الخصوبة والأخضرار في قصيدة “من سبأ النبأ”
علي أحمد عبده قاسم

علي أحمد عبده قاسم –
يقول الدكتور المقالح في مقدمة «ديوان اليمن» للشاعر سليمان «إن الشاعر المتمرس بالكتابة الشعرية هو الأقدر على المزاوجة بين الأشكال والبحور وإن كثيرا من المزاوجات بين النظام «البيتي» والنظام «التفعيلي» بين «الموزون والنثري» قد يأتي لكسر نظام الرتابة أو لتحقيق المفارقة بين حالتين أو رؤيتين كما هو الحال في المزاوجة التي اتبعها سليمان العيسى في قصيدته والتي تحاول أنú تثبت الصلة العضوية بين الشعرين التقليدي والحديث لإثبات التجانس في القيمة الشعرية من جهة وإثبات المفارقة الموضوعية الدقيقة من جهة أخرى» ولأن المتأمل في نصوص الديوان يدرك هذه المزاوجة بوضوح..
«وأعيد في عيني
وفي شفتي
وفي قلبي النبأ
ما بين سيل الذاريات الفاجعات
يمطرنني في الصحو
في الأرق المدمر
وفي السبات».
من المقطع السابق يلحظ المتلقي الفعل المبني للمجهول «أعيد» فكان حذف الفاعل يشي بالتعظيم والتخصيص وكان مضمون الإعادة يأتي إلى أماكن الإحساس والتعلم «عيني قلبي شفتي» ليأتي من ذلك الشعور العميق بالمتعة والعزة وكأن تلك الإعادة والعودة خصوبة «سيل» لا حدود له «يمطرنني» بشكل دائم واستمرارية في «الصحو الأرق السبات» لينتج استمرارية زمنية غير مزمنة بالخصوبة واستخدم الجر والمجرور «في الأرق في الصحو في السبات» يوحي بالإيفال المستمر.
«ينهال في عيني
وفي شفتي
وفي وجعي
هولي وللصحراء
وللأحياء وللأموات
للعرب النبأ».
فإذا كان في المقطع السابق تبشيرا للذات بالعودة بالاخضرار والخصوبة فإن المقطع التالي تبشير عام وخاص «هولى» وللجدب الذي ينتفي بالعودة للاخضرار والخصوبة والعودة الحضارية وعودة للكرامة بشكل شامل «للأحياء وللأموات» و»للعرب» فإذا كان شبه الجملة في المقطع الأول «في قلبي في عيني في شفتي» للإيفال فإن الجر والمجرور في «للصحراء للعرب للأحياء والأموات» يفيد الخصوبة والعمومية وهذه إشادة بالوطن باعتباره مهد الحضارة العربية وبعودة هذه الحضارة يعود للعرب جميعهم حضارتهم.
ويأتي المقطع الذي يلي بالتصريح مباشرة بالخصوبة.
«الصحر يورق في سبأ
الرمل يورق في سبأ
بلقيس تخرج في ملاءتها
وتضحك.. من شرفتها
تهلل للصباح
للمياه
لاخضرار الواديين
تزف للملأ النبأ».
إنه تبشير بالتجدد والعودة الحضارية بما يشبه شيئا من الاستحالة الصحر يورق… والرمل يورق.. بلقيس تخرج» وهذه استمرارية لعودة متحركة حضارية والألفاظ تشع بالجمال «يورق تضحك تهلل تزف» وتأتي خصوبة الأرض والإنسان «لاخضرار الواديين تزف للملأ النبأ».
ولو استخدم الشاعر الجماهير لكانت أجمل تعبيرا للاقتراب من الناس والخصوبة لكل الناس بينما الملأ هو علية القوم وبذلك كانت العودة والإعادة عودة للحياة وللكرامة اليمنية متمثلة بحضارتها.
«وأنا وأنت من الملأ
ميتين أو حيين لم أعبأ
سأبقى تحت شرفتها أغني
للتوابيت التي انتفضت
وللجثث التي نهضتú
أصفق للنبأ
كالطفل.. أخرج بالولادة
بالقيامة من سبأ».
إنها عودة وميلاد وتحول الشعب جميعه إلى شعب ثري «أنا وأنتö من الملأ» «سأبقى» تحد واستمرارية لتقبل الفرحة والبشرى بالحياة «للتوابيت التي انتفضت للجثث التي نهضت» إنها بعث وحياة وتجدد وميلاد «أصفق للنبأ» فرحة عارمة بخصوبة متجددة جاءت في تراكيب النص لتشير إلى تجدد حضاري وميلاد نهضوي في زمن يشبه المستحيل «أصفق أفرح بالولادة بالقيامة من سبأ».
إن النص يعكس خصوصية الميلاد وخصوصية الفرحة فهي لسبأ اليمن وللإنسان الحي وللإنسان الميت المكتئب بالخفوت الحضاري.
«هولي للصحراء
للغسق الذي اكتسح الرؤى
حتى بدت عمم العصور الكالحات
قدرا على شعب
يعود من الرفات إلى الرفات».
إنها عودة للنورانية والهداية وتبديد للظلام والتخلف وللجدب والعقم والملأ للإنسان «هولي للصحراء» ومن يضمحل الظلام «للغسق الذي اكتسح الرؤى فإذا عادت الخصوبة والاخضرار عاد الضوء والاعتبار للإنسان والتاريخ وللإشراق الحضاري لاسيما وعودة للاستقرار والحياة.
«الماء يتدفق
يخضر في الوادي
وفجر ملئ مأرب ضوءا
وأقول للسمراء للصحراء
إنا قادمون
وشاهدي هذا الذي
بعثته أيدي أخوتي
نفضت به التاريخ
أحلى ما يهل.. وأضوأ».