تاريـخ مشــرف.. ومـآلات عــدة..!
إبراهيم العبسي
إبراهيم العبسي –
● أسهمت عوامل الجوار والثقافة والعادات والتقاليد المشتركة وما إليها في انتقال العمالة اليمنية بأعداد كبيرة ومستمرة إلى السعودية وبلدان الخليج الأخرى منذ حوالي العقد الخامس من القرن الماضي ولم تكن هذه العملية منذ البداية أو بعد ذلك منظمة بل خضعت على الدوام لعوامل الجذب والعرض والطلب وحاجة هذه البلدان وأسواق العمل فيها حيث كانت في أوضاع تحتاج فيها للعمالة العادية والزراعية والحرفية وغيرها لتلبية حاجة الأنشطة والقطاعات الناشئة الخدمية والتجارية والعمرانية وفي الإدارة الحكومية والقوات المسلحة وقوات الشرطة في بعض هذه البلدان وفي الشركات الجديدة وغيرها الأمر الذي ساعد العمالة اليمنية بما امتلكت من التنوع والقدرات والحماس على الالتحاق بهذه المجالات والقطاعات وفي عموم المناطق والمدن وقامت منذ البداية بجهود وإسهامات مشهودة وكبيرة في مجالات الخدمات والبناء والتنمية والتعمير وحيث أتيح لها في هذه البلدان وهو ما أكسبها ثقة واحترام حكومات وشعوب هذه البلدان وما عزز في ذات الوقت من فرص عملها ونجاحها وانتشارها في مختلف المجالات وحصلت بالمقابل على العديد من المزايا والتسهيلات من قبل حكومات هذه البلدان في العمل والاستقرار وغير ذلك باستثناء ممارسة النشاط التجاري في المملكة العربية السعودية إلا عبر سعوديين فإن العمالة في بلدان الخليج العربي كانت أكثر من مجرد عمالة عربية أو غير عربية وكان لها وبخاصة خلال عقدي السبعينات والثمانينات من القرن الماضي من الدور والجهود والنجاحات والمكانة والثقة ما جعلها تتسيد بامتياز مشهد النهضة وجهود وأعمال البناء والتنمية في هذه البلدان وبخاصة المملكة العربية السعودية الجار الأقرب والتي استوعبت العدد الأكبر من هذه العمالة ومنحتها فرص العمل والحركة كما لو كانت عمالة سعودية وظهر ذلك في الكثير من جوانب وملامح هذه الشراكة والصفات المشتركة والعلاقات المتميزة التي جمعت بين اليمنيين وأشقائهم أبناء بلدان الخليج وكانت بحق ملحمة طويلة وسيمفونية جميلة أنتجت ما جرى وما شهدته هذه البلدان من جوانب النهضة وعمليات البناء والتنمية القائمة والمنتصبة اليوم .
ومن المفارقات الهامة في هذا المجال أنه على الرغم من التحولات والمتغيرات الكبيرة الاقتصادية والسياسية التي شهدتها هذه البلدان خلال العقود الماضية واستقبالها لعمالات كبيرة من بلدان عربية وأسيوية عديدة فإن العمالة اليمنية استطاعت خلال ذلك الحفاظ على ذلك الرصيد الكبير والتاريخ المشرق والمكانة المتميزة التي تحققت لها بفضل دورها وجهودها ونجاحاتها المشهودة في مختلف مجالات وميادين العمل في هذه البلدان بل أنها فضلا عن ذلك استطاعت شغل مواقع ومجالات هامة وجديدة لم تكن تشغلها من قبل .
إلا أن العمالة اليمنية التي كان لها كل هذا الدور وهذه النجاحات في مجالات العمل في بلدان الخليج عانت كثيرا من جراء تذبذب العلاقات السياسية التي سادت من حين لآخر بين اليمن وبلدان الخليج ومن عدد من الأوضاع والأحداث السياسية والاقتصادية التي شهدتها هذه البلدان ومن ذلك انخفاض أسعار النفط والأزمات الاقتصادية والسياسية العالمية وحرب الخليج الأولى بين العراق وإيران وحرب الخليج الثانية عام 1990م ومن تشبع القطاعات الأساسية الخدمية والتجارية والعمرانية في هذه البلدان ومن جراء منافسة العمالة الأخرى العربية والأجنبية .
وفي الجانب الآخر عانت العمالة اليمنية كثيرا من جراء ضعف وغياب الحد الأدنى اللازم من الاهتمام والرعاية والخدمات والتسهيلات اللازمة من قبل دولتها بل أنها فوق ذلك عانت كثيرا من تركها على الدوام مهملة ومغيبة في الخارج وعرضه في الداخل للابتزاز والعناء والضرر من قبل بعض السماسرة وضعفاء النفوس في المنافذ والطرقات ومن قبل بعض الجهات الأمنية والمحاكم وتجار الأراضي و المتنفذين وغيرهم وبموازاة تجاهل مريب لأدوارهم الكبيرة والمشرفة في خدمة بلادهم ودعم اقتصاده وعملية تنميته أما ما قيل وتردد كثيرا عن اهتمام ومدن سكنية وصناعية وبنوك تجارية وتأمينات اجتماعية ومشاريع استثمارية وأراض وحقوق انتخابية وغيرها للمغتربين فلم تكن إلا من باب الاستهلاك الإعلامي وخطابات المناسبات .
إلا أن أزمة حرب الخليج الثانية عام 1990م وعودة حوالي مليون مغترب من السعودية والكويت آنذاك وما تلى ذلك من تداعيات وإجراءات كانت نقطة فاصلة في تاريخ ومسيرة هذه العمالة فبالنسبة لمن عادوا للوطن آنذاك وعلى خلفية