إصلاح المالية العامة وأولويات الاقتصاد الانتقالي : المراجحة الصعبة

أ.د محمد أحمد الأفندي

 - 
ليس صحيحا أن تتم عملية إصلاح المالية العامة للدولة بإتباع نفس المقاربات السابقة التي تمت في العقود الماضية. وتلك كانت مقاربات انتقائية اتكأت على تنفيذ سياسات مالية واقتصادية جزئية مفصولة ومعزولة عن رؤية شاملة للإصلاح
أ.د/ محمد أحمد الأفندي –
ليس صحيحا أن تتم عملية إصلاح المالية العامة للدولة بإتباع نفس المقاربات السابقة التي تمت في العقود الماضية. وتلك كانت مقاربات انتقائية اتكأت على تنفيذ سياسات مالية واقتصادية جزئية مفصولة ومعزولة عن رؤية شاملة للإصلاح الاقتصادي والمالي والمؤسسي وتلك لم تؤدي إلا إلى مزيد من البؤس والحرمان والفقر والبطالة وهو ما أجج مزيدا من التوترات السياسية والاجتماعية الناشئة عن الآثار السلبية للسياسات الانتقائية في عملية الإصلاح الاقتصادي وجعل الناس يخرجون بثورة تغيير سلمية تطالب بتصحيح بوصلة الإصلاحات وعملية البناء فلا يمكن النظر إلى سياسات إصلاح اقتصادي انتقائية بمعزل عن عملية بناء شاملة للدولة.
نحن اليوم بحاجة إلى أن نستفيد من دروس وعبر الماضي إصلاح المالية العامة للدولة لا يتم بمجرد العودة إلى مسلسل رفع أسعار السلع الأساسية (المشتقات النفطية) فتلك عودة للنهج القديم والمقاربات السابقة الفاشلة التي انتهت إلى كوارث اجتماعية واقتصادية.
ندرك أن حكومة الوفاق الوطني قد ورثت تركة ثقيلة واختلالات اقتصادية واجتماعية عميقة ومزمنة وندرك أن حالة المالية العامة ليست مطمئنة فعجز الموازنة يتصاعد والمتوقع أن يصل إلى نحو 6% من الناتج المحلي الإجمالي لأن الإنفاق العام يتزايد والإيرادات العامة تتناقص. وخاصة إيرادات النفط بسبب تخريب المخربين والفوضويين لأنبوب النفط وقطع الكهرباء والطرقات من أولئك الذين يقاومون ثورة التغيير وبناء اليمن الجديد ومن أولئك الذين يريدون أن يكونوا ثوارا بعد الثورة .
وندرك أيضا أن دعم المشتقات النفطية يشكل نسبة متزايدة من الناتج المحلي (تقدر بنحو ٪8 من الناتج) وأن هذا الدعم يستفيد منه الغني قبل الفقير وأن هناك تهريبا للمواد البترولية وكذلك ندرك أن الأجور والمرتبات في موازنة الدولة قد وصلت إلى نسبة تجاوز المعايير الدولية (نحو ٪10 من الناتج المحلي الإجمالي) فحكومة الوفاق قد تحملت عبء التوظيف الجديد المرحل من السنوات السابقة نحو ستين ألف وظيفة كان مخططا لها أن تتم خلال خمس سنوات إلا أنها تحملتها في سنة واحدة كل تلك الاختلالات ندركها ونفهمها ولكننا بالمقابل ندرك ونفهم أن اختلالات الموازنة العامة متعددة وليست محصورة في ما ذكر فما زال جدول المرتبات يحتوي على آلاف الوهميين والمزدوجين من القطاع المدني والعسكري والأمني وما زالت هناك بنود في الانفاق الجاري غير مبررة ولا ذات جدوى وهي بنود تندرج في إطار الامتيازات العامة لذوي النفوذ مما يجعلنا أن نطلق عليها بأنها موازنة عامة للامتيازات الاجتماعية والسياسية للنافذين أو أنها موازنة الحتميات فالنفقات الجارية تنمو بمعدل متزايد (نحو ٪16 لعام 2012) بينما ينخفض معدل نمو الإنفاق التنموي إلى نحو( ٪5.5 لعام 2012).
وندرك أن حجم الدين العام المحلي يتصاعد بشكل مقلق وربما تجاوز بشكل تراكمي نحو اثنين ترليون ريال.
وندرك كذلك أن برنامج الرعاية الاجتماعية في اليمن يعتوره الكثير من الفساد والاختلالات الكبيرة التي تحتاج إلى إصلاح وتصحيح. فبرامج الرعاية الاجتماعية تتضمن أعدادا ممن لا يستحقون وهناك كثيرا من الوهميين في برنامج الرعاية تعطى لهم مبالغ نقدية تذهب إلى جيوب النافذين والوجهاء الذين أعطو لأنفسهم حق الوصاية على الفقراء في المدن والأرياف وتقرير حالات الضمان والرعاية.
كما ندرك أن الاختلالات في مؤسسات القطاع العام ما زالت قائمة منذ عقود.. ومع ذلك فإن موارد واستخدامات القطاع العام تفوق حجم استخدامات الموازنة العامة للدولة ففي ظل الفساد المزمن قدر اجمالي استخدامات القطاع العام بنحو (4.7) ترليون ريال مقابل (2.8) ترليون ريال استخدامات الموازنة العامة لم يكن ما ذكرت إلا أمثلة وليس حصر اختلالات المالية العامة للدولة .
لذلك فإن إصلاح المالية العامة ليست عملية انتقائية ومن الصعب أن تكون كذلك في هذه المرحلة الجديدة التي تمضي فيها اليمن الآن. ليس صحيحا ولا مقبولا اليوم أن يتم إصلاح المالية العامة من خلال التركيز فقط على رفع أسعار المشتقات النفطية ما هو مقبولا وصحيحا اليوم هو إدراك أننا بحاجة إلى رؤية شاملة لإصلاح المالية العامة تأخذ بعين الاعتبار الاعتبارات الآتية:
1) إن الاقتصاد اليمني هو اقتصاد انتقالي ويمر بمرحلة انتقالية ويعمل في ظل ظروف غير طبيعية تحكمها آلية تسوية سياسية لها أجندتها وأولوياتها وأن أولويات الاقتصاد الانتقالي لا يمكن فصلها عن متطلبات وأجندة مسا

قد يعجبك ايضا