عن بناء الدولة اليمنية الحديثة
عبدالرحمن مراد

مقالة
عبدالرحمن مراد –

مقالة
دلت متواليات وحلقات التاريخ اليمني منذ نشأة الدولة اليمنية التاريخية إلى زمننا الذي نحن فيه ان التعدد في التعبيرات السياسية كان ضرورة تفرضها تموجات اللحظة الحضارية والمستوى الثقافي المحيط بها والمتحكم في مسارها فالانفصال كان يفضي إلى حنين التوحد والوحدة بالضرورة كانت تفضي إلى الانفصال والثابت أن اليمن لم تعرف الحدود السياسية التي أصبحت عليها إلا عام 1914م حين وقعت بريطانيا مع العثمانيين معاهدة ترسيم الحدود واطلقت على الأرض التي تحتلها اسم الجنوب العربي بترا لها عن هويتها الحضارية والتاريخية وأملا أن تستمر ثنائية السيطرة والخضوع لتلك الرقعة الجغرافية المهمة في طريق الملاحة الدولية وقبل دخول بريطانيا اليمن واحتلالها كانت المصادر التاريخية تتحدث عن وحدة جغرافية وتتحدث عن سبعة مخاليف متداخلة هي كالتالي:
1- مخلاف المعافر: وهو من عدن إلى العدين وبلاده حسب بعض المصادر التاريخية المخطوطة هي عدن المخا حيس شرعب تعز الحجرية العدين.
2- مخلاف جعفر: ويسمى المخلاف الأخضر وبلاده قعطبة وصهبان وذو السفال وجبلة وحبيش والمخادر.
3- مخلاف عبس: وبلاده وصاب السفلى ووصاب الأعلى وعتمة وريمة وحراز وحفاش.
4- المخلاف السليماني: وبلاده زبيد وبيت الفقيه والحديدة واللحية وجيزان وأبوعريش وصبيا.
5- مخلاف قحطان: وبلاده عسير وجدة ومكة وقبيلة حرب والمدينة المنورة.
6- مخلاف التبابعة: وهو من حضرموت الجنوب إلى نجد الشمال وبلاده حضرموت والشحر والمكلا وصفار ومشكات والبحرين ورأس الخيمة والحسأ والقطيف ونجد والدرعية.
7- مخلاف يحصب: وهو محل قيل الأقيال ومحل تبع الأكبر والأصغر حسب المصدر التاريخي وبلاده يريم وخبان ورداع وذمار ومغرب عنس والسر وخولان والحدا وصنعاء والحيمة وكوكبان وثلا وعمران وحجة والسودة وشهارة وصعدة.
تلك المخاليف في حاضرنا كانت ذات تجانس ثقافي كما ان الحواضر في الزمن القديم لم تكن بذات المشهدية الذهنية التي تحضر في أذهاننا الآن فالصحراء لم تكن منطقة جذب سكاني لذلك فاليمن التاريخي يكاد أن يشمل كل الجزيرة العربية ومثل ذلك الشمول والاتساع كان له أثره المباشر في التكوين الثقافي وفي التداخل الحضاري بين الحضري والمدري وفي التجاذبات الجدلية المتصلة بالآخر فالتعدد الثقافي كان أكثر تجذرا وأكثر حضورا إذ ثمة تأثير للزبورية وللتوراتية وللاكسومية الانجيلية وللهندية وللمجوسية وللرومية في الأطراف الشمالية فالتعدد الثقافي كان سمة بارزة في التكوين الحضاري والثقافي اليمني وكان سببا في حالة الاتصال والفصل التاريخي كما أنه ألقى بظلاله على البعد الاقتصادي الذي توزعته ثنائيه الإنتاج والغنيمة والقاسم المشترك بين كل ذلك التنوع والتعدد هو روح العمران الذي أسس لقيم تشاركية وتفاعلية ظلت ثابتة إلى وقت قريب وكانت تعرف في بعض المناطق (بالجايش) وتعرف في تهامة (بالعوúنة) «بضم العين فسكون ففتح» مثل تلك الخصوصية في الذات اليمنية يفترض أن تتناغم مع مفردات التنمية ومع بناء الدولة الحديثة حتى تتكامل روح التطور المنسجمة مع تراكمها الحضاري والثقافي وبحيث تكون مرتكزاتها قيم الإنتاج وبصيغة تفاعلية مع عناصر العمران والتنمية الحديثة فالمؤسسة الدينية بكل تعددها الفكري والمذهبي لو أصبحت هيئة مشرفة على الشؤون الدينية كالزكاة والأوقاف وكان من مهامها تحسين وتجويد آلية تحصيل الزكاة وموارد الأوقاف وتنمية الموارد بما يحقق النماء ويحقق مقاصد الله وتجهد نفسها في التفكير وتحديث الرؤى من خلال احتكاكها بالتجارب وبالمجتمع وحاجاته فنحن نشعرها بقيمتها الاجتماعية ومثل ذلك ينقلها من مربعات الثبات ومربعات الصراع إلى مربعات السلام وابتكار السبل الكفيلة بصناعة الحيوات الهادئة وكذلك الكيانات السياسية يفترض أن نستهلك طاقاتها الانفعالية في مؤسسات تفاعلية وتشاركية مثل تمثيلها في مؤسسات ذات طابع جمعي كالخدمة المدنية والعسكرية والتأمينات وتحديث وتطوير مثل هذه المؤسسات بحيث تصبح مؤسسات إنتاجية ومثل إنشاء مجلس وطني للثقافة والفنون يضم في عضويته كل الفعاليات الثقافية والحزبية والإعلامية وبدلا عن مصلحة القبائل تنشأ مؤسسة اجتماعية تكون رديفا للجهاز الأمني والقضائي أي عاملا مساندا فالعرف القبلي هو أحد مصادر التشريع ومايزال المجتمع يخضع لسلطته وهو بتناغمه قد يعمل