتماعية وسياسية نشعر بها في واقعنا ولا يتجاوز خط التماس لها والاعتراف بها إلا مكابر.
وإذا كانت دوافع الحرب لا تتجاوز الخوف والمصلحة والمكانة والانتقام ومثل تلك الدوافع هي الباعث الحقيقي للشعور بفقدان القوة وهو الشعور الذي يفضي بالضرورة إلى فقدان المعنى وفقدان المعنى هو حالة التيه التي أصابت الأمم من قبلنا- كما يتحدث عن ذلك القرآن الكريم- والتيه هو عدم الإحساس بفهم الأحداث التي ترتبط بمسار حياتنا وسياقها العام وهو حالة من الالتباس تجعلنا غير قادرين على الاختيار بين البدائل أو ضبط الحوادث ونتائجها أو التنبؤ بالنتائج السلوكية وهو العنصر الذي يعمل على تدمير المعايير الاجتماعية في تنظيم السلوك الفردي والجمعي.. وأظن أننا ما ننفك عن سماع سلوكيات مشوهة للقيم الاجتماعية لم نكن نتوقعها فالحرب- أي حرب- أتعس نتائجها لايخرج ظلالها عن التفكك الفردي والتدهور الثقافي واللا معيارية.
وأمام مثل ذلك أصبحت السلطة الثقافية والسلطة السياسية في المحك فهما مطالبتان بالتأكيد على الفلسفة الأخلاقية التي تمثل الطابع القومي والوطني ومنع إثارة الضمير الجمعي والمحافظة على التضامن الاجتماعي وإشاعة ثقافة التسامح إزاء الذنوب التي تهدد المشاعر الجمعية العميقة وتؤدي إلى تفكك المجتمع وتعمل على الإخلال بتوازنه ويتوجب عليهما مواجهة الأحداث برد الفعل المكثف الذي يرتبط بالقواعد الأخلاقية وبتفسير الظواهر بالاعتماد على مفاهيم التوازن والتوافق والاستقرار وإذا لم نتدارك اليمن فقد تذهب إلى كثبان الضياع.

قد يعجبك ايضا