السياسي والمؤسسي أم الاقتصادي¿

أ.د محمد أحمد الأفندي

 - مع انطلاق مؤتمر الحوار الوطني الشامل تشرئب أعناق اليمنيين إلى ما سيتوصل إليه المتحاورون من توافق في ما يتعلق بالرؤية الاقتصادية لليمن الجديد – يمن
أ.د/ محمد أحمد الأفندي –
مع انطلاق مؤتمر الحوار الوطني الشامل تشرئب أعناق اليمنيين إلى ما سيتوصل إليه المتحاورون من توافق في ما يتعلق بالرؤية الاقتصادية لليمن الجديد – يمن العدل والحرية والمساواة والعيش الكريم حيث يتطلع اليمنيون إلى ما سيحدده هذا الحوار من مقومات وأسس جديدة للتنمية الاقتصادية الشاملة والتنمية المستدامة القائمة على العدالة الاجتماعية .
فمن الواضح أن القضية الاقتصادية هي أحد قضايا الحوار الوطني الشامل وقد جاء ترتيبها في جدول الحوار بعد القضايا السياسية ومنها شكل الدولة ونظامها السياسي وبمعنى آخر فقد اتكأت قضايا الحوار على ترابط وتلازم مسارات بناء اليمن الجديد فترتيب قضايا الحوار الوطني قد بدأ تحديدا بالقضايا السياسية ثم القضايا الاقتصادية.
ولعل ذلك يذكرنا من جديد بأهمية العلاقة بين البناء السياسي والبناء الاقتصادي وهي القضية التي عرفت في العقود الماضية بجدلية العلاقة بين الإصلاح الاقتصادي والإصلاح السياسي مما يتطلب التذكير بأهمية أخذ العبرة من دروس التجربة الماضية باعتبار أن ذلك يزيد من قناعة المتحاورين وصناع القرار بأهمية ترابط كل مسارات البناء فالبداية تأتي من قضية بناء الدولة وهي عملية تنطوي في المقام الأول على مفهوم سياسي وحيث أن العملية الاقتصادية في جوهرها هي إدارة كفؤة للموارد الاقتصادية فإن الإدارة بمعناها الواسع هي إدارة للأصول السياسية والأصول والموارد الاقتصادية معا.
أردت في هذا المقال الذي يأتي ضمن سلسلة مقالات قادمة أن أقدم بعض الدروس المستفادة من تجربة العقود الماضية في ما يتعلق بجدلية العلاقة بين الإصلاح السياسي والإصلاح الاقتصادي فلا فكاك بينهما غير أن بناء المؤسسات السياسية والدستورية للدولة هو الشرط الضروري للبناء الاقتصادي السليم وهذه هي إحدى الدروس الكبيرة من تجربة العقود الماضية.
فقد ظل السؤال الجوهري في العقود الماضية هو أي إصلاح يسبق الآخر هل الإصلاح السياسي والمؤسسي أولا أم الإصلاح الاقتصادي أولا ¿ فقد رأى البعض أن القضية الاقتصادية هي القضية الأولى وأن الإصلاح الاقتصادي يأتي أولا بينما رأى آخرون وأنا منهم أن مشكلة اليمن عميقة وذات جذور سياسية واجتماعية أولا واقتصادية ومؤسسية وأمنية. أي أنها مشكلة بناء الدولة على أسس صحيحة وجديدة ومن ثم فإن بناء مؤسسات قوية وفاعلة تضمن تحولا ديمقراطيا حقيقيا وحكما رشيدا وتكفل إدارة كفؤة فاعلة وعادلة للموارد الاقتصادية.
فالعلاقة بين الإصلاح الاقتصادي والإصلاح السياسي هي علاقة وثيقة وحلقات التفاعل والتأثير في ما بينها هي حلقة دائرية أي أن النهوض الاقتصادي في اليمن يقوم على تعدد المسارات والأبعاد وترابطها بل إن أسبقية المسار السياسي أضحت شرطا ضروريا لنجاح المسار الاقتصادي والاجتماعي.
فالمؤسسات السياسية والدستورية القوية والفاعلة تحقق استقرارا وإنجازا اقتصاديا مستداما فلا تنمية اقتصادية بدون تنمية سياسية (إصلاح سياسي) ولا حرية اقتصادية بدون حرية سياسية وتداول حقيقي سلمي للسلطة وفي حقيقة الأمر فإن حصاد تجربة التنمية في تلك الفترة لم يدعم ترابط المسارات وإنما انفصالها بل تم تأجيل المسار السياسي (الإصلاح السياسي).
إن غياب الإصلاح السياسي (الذي تطور مؤخرا إلى مطلب بتغيير سياسي في بنية النظام السياسي اليمني) قد أوصلنا إلى تنمية اقتصادية غير قابلة للاستدامة وغير منصفة ولا عادلة في توزيع ثمارها وبالمثل فإن التنمية السياسية في ظل الفقر والبطالة واختلال موازين العدالة قد انتهت إلى مجرد تنمية سياسية زائفة انتجت مؤسسات سياسية شكلية وضعيفة غير قادرة على ممارسة الرقابة والمساءلة. ولذلك فإن البناء السياسي والمؤسسي الشامل هو الرابط الفاعل للتكامل بين التنمية الاقتصادية بمعناها البشري والأخلاقي الواسع وبين البناء السياسي الذي يضمن تحولا ديمقراطيا حقيقيا. وهذا ما أكدته الوقائع الاقتصادية والأحداث السياسية التي مرت بها اليمن في العشرية الأخيرة من القرن الماضي.
فقد كانت الأولوية بعد إعادة تحقيق الوحدة اليمنية في 1990م هي بناء الدولة الجديدة الموحدة ولما كان هناك تباطؤ في المسار السياسي فإن ذلك قد انعكس سلبا على المؤشرات الاقتصادية. كان هناك تباين ورؤى مختلفة في مسار الإصلاح السياسي سرعان ما تحول إلى صراع سياسي بأدوات عسكرية (انفجار حرب صيف 1994م) بعد حرب 1994م تحول مسار البناء حيث اتجهت الحكومات المتعاقبة إلى الانشغال بأولوية الإصلاح الاقتصادي وأزاحت جانبا مسار الإصلاح السياسي. كانت النتيجة مخيبة للآم

قد يعجبك ايضا