كل القضايا من مستصغر الشرر

عبدالرحمن مراد

مقالة


 - حسنا فعل رئيس الجمهورية حين عاد من موسكو إلى الحديدة دون أن يعرج إلى صنعاء إذ أن ما يحدث في الحديدة قد بدأت دائرته تتسع وكل القضايا الجوهرية تبدأ صغيرة في مظهرنا العام وإهمالنا لها يجعلها تكبر
عبدالرحمن مراد –

مقالة

حسنا فعل رئيس الجمهورية حين عاد من موسكو إلى الحديدة دون أن يعرج إلى صنعاء إذ أن ما يحدث في الحديدة قد بدأت دائرته تتسع وكل القضايا الجوهرية تبدأ صغيرة في مظهرنا العام وإهمالنا لها يجعلها تكبر إلى درجة اتساع الخرق على الراقع كما هو في القضية الجنوبية التي صنعها إهمال القيادة ومكابرتها في حينه
–أي حين بدأ صوتها يعلو بالأنين في عام 2007م- ولو تم التفاعل مع القضايا الحقوقية وفق قيم الحق والإنصاف لما كنا وصلنا إلى الحال الذي نحن عليه في حاضرنا فالوطن أصبح مهددا بالتشظي والانقسام ولا يظن ظان أن الحوار كفيل بإخماد جذوة الثورة التي تشتعل في وجدان الإنسان في الجنوب فالمشاعر التي تسيطر على وجدان الإنسان هناك أصبحت مشاعر ثورية إقصائية وفيها من النقمة والتحدي ما يهدد السلم الاجتماعي وترميم المتصدع النفسي والذهني يحتاج إلى زمن طويل واشتغال مكثف وجهد مضاعف وهو ما لا نستطيعه في زمن السرعة وزمن التغيرات والتبدلات المتسارعة لذلك فمن الحكمة التفاعل مع قضايا المجتمع لحظة بزوغها قبل أن نفقد السيطرة على تبعاتها وتفاعلاتها النفسية واتساع رقعتها الجغرافية.
ما يحدث في الحديدة هو نتاج حالات قهرية مارستها السلطة تجاه إنسان تهامة منذ عقود وثمة مقولة ترى أن الشعوب الأكثر هدوءا هي الأعنف ثورة والقارئ الممعن في التاريخ يدرك أن إنسان تهامة لم يكن حملا وديعا بل امتازت بعض حقب تاريخه بالعنف والمقاومة وإن كنا نجهل كثيرا من تفاصيل ذلك التاريخ إلا أننا لا نجهل ما حدث في مطلع النصف الأول من القرن الماضي فالحملات العسكرية التي كان الإمام يحيى يرسلها لإخضاع إقليم تهامة لهيمنته السياسية كانت تبوء بالفشل وكثير من تلك الحملات لم يكن يعود منها أحد ذلك أن العنف المسالم أكثر استبسالا وأشد وقعا وحربا ولا يغرنكم في أولئك المسالمين من الأشاعرة طيب المعشر ولين الجانب وبياض القلوب لأن وقع الظلم أشد مضاضة في النفس وهو العنصر الفاعل في المعاملة الكيميائية التفاعلية البينية.
مشكلة تهامة تكمن في الشعور بالتمايز الطبقي وفي معيارية القوة في غياب الحق والعدل وميلهما مع الطرف الأقوى ضد الطرف الأضعف فاختلال التوازن النفسي والاجتماعي يعمل على يقظة المشاعر المقاومة والغاضبة وتتحول القضية إلى ثنائية مقيتة (تهامي/ جبلي) وتلك الثنائية حاضرة في البنية الثقافية التهامية منذ الحملة الأخيرة التي قادها سيف الإسلام أحمد يحيى حميد الدين وكان من نتائجها أسر الكثير من أبناء تهامة وإيداعهم سجن نافع بحجة ومصادرة أسلحتهم وقتل الكثير وجز الرقاب وقيامه بتعليقها من باب مشرف في خط متوازي إلى القصر (تعليق الرؤوس) مما بعث الخوف في نفوس الناس هناك وقد خلق ذلك النهج روحا ثقافة مقاومة لثنائية الهيمنة والخضوع كما يلمس الممعن في النتاج الثقافي التهامي وأقصد منه الشعبي فالتصور الشعبي التهامي لأبناء الجبال (إمجبالية) يجعل منهم وحوشا ضارية خارجة من القيم الإنسانية فهو يقول بتأصل روح التوحش فيهم وبعداوتهم للإنسان (نقرأ ذلك في شعرهم ونثرهم في النكاث والحكايات والفنون المختلفة التي يبدعها شعب تهامة).
ووجود مثل تلك التصورات في البنى الثقافية بالضرورة يجعل منها نواة أولى للقيام باستعادة القيمة والمعنى بعد أن يشاهد أولئك النفر من (أمجبالية) يتقاطرون إلى بلادهم ويشهرون أسلحتهم في وجوه الناس العزل ويبسطون على الأراضي ويستثمرون خيراتهم وهم لا يجدون ما يسد رمقهم.
أبناء تهامة في ظني لا يبحثون إلا عن شراكة وطنية حقة وعدالة توزيع وقيمة ومعنى ودولة تنتصر لقضاياهم العادلة ولا يخامرني شك أن الرئيس وهو بين ظهرانيهم سوف ينتصر لإنسان تهامة وينتصر له كما يعمل دوما على الانتصار لقضايا الإنسان اليمني في كل ربوع الوطن.

قد يعجبك ايضا