جدلية التفكير

عبدالرحمن مراد

مقالة


 - لقد تركت حرب صيف‮ ‬94‮ ‬م جرحا‮ ‬نفسيا‮ ‬غائرا‮ ‬وتشوها‮ ‬ولم تكن حرب جغرافيا أو حرب اصطفاف جهوي‮ ‬بل كانت حرب نخب سياسية فالمنتصر فيها لم‮ ‬يكن شماليا‮ ‬محضا‮لو لم تكن من محاسن مؤتمر الحوار
عبدالرحمن مراد –

مقالة

لقد تركت حرب صيف‮ ‬94‮ ‬م جرحا‮ ‬نفسيا‮ ‬غائرا‮ ‬وتشوها‮ ‬ولم تكن حرب جغرافيا أو حرب اصطفاف جهوي‮ ‬بل كانت حرب نخب سياسية فالمنتصر فيها لم‮ ‬يكن شماليا‮ ‬محضا‮لو لم تكن من محاسن مؤتمر الحوار الوطني‮ ‬إلا تلك الجدلية في‮ ‬التحليل والتفكير للقوى السياسية الوطنية لكفى بها كخاصية مهمة في‮ ‬عملية الانتقال التي‮ ‬ينشدها المجتمع اليمني‮ ‬ونخبه الثقافية والسياسية‮.‬
فالقضية الوطنية هي‮ ‬في‮ ‬المقام الأول قضية بناء دولة عجزنا عن التأسيس الأمثل لها طوال عقود مضت‮ ‬وها نحن قد بدأنا بالتحليل وبدأنا بالتفكير وإحساسنا بالإشكالية واعترافنا بها هو البداية الأولى لبناء الدولة بكل ما نملك من طاقات ذهنية وطاقات ابتكارية وإبداعية‮.‬
ولعل المتابع لمجريات الحوار ومتتاليات الرؤى التي‮ ‬تنشرها الصحف حول القضية الجنوبية‮ ‬يدرك أن القاسم المشترك بين تلك الرؤى لايكاد‮ ‬يغادر نقطة الارتكاز الأساسية وهي‮ ‬نقطة‮ »‬الدولة‮« ‬التي‮ ‬تضم تحت جناحيها كل القوى وتظلل كل أحد ولا تقصي‮ ‬أحدا‮ ‬وتضمن مبادىء الحق والعدل والحرية‮.‬
ومهما تعددت الرؤى‮ ‬والتعليلات والتحليلات للقوى السياسية إلا أنها لا تخرج من مظلة تلك المبادىء التي‮ ‬بدأت مع الأنسان منذ تجربته الأولى على الأرض‮ ‬فهابيل وقابيل لم‮ ‬يكونا إلا ظاهرة تجسيدية لواقع سيتكرر‮ ‬وكلما مال الإنسان إلى تلك المبادىء الخيرة وأقضد مبادىء‮ (‬الحق‮ ‬والعدل‮ ‬والحرية‮) ‬كلما كانت دائرة التدافع والصراع أكثر ضيقا‮ ‬ودائرة التناغم والتعايش أكثر رحابة واتساعا‮ ‬فالتكاثر ملهاة من حيث بعثه لقضايا الوجود‮ ‬وتعدد الواحد ضرورة من حيث التنوع والميول‮ ‬بيد أن النسق الحضاري‮ ‬والتأريخي‮ ‬والثقافي‮ ‬يعمل على تكوين الهويات ويعمل ويساعد على تماسكها وتفاعلها مع الضرورات والتطورات‮ ‬لذلك فالرؤى التدميرية والناسفة لتكوينها الحضاري‮ ‬والقافزة على معطيات النسق التأريخي‮ ‬لا‮ ‬يمكنها البقاء لأنها لا تملك مقومات‮ ‬وثمة تجارب في‮ ‬تأريخنا الوطني‮ ‬المعاصر حاولت القفز على قانون التأريخ والخروج عن النسق الحضاري‮ ‬والثقافي‮ ‬لم‮ ‬يكن حظها من الوجود إلا بضع صفحات في‮ ‬كتب التأريخ وفشلت فشلا‮ ‬ذريعا‮ ‬في‮ ‬تكوين مشروع وطني‮ ‬أو حضاري‮ ‬أو ثقافي‮ ‬لذلك فالذين‮ ‬يذهبون إلى القول بفصل الجغرافيا الوطنية عن هويتها الحضارية والتأريخية فشلوا في‮ ‬الماضي‮ ‬والذين‮ ‬يقولون بها في‮ ‬مشهدنا السياسي‮ ‬المعاصر‮ ‬يقعون في‮ ‬التناقص مع ذواتهم‮ ‬فالصراع ـ كما تذهب إليه بعض الرؤى ـ‮ ‬لم‮ ‬يكن بين الحغرافيا بل كان بين التعبيرات السياسية ذات التوجهات المتضادة‮ ‬فالتأريخ‮ ‬يتحدث عن صراع ثقافي‮ ‬متجانس ولا‮ ‬يميز بين الحغرافيا‮ ‬فراجح لبوزة قاوم في‮ ‬المحابشة القوى الرجعية وبينه وبين المحابشة مئات الكيلو مترات‮ ‬وعبدالفتاح إسماعيل تغلغل في‮ ‬نسيج المقاومة الوطنية الهادفة إلى التخلص من الاستعمار وهو القادم من الجوف‮ ‬وجل الحكومات التي‮ ‬كانت تتشكل في‮ ‬العقود الماضية قبل‮ (‬22‮ ‬مايو‮ ‬1990م‮) ‬لم تكن تتعامل إلا مع الجغرافيا الوطنية والحضارية الطب

قد يعجبك ايضا