ما الأصل الوحدة أم التجزؤ (2)
* أحمد الأحصب
عودة إلى الإعلام المرئي غير المحترف وإلى ضيوفه المغالطين الذين يقلبون التاريخ رأسا على عقب في محاولة لشرعنة مشروع الانفصال وترويجه وهو مشروع من الواضح افتقاره إلى منطق سياسي وتاريخي معقول. مثل أولئك المتحدثين يسوقون أمثلة عن حالات تعدد الدول في التاريخ اليمني للبرهنة على أن أصل السياسة في اليمن هو الانفصال وتلك حجة سخيفة لا تصمد أمام أي مراجعة.
أولا: ما حصل من تعدد دول لم يكن في حقيقة الأمر إلا غيابا للدولة المركزية وضعف سلطتها لا انفصالا. فظهور أكثر من دولة في هذه الحقبة أو تلك لم يكن نتاج مشروع جماعي واعي لجزء من السكان شعروا بأنهم مختلفين ولهم هوية تميزهم عن بقية سكان اليمن وإنما تعبير آخر عن ضعف الدولة ليس إلا. ودليل ذلك هو أن مناطق الأطراف التي تكون أكثر المناطق معاناة من ضعف سلطة الدولة كانت هي الأكثر انفصالا كحضرموت وصعدة وشمال تهامة بينما ظلت بقية المناطق كتلة واحدة غالب الأوقات. فكانت القاعدة أنه متى ما شهدت الدولة ضعفا شهدت خروج بعض مناطقها عن سلطتها وكلما زادت ضعفا خرجت المزيد من المناطق.
وعندما كانت الدولة تستعيد عافيتها وتتوفق بقادة أكفاء كان التعدد ما يلبث أن يختفي بالسهولة التي ظهر بها. كما أن انفصال الأطراف وعودتها ظاهرة نجدها في كل دول العالم بلا استثناء. وعليه فحالة التعدد حالة سياسية متعلقة بقوة الدولة وضعفها لا بحقيقة انفصالية ولا بأي شيء آخر.
ثانيا: كان التقسيم أو التجزؤ الذي حصل في بعض العصور عملا عشائريا قبليا قام به شيوخ العشائر لا جزء من السكان لهم رؤية ومشروع سياسي. وبكلمات أخرى إن ظهور الدويلات في العصور المختلفة لم يكن مشروعا جماعيا بل مشاريع فردية مفروضة بالقوة. ولم تناضل مجاميع سكانية من أي منطقة ولا في أي زمن من أجل الانفصال على الإطلاق طوال تاريخ اليمن. وظاهرة دول العشائر تستولي على كل حقب التعدد في تاريخ البلد كما في زمن التعدد بعد القرن التاسع الميلادي وحقبة التجزؤ في المناطق الجنوبية والشرقية منذ القرن الثامن عشر إذ كانت غالبية الدويلات عشائرية يرأسها شيوخ قبائل يدعون أنفسهم سلاطين وملوك. وعلى العموم لا يمكن النظر إلى قيام تلك الدويلات العشائرية خلال العصور إلا على أساس كونها حالات تمرد داخلية وليس أكثر.
ثالثا: لم تنقسم اليمن على أساس ثنائي على الإطلاق ولا يمكن اعتبار التقسيم جنوب/شمال حالة قديمة. والجنوب العربي الذي يرفع الحراك شعاره ليس له بالتاريخ أي صلة. والسبب بسيط هو أنه لم يوجد من قبل1967م. والتقسيم الأخير قبل الوحدة لم يتجاوز به العمر الثلاثة والعشرين سنة. ورغم محاولات البريطانيين الضغط على الدويلات العشائرية الكثيرة في المحميتين الغربية والشرقية وضمها في مشروع اتحاد إمارات الجنوب العربي وهو المشروع الذي طرحته منذ الخمسينات إلا أن عددا من تلك الدويلات رفضته.
Alahssab@gmail.com