(تشييع القادة.. محطات تاريخية)

مراد راجح شلي

 

 

اليوم، ارتوت أرض السبعين بدماء طاهرة جديدة، انطلقت روائحها لتُعطر أرواح المؤمنين في كل مكان، وتُخلّد اسماً جديداً في سجل الشرف والنضال دولة الرئيس الشهيد الرهوي ورفاقه الوزراء. لم يكن مشهد التشييع مجرد مأتمٍ لحزن عابر، بل كان محطة تاريخية بليغة، جسدت بألمٍ صادقٍ وصرخة مدوية انتصار الإرادة على القتل، وإعلاناً بأن الأمة التي تقدم قادتها قرباناً لفلسطين هي أمةٌ لن تُهزم.
مشهد يختزل معنى الأمة الواحدة
سُحب الحزن الثقيل على وجوه الآلاف الذين انطلقوا كسيلٍ عرمٍ، لا ليبكوا، بل ليشهدوا للتاريخ أنهم شعبٌ يودع أبطاله بدمعٍ يختلط بالعزم، وبقلوبٍ تمتلئ بالثأر لا باليأس.
المشهد كان صادماً في قسوته، مؤلماً في فراغه، لكنه كان أيضاً بليغاً في رسالته. جثامين أبطال عادت إلى أحضان الأرض التي خرجت منها، مطهرة بدمائها الزكية، مغسلة بدمع الملايين الذين خرجوا يودعونهم في مسيرة حاشدة، هتافاتهم تكاد تزلزل الجبال: الموت لأمريكا
الموت لإسرائيل
اللعنة على اليهود
النصر للإسلام
لبيك يا أقصى
لقد حول الشعب حزنه إلى إرادة، وألمه إلى عزم، ودموعه إلى وقود للثأر.
هؤلاء الذين راحوا ضحية غدر طائرات العدو الصهيوني الغاشم، لم يكونوا مجرد أسماء في مناصب. كانوا قادة في ساحة المواجهة، وجنوداً في معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس، ورفاق درب في مسيرة الدفاع عن الحق الفلسطيني والعروبة والإسلام.
كان دولة الرئيس الشهيد الرهوي ليس كسياسي فقط، بل كمجاهد اختار أن يكون في الصفوف الأمامية لأمة لا تموت. وكان معه رفاقه الوزراء، كلٌ في مجاله، كانوا طاقة بناء وتحرير، فقطعت أيدٍ خائنة أعمارهم، لكنها لن تقطع الأمل الذي غرسوه.
اغتيالهم جريمة نكراء، تضيفها إسرائيل إلى سجلها الأسود المليء بدماء الأبرياء والقيادات. إنها جريمة تستهدف إضعاف الإرادة، وبث اليأس، وإيصال رسالة ترهيبية. لكنهم، برحيلهم المفجوع، قدموا رسالة مضادة أقوى ألف مرة: أن دماء الشهداء هي وقود الانتصار، وأن الأمة التي تدفن قادتها شهداء، هي أمة لن تقهر، ولن تستسلم، ولن تنسى.
من مناصب القيادة إلى مقام الشهادة
لقد انتقلوا من مناصبهم الوزارية إلى مقامٍ أعلى وأسمى: مقام الشهادة. لقد صاروا اليوم رموزاً تُدرس، وشعلةً تُضيء الدرب للأجيال القادمة. دماؤهم التي سالت على أرض الوطن هي وقود الانتصار القادم، وشهادتهم هي الصفعة القوية لكل من ظن أن الأمة يمكن أن تُرهب بالاغتيال.
اليوم، ينحني اليمن والأمة بأسرها إجلالاً لهؤلاء الرجال. ينحني لرئيس وزراء لم يمت في فراشه، بل سقط في ساحة العز والكرامة. ينحني لوزراء لم يكونوا وراء مكاتب فاخرة، بل كانوا في ورش البناء الإداري والتنموي يشرفون على بناء يمن العزة ويدفعون ثمنها من أرواحهم.
لقد رحلوا جسداً، لكنهم صاروا اليوم رموزاً. صاروا شعلة في ظلام الليل، يهتدي بها المجاهدون. صاروا عنواناً للوفاء، ودرساً في القيادة الحقة.
لن ننساكم. ولن تكون دماؤكم الطاهرة سدى. فالأمة التي تنجب أمثالكم.. أمة خالدة.
فإلى جنات الخلد أيها القادة الشهداء.. يا من جعلتم من مكاتبكم منصة للتخطيط للعزة، ومن ساحات العمل ورشاً للجهاد. إلى جنات الخلد يا من سقطتم وأنتم تحملون الأقلام والمخططات، فاستشهدتم كما يستشهد من يحمل البندقية.

قد يعجبك ايضا