جمرة الجمرة.. رحلة الأشواق والمتعة والجمال..!!
عبدالرحمن سيف إسماعيل
بضعة أيام قضيتها في متعة مع رحلة الشوق والشجن.. متعة الطفولة الباكرة الناضجة مع أحلام الشباب وحكمة الكهولة مع أصالة الثقافة المتجسدة في الروح الوثابة.
كانت الرحلة ممتعة مع “حكاياتي عبر الزمان والمكان” مع الأستاذ المتميز الجميل علي صالح الجمرة.. لم أشعر طوال رحلتي معه بالكلل أو الملل فقد اصطحبني معه لما ينيف على خمسين عاما من روابي ووديان وقمم قرية الحضر.. مستمتعا بجوها ونسيمها.. بوابل الأمطار ورذاذها المتساقطة برتابة والمنسابة من على صخور القرية الجميلة التي تنام على أطرافها وخصلات شعرها بل يهدد محلقا في أنحاء مختلفة ومختارة من العالم.. حيث يسكن الوعي والتطور والحضارة وتتحقق معجزات الإنسان.
حكاية جميلة بدأها بصرخات بكائه حينما رأى النور لأول مرة وتعرف على صور أصحاب الأصوات التي كانت تتسرب إلى أذنيه قبل أن يرى الحياة وذلك في 24 ديسمبر 1945م في قرية الحضر ناحية جبل الشرق – قضاء آنس وهو ميلاد رجل كان شاهدا على المعاناة والتطور وانتهت هذه الرحلة الحافلة في تسعينات القرن الماضي بعد مرحلة من التغيير والتطوير والتي شملت قيم الناس ومبادئهم.
بأسلوب جميل وشيق ورائع عشنا هذه الرحلة الممتعة جدا.. بين بساتين ورياض قرية الحضر الجميلة .. مستمتعين بخرير المياه وجداولها.. بأنوار علماء بيت الجمرة الذين مثل عملهم رديفا متميزا لعلمهم.. حيث كانت هذه الأسرة الطيبة وما تزال إحدى تجليات الرحلة المباركة.
فقد كانت طوال هذه المرحلة المتغيرة تنير أحرف هذا الكتاب المتميز.
كانت الأمطار تهطل بغزارة وتغسل قلوب البشر من دون الخوف والقهر والجهل.. وفي هذا المناخ الطيب توحدت الطبيعة بالأمل الجميل.. وأنارت مضامين فلسفة أبيه وعمه أو بقية أفراد الأسرة الكريمة عقول الناس وهذبت أخلاقهم لارتباطها الموضوعي بالتربية الدينية والخلقية الحسنة والتعاليم الكريمة للدين الإسلامي وظلت هذه المضامين تومض في روح أحرف الكتاب وعباراتها ثقافة وفكرا ونورا وجمرا توقد بالأنوار وتستوقد بالمعارف والقيم الإنسانية الممتعة.
استطاع الجمرة بحدسه المتميز وذكائه المبكر أن يسجل الواقع بقلمه الجميل وذاكرته الصافية وأن تلم عدسته بتفاصيل الأنور ودقائقها .. كانت تلتقط اللحظة وتخلدها.. فكانت الحكاية عبارة عن لقطات وصور جميلة متصلة مع الواقع التقليدي الجامد الذي بدأت تغزوه التقنيات العلمية الحديثة “الراديو” الحدث الجديد الأبرز الذي كان له صدى واسع.. صندوق يتحدث حول محور اهتمامات الناس جميعا فالجميع يستمتعون بأدائه ساعة متحركة ومسجلة تطرب الناس وتحرك أشجانهم وجميعها من علامات التحول والتبشير بفجر جديد كان قد أهمله الوعي الاجتماعي الذي توقف عند إمام ظالم وفكر سياسي جاهل.. ينظر للعالم من أفق سياسي مغلق.
فأسرة الجمرة المتنورة.. المدركة لمتطلبات الواقع الاجتماعي كانت عبارة من مدرسة اضطلعت بمهمة التنوير باكرا في اليمن.. تعاملت مع العصر بروح العصر ومنطقه.
فاستقدمت التكنولوجيا كسرا للحضور ولإقناع الناس بأن هناك مجتمعات إنسانية أخرى تعيش حياتها وتتعامل بوعي بينما هذا الواقع الذي فرض عليه التخلف مازال محروما من أبسط مقومات الحياة.
كتب الجمرة سيرته الذاتية بأسلوب علمي جديد ولغة سهلة.. مستوعبا مختلف الأحداث والوقائع التي مر بها اليمن وكان الجمرة شاهدا عليها وناقدا لها.. متفرجا أو مشاركا وهي الأحداث والمواقف التي تأثرت بها البلد سلبا أو إيجابا.
كان استاذنا القدير على الجمرة حاضرا في كل المنحنيات والمواقف.. بوعيه ودراكه الموضوعي بثقافته الأصيلة.. بمواقفة ورؤاه الحكيمة ببساطته وتلقائيته المعتادة.
وكون خلال تلك المسيرة فلسفته الخاصة التي اتسمت بالموضوعية والحيوية.
مستفيدا من التراكم الثقافي والفكري الذي نشأ عليه في أسرة دينية تمكنت من قيادة التنوير في تلك المرحلة التاريخية المغلقة.
في هذا المناخ تشكل وعي أستاذنا القدير علي صالح الجمرة ومنه انطلق مفردا مبتهجا.. سعيدا بطفولته وأساسه المعرفي الرائع الذي كان وفي كل مراحل حياته ثورة على الرقابة والتقوقع والجمود ولهذا اتسمت إدارته للمؤسسات الإعلامية بالشفافية والحيوية والتفوق.
كان الجزء الأول من حكايته عبارة عن ذكريات طفل استوعب الواقع بكل تناقضاته وآلامه..مستفيدا من المدرسة الجمرية وتراكمات ثقافتها الوطنية والتربوية التي اكتسبها خلال سيرته في طلب العلم داخل البلد وخارجه إلى أن أصبح رجلا منخرطا في الحياة العملية.. مشاركا في القرار وشاهدا على عصر التحويلات