مختصر رؤية (حزب الرشاد) لمحتوى القضية الجنوبية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
فلقد جاء دين الإسلام بهداية الخلق إلى ما يصلح دينهم ودنياهم وتلخصت تعاليم الرسل جميعا في الحفاظ على الضروريات الخمس التي بانعدامها أو انعدام بعضها يحصل الخلل في مسيرة الحياة الإنسانية دنيا وآخرة وهي الدين والنفس والعقل والمال والنسل أو العرض.
لذلك كانت سياسة الخلق في مفهومها الشرعي قائمة على حراسة الدين وسياسة الدنيا به.
وعلى ذلك انقسمت السياسة إلى مسارين:
الأول: السياسة العادلة.
الثاني: السياسة الظالمة.
فبالأول تتحقق العبودية لله والانقياد لحكمه ويتحرر الإنسان من عبودية ما سواه وبه يقوم العدل والميزان وتنهض الشعوب وتعمر الأوطان ويستتب الأمن وتصان الحقوق والحريات المعتبرة والثاني بضد ذلك.
وقد أشار القرآن الكريم إلى عواقب الظلم الوخيمة على الأفراد والمجتمعات كما في قوله تعالى :(وتöلúك الúقرى أهúلكúناهمú لماظلموا) وبين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم خطورة الإعراض عن العدل والتحاكم إلى غير كتاب الله بقوله: “وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله إلا جعل الله بأسهم بينهم”.
فالتنافر والفرقة ثمرة من ثمار نقض الحكم بكتاب الله وحينما انتقض هذا المسار في تاريخنا المعاصر جاءت الانتكاسات وترتب عليه فساد عريض ومظالم وجور الحكام وغابت السياسة الشوروية في مؤسسات الدولة وغيبت وظائفها ومهامها وضعف أو انعدم الالتزام بالعقود والمواثيق التي تحدد العلاقة بين الحاكم والمحكوم.
وحصل بعد ذلك التخلف الحضاري في جميع ميادين الحياة وأعيقت التنمية وضعف الأمن والاستقرار
من خلال ذلك نستطيع أن نتصور المحتوى الحقيقي للقضية الجنوبية والذي مرده إلى سياسة الظلم والخلل في المراحل السياسية التي تعاقبت عليها النخب الحاكمة قبل الوحدة وبعدها.
ولعل ما أسلفناه سابقا في موضوع جذور القضية الجنوبية قد أشار إلى المداخل الرئيسية التي أوصلت القضية الجنوبية إلى وضعها الراهن بأبعادها المتعددة ومن ذلك:
أولا: البعد السياسي.
1- سياسة الظلم والإقصاء.
تخلص جنوب اليمن من سياسة الظلم والإقصاء التي مورست عليه خلال أكثر من عقدين من الزمان منذ عام 67م وتنفس الصعداء من هذه الحقبة باحثا عن دولة العدل والمؤسسات متطلعا إلى آفاق العمل والإنتاج والتنمية الشاملة وتحقيق الرخاء الاقتصادي والعيش الكريم مستدركا حالة الإعاقة في الأيام الخالية غير أنه قد وجدذاته في أطوار حقبة جديدة من الظلم والمعاناة وإن اختلفت عن سابقتها لكن الظلم يظل ممقوتا بمختلف ألوانه وصوره ومن ذلك على صعيد العملية السياسية إجهاض الشراكة السياسية الفاعلة لأبناء الجنوب وإقصاء الكفاءات القيادية ذات المؤهلات العلمية لتحل محلها قيادات نفعية أدمنت على مسايرة ركب الفساد والفوضى.
ولا ريب أن العبث في معيار الكفاءات والمسؤولية يعد بحد ذاته نوعا من الظلم السياسي والاجتماعي ومن ضياع الأمانة وعدم النصح للرعية إذ يقول صلى الله عليه وسلم :”إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة” قيل وكيف إضاعتها¿ قال “إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة”
وهذه السياسة في واقع الأمر لم تقتصر على المحافظات الجنوبية وإنما هي سياسة عامة في عموم مناطق اليمن إلا أن خصوصية التاريخ السياسي والجغرافي في جنوب اليمن قد أكسبتها شعورا كبيرا لدى أبناء المحافظات الجنوبية بأنها سياسة ممنهجة ضدهم دون من سواهم من بقية أنحاء اليمن.
2- إدارة الصراعات السياسية وتغذيتها.
وبعد أن قامت الوحدة اليمنية عام 90م استبشر اليمانيون في جنوب اليمن وشماله بأن عهد الصراعات السياسية وما نجم عنها من الكوارث والحروب قد انتهى إلى غير رجعة وأن الدولة العادلة المأمولة قد تحقق قدومها غير أن أحلامهم قد تلاشت بعد أن مورست سياسات خاطئة خيل إلى أصحابها أن البقاء في الحكم يتطلب إدارة الصراعات وتغذية النزاعات الحزبية والسياسية والقبلية وغيرها فأوجدت هذه السياسة بؤرا للصراعات منذ قيام الوحدة ليستمر مسلسل المكايدات والتنافس على مواقع النفوذ من خلال توظيف الطاقات المختلفة بين الشركاء في السلطة لينتهي بعد ذلك الأمر بإعلان حرب 94م والتي فتحت الباب على مصراعيه للاستمرار على ذات النهج بعيدا عن سياسة الرشد والعمل الجاد للبناء والتنمية والنهضة وما توصلت إليه المنظومة السياسية الحاكمة اليوم ما هو إلا انعكاس لهذه السياسة التمزيقية التي كادت -لولا لطف الله- أن توصل البلاد إلى حافة الانهيار والحروب الأهلية.
3- سوء اختيار الهيكل الإداري وموظفي الدولة.
لم تكن دولة الوحدة موفقة في تمحيص النظم الإدارية ومدى الاستفادة من أفضلها سواء كان ذلك في الجنوب أو الشمال وكذلك الأمر في اختيار الكادر الوظيفي في المحافظات الجنوبية باستثناء قلة من النماذج التي تركت