هيبة الدولة كوظيفة اقتصادية إلى أين¿

أ.د محمد أحمد الأفندي

 - إن هيبة الدولة ليس مفهوما شخصيا أو قدسيا يرتبط بهيبة الحاكم أو هيبة السلطة ولكنه مفهوما مرتبطا بهيبة النظام والقانون وسيادتهما على الجميع دون تفرقة بسبب العرق أو النسب أو الجاه
أ.د/ محمد أحمد الأفندي –
إن هيبة الدولة ليس مفهوما شخصيا أو قدسيا يرتبط بهيبة الحاكم أو هيبة السلطة ولكنه مفهوما مرتبطا بهيبة النظام والقانون وسيادتهما على الجميع دون تفرقة بسبب العرق أو النسب أو الجاه أو المكانة الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية.
وقد اكتسب هذا المفهوم مقاصدا وأبعادا جديدة بعد ثورات الربيع العربي. فالهيبة مرتبطة بالدولة ومن ثم فإن هيبة الدولة أضحى مفهوما متعديا لمكونات الدولة كشعب وأرض وحكومة وهنا يمكن الحديث عن هيبة الحكومة وهيبة الشعب وهيبة الأرض.
وينطلق هذا المفهوم المتعدي لمكونات الدولة بتعريفها المعاصر من أن هيبة الدولة هو مفهوم مرادف لشرعية الدولة التي هي وثيقة الصلة بسيادة الدولة مما يعني إدماج واستيعاب السيادة في مضمون الشرعية التي من شأنها ضمان هيبة الدولة. وبناء على ذلك فإن هيبة الدولة تعني سيادتها على أراضيها وتلك سيادة شرعية فأي تنازل أو عدم ممارسة الدولة سيادتها على أراضيها كاملا إنما يعد ذلك انتهاكا وانتقاصا من هيبة الدولة إن استخدام السلاح والعنف في تحقيق مطالب فئوية أو مناطقية يعد انتهاكا وانتقاصا من هيبة الدولة وشرعيتها وحتى تحافظ الدولة على شرعيتها وسيادتها على الأرض فإن عليها أن تحمي وتحافظ على حقوق الناس والأفراد وهنا لا بد أن يؤدي القضاء القوي دوره الفاعل في حماية الحقوق وتحقيق سيادة القانون على الجميع وإنصاف المظلومين.
ولا ريب أن تقاعس الدولة عن تطبيق القانون وتفضيلها التجاهل أو المداهنة ينتقص من هيبة الدولة وأما البعد الثاني في هيبة الدولة فهو هيبة الحكومة وتلك تعني سيادة الحكومة ومن خلال القوانين والنظم واللوائح والمؤسسات التنفيذية والرقابية على إدارة الشأن العام للمجتمع في المستوى المحلي والمستوى المركزي وتكتسب الحكومة شرعيتها بتطبيق هذه القوانين والنظم دون محاباة أو مجاملة أو انتقائية أو تمييز.
إن زيادة كفاءة الحكومة وفاعليتها في حماية واحترام حقوق الأفراد والمجتمع وتحقيق العدالة وضبط الخارجين عن القانون والنظام وتوزيع الخدمات بعدالة وإنصاف يؤدي إلى استعادة ثقة المجتمع بكفاءة الدولة وبالتالي زيادة هيبة الدولة وشرعيتها في تنظيم شؤون المجتمع.
ويتعلق البعد الثالث لهيبة الدولة بشرعية أو سيادة الدولة على الشعب وهذه الشرعية مرتبطة بشكل وثيق بالعقد الاجتماعي بين الشعب والحاكم أو السلطة (الحكومة بمعناها الواسع) والذي ينظم طبيعة العلاقة بين الشعب والسلطة وهي علاقة قائمة على أساس رضاء الإرادة العامة للناس والاختيار الحر للحكام فالشعب هو مصدر السلطة ومالكها والشعب هو الذي يختار حكامه وهو الذي يعزلهم والحكام ليسو سوى وكلاء عن هذا الشعب وبهذه العلاقة تتحدد شرعية السلطة وسيادتها وبها تتحقق هيبة الدولة واحترامها.
إن شرعية وهيبة الدولة تكون أكثر ارتباطا واتساقا مع قيم ومبادئ العدل والمساواة والحرية والكرامة وسيادة القانون والدستور وفقا لهوية المجتمع اليمني (الشريعة الإسلامية) كما أن هيبة الدولة وشرعيتها وسيادتها لا تتحقق إلا في ظل نظام ديمقراطي صحيح تجري فيه عملية التداول السلمي للسلطة بشكل صحيح وراسخ.
فهيبة الدولة لا تعني التسلط ولا القمع أو الاستبداد كما لا تعني تركيز السلطة أو تأبيدها أو توريثها وشكرا لثورات الربيع العربي التي حررت مفهوم هيبة الدولة من هذه المقاصد والدلالات السيئة فليس من هيبة الدولة الاتكاء على الاصطفائية سواء كانت اصطفائية اجتماعية أو دينية مذهبية أو سياسية فهي لا تتحقق في ظل اصطفائية اجتماعية تؤدي إلى حكم الطائفة أو العائلة أو الفرد أو نخبة عسكرية أو قبلية أو حداثية متسلطة.
ولا تتحقق هيبة الدولة في ظل اصطفائية سياسية لقوة سياسية واحدة تدعي حقها في الحكم وتأبيد السلطة باعتبارها صاحبة الامتياز الوحيد في توجيه المجتمع والسيادة عليه كما هو شأن بعض الأحزاب الشمولية التي ما زالت جاثمة على رقاب ومقدرات بعض الشعوب العربية حتى الآن .
وعموما فإن هيبة الدول لا تعني سيطرة الدولة على المجتمع وكذلك لا تعني سيطرة المجتمع على الدولة.
هيبة الدولة تتحقق بتنظيم العلاقة التعاقدية على أسس العدالة والكرامة والحرية وفي ظل المجتمع القوي والدولة الفاعلة القوية تتحقق هيبة الدولة .
ولذلك فإن الحوار الوطني الشامل الذي انخرط فيه اليمنيون من أجل بناء اليمن الجديد يمثل محطة أساسية ومفصلية في تاريخ اليمن المعاصر لاستعادة هيبة الدولة وشرعيتها وسيادتها إلا أن ذلك لا يبرر تأجيل ممارسة الدولة لسيا

قد يعجبك ايضا