إدوارد سعيد والثقافة العربية »ما بين عالمين« (الحلقه الثانيه)

هشام علي

 - 

يذكر ادوارد سعيد هذا الشعور بالتحدي الذي تولد عندهحين قالت جولدا مانيررئيسة وزراء إسرائيلفي عام 1969م :» لا توجد فلسطين ولا يوجد فلسطينيون « يقول إدوارد سعيد «لقد دفعني هذا القولكما دفع غيري إلى التحدي غير التقل
هشام علي –

يذكر ادوارد سعيد هذا الشعور بالتحدي الذي تولد عندهحين قالت جولدا مانيررئيسة وزراء إسرائيلفي عام 1969م :» لا توجد فلسطين ولا يوجد فلسطينيون « يقول إدوارد سعيد «لقد دفعني هذا القولكما دفع غيري إلى التحدي غير التقليدي من أجل دحض أقوالها»
ويشير إدوارد سعيد إلى التحول الذي أخذ يبرز في فكره ونشاطه فالسياسي والوطني أخذ ينازع الأكاديمي ويزيح بعضا من مساحته. وسوف نلاحظ لاحقا ان التجربة الفكرية لادوارد سعيد شهدت انزياحات متعددة.«وكوني سمحت لنفسي تدريجيا أن أتبنى صوت الأكاديمي الأمريكي كوسيلة للتغلب على ماضي الصعب المشتتبدأت أفكر وأكتب في أن واحد مستخدما النصفين المتناقضين لتجربتي كعربي وأمريكي.وقد بدأت هذه النزعة بعد عام 1967موبالرغم من صعوبتها كانت مثيرة. وقد أدى هذا التغيير فيما يتعلق بإحساسي بذاتي وباللغة التي استخدمتها إدراكي انه في محاولة التأقلم مع طوارئ الحياة في بوتقة الولايات المتحدة كنت قد تقبلت – شئت أم أبيت – مبدأ الإلغاء الذي تحدث عنه أدورنو بشكل مميز (مينيما مورانيا)».
والواقع أن هذا الإحساس بالإنتماء المزدوجإلى ثقافتين وإلى لغتين لم يكن وليد تلك القطيعة التي عاشها بعد حرب 1967م.فهذا الشعور بازدواجية الهوية والانتماء لازمه منذ الصغرفهو يتحدث عن شعوره بعدم الراحةتجاه لغته الأم العربيةواللغة الانكليزية التي يدرس بها في مدرسة فيكتوريا كوليج.» لم أكن أميز ما هي لغتي الأولى ولم أكن اشعر بالراحة تجاه اللغتين مع أني كنت أحلم باللغتين.وفي كل مرة أقول جملة انجليزية أجد نفسي أرددها بالعربية والعكس صحيح».
كان يراوده على الدوامذلك الإحساس بأنه يقف في المكان الخطأكان ارتباطه بالمكان معقدا.فلسطيني في مصر- عربي يتحدث الانجليزيةيواجه يوميا أسئلة قاسية توحي بغياب الأصل المحدد. وأسوأ ما في الأمرتلك العلاقة المتحاربة بين اللغتين الانجليزية والعربيةوالتي كان مجبرا على العيش بينهما «كنت أعرف تاريخ انجلترا وجغرافية الهند أكثر مما كنت أعرف فيه عن تاريخ وجغرافية الوطن العربي» يقول إدوارد سعيدومع ذلك كان يدرك بأنه الغريب«الآخر غير الأوروبي» في داخل المدرسة. كان علي أن أعرف مكانتي وأن لا أطمح بأن أكون بريطانيا يوما ما. والخط الفاصل ما بيننا وبينهم كان لغويا وثقافيا وعنصريا وعرقيا.
انتقل إدوارد سعيد بعد ذلك إلى الولايات المتحدةحيث لم يتمكن من التصالح مع وضعه في مدرسة فيكتوريا كان يعيش في حالة من الحرب الأهلية التي لا تنتهي.لذلك قرر والده أن يرسله مع أخوانه إلى أبعد بقعة في الأرض. وكان إحساسه بالحرمان من البيئة اللغوية التي كان يعتمد عليها كبديل للعداء الانجلو ساكسوني الذي عانى منه في المدرسة الأمريكية الجديدة.
في أمريكا ازداد الإحساس بالعزلة وانخفضت روح المقاومة. أخذ إدوارد سعيد يتصالح مع وضعه الجديدوقد كرس جهده لامتلاك اللغة الانجليزية والادب والثقافة الانجليزية والأمريكية.
لم يستطع إدوارد سعيد أن يعيش معلقا ما بين عالمينلاسيما بعد لأن أيقظت هزيمة 1967م وعيه العربي وإحساسه المقاوم للهيمنة والظلم. وفي حين كان ادوارد يصف المثقف في المنفى بأنه «ذلك الذي لم يعد يستطيع العيش في البيت» بالمعنى التقليديأي بكل ما يعنيه من مشاعر الانتماء الاجتماعي والمصالح العائليةوذلك مقابل امتلاك معرفة جديدة.وهو يرى أن أفضل اسلوب للحياةبالنسبة للمثقف في المنفىلكي لا يخون المعرفةهو أن يعيش معلقا. أي بعيدا عن أي التزام.
ربما كان إدوارد سعيد متناغما مع هذه الحالة من عدم الانتماء في مرحلة ما قبل 1967م.
لقد تغير الموقف بعد ذلك.يعلق إدوارد سعيد على مقولة أدورنو السابقة :«بالنسبة ليلم يكن مكاني يوما أن أعيش حياة معلقة لا اتبنى فيها موقفا معينا ولا يوجد فيها التزام بشيء ماولم اتوان يوما عن اعلان انتمائي لقضية مرفوضة تماما واحتفظت دائما بحقي في الانتقاد».
ينبغي أن نشير هنا إلى أن القطيعة التي نتحدث عنها في مسار ادوارد سعيدلم تكن قطيعة فكريةكما قد يتبادر إلى الذهن. ولكنها مسألة تتعلق بإعلان الانتماء السياسي بوضوح إلى القضية الفلسطينية والفصل بين عمله الأكاديمي وبين عمله السياسي كمثقف ينخرط بقضايا وطنه.
ونلاحظ أن مشاعر الانشطار في هويته التي عبر عنها في 1967م كانت موجودة ومتضمنة في كتابه الأول عن كونرادوهو في الأساس رسالة الدكتوراه التي اعدها في وقت مبكر من بدايات الستي

قد يعجبك ايضا