مقدمة حول الحرية في الفكر العربي المعاصر

أحمد صالح الفقيه

 - عندما طرح علي الإسهام في الكتابة تحت عنوان الحرية في الفكر العربي المعاصر تبادر إلى ذهني أن العنوان كبير بل وفضفاض وأن الكتابة تحته مشروع طموح لا تتسع له مقالة ذلك أن لفظة(الحرية) تضم وتتضمن حريات متعددة يحتاج كل منها إلى دراسة مستقلة
أحمد صالح الفقيه –
عندما طرح علي الإسهام في الكتابة تحت عنوان الحرية في الفكر العربي المعاصر تبادر إلى ذهني أن العنوان كبير بل وفضفاض وأن الكتابة تحته مشروع طموح لا تتسع له مقالة ذلك أن لفظة(الحرية) تضم وتتضمن حريات متعددة يحتاج كل منها إلى دراسة مستقلة.
كما أن عبارة (الفكر العربي المعاصر) تتضمن أفكارا شتى كذلك يحتاج كل منها إلى دراسة مستقلة أيضا وعلى سبيل المثال فإن الحديث عن الحرية السياسية سيكون مكانه الفكر السياسي العربي المعاصر والحديث عن الحرية الاقتصادية سيكون مكانه الفكر الاقتصادي العربي المعاصر وكذلك الحديث عن الحرية الدينية سيكون مكانه الحديث عن الفكر الديني العربي المعاصر..وهلم جرا.
ولذلك فقد رأيت أن يكون إسهامي تحت هذا العنوان تمهيدا أو مقدمة قد تضيء بعض جوانب الموضوع لمن يريد مناقشته بإسهاب.
مفهوم الحرية عند العرب
الحرية في اللغة العربية تدل على نقيض العبودية فالحر هو من ليس بالعبد. أما الحريات بمفهومها الحديث فلا وجود لها في اللغة العربية وهو ما يدل على أنها لم تعرف في الحياة العربية القديمة.
والحرية بمفهومها المعاصر عند العرب مأخوذة من حيث دلالتها عن الانجليزية والفرنسية فثقافة الحرية والحريات ثقافة مجلوبة بالكامل من خارج الثقافة العربية.
المجتمعات العربية والحرية
إلى عهد قريب كانت البداوة النقية مسيطرة على مساحات شاسعة من المجتمع العربي في صحاريه الممتدة من الجزيرة العربية إلى الواحات المصرية وجزيرة سيناء وإلى ليبيا والجزائر وموريتانيا.
وحتى في المناطق الحضرية من العالم العربي رأى الدارسون أنها تجمعات سكانية رفدتها البداوة بالكثير من سكانهافبقيت القبيلة طابعا ثقافيا لهذه الحوافز.
وهذه التجمعات القبلية بدوية أو حضرية لها سمات أساسية تستبعد فكرة الحريات بمفهومها الغربي المجلوب وطبقا للدكتور مسعود ضاهر في كتابه (المشرق العربي المعاصر من البداوة إلى الدولة الحديثة) فإن المجتمع القبلي له سمات أساسية سأقتصر منها على ما يخص موضوعنا:
1. العصبية وروح الجماعة المتماسكة.
2. احترام عادات وتقاليد واحدة متوارثة.
3. التزاوج الداخلي القائم على أفضلية الزواج من بنت العم والإدعاء بوحدة الدم.
4. تحديد دقيق للهرم التراثي السلطوي داخل التجمع القبلي واعتراف الجميع به تحت طائلة العقاب.
5. الولاء للقبيلة دون سواها.
6. اقتصاد الكفاف اليومي أو السنوي وانعدام التخطيط بعيد المدى.
7. الاعتراف بسيطرة الذكر كعضو فاعل والنظرة الدونية إلى المرأة لما تسببه من عار للقبيلة في حالة سبيها في الحروب.
8. اقتصار الثقافة القبلية على مجموعة عادات متوارثة تشيد بدور القبيلة وتندد بأعدائها.
وهذه السمات والخصائص تستبعد حرية الضمير(العقيدة) وحرية التعبير كما هو واضح في (2) وتستبعد حرية الانتماء كما هو في (5) وتفرض ولاء موحدا ولا تتيح حرية اقتصادية كما هو واضح في (6) وتستبعد حرية الأنثى والحرية الجنسية كما هو في (3) و(7) وتستبعد حرية الفكر(8) وتستبعد الحرية السياسية(4).
الإسلام والحرية
عندما يفكر العقلاني في الدين فإنه يرى أن بروز حضارة لدى العرب كان لا بد له من الإسلام الذي منح السلطة الدولتية قدسية وأوجب طاعتها ومجد إنكار الذات القبلية لصالح الأمة الإسلامية.
وإذ تجاهلنا العبارات المنمقة من قبيل (أن الإسلام أخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله) باعتبارها مدائح لا تصمد للنقد إذ أن السلطة الإلهية تشخصت في بشر هم النبي وخلفاؤه والذين وإن لم تكن طاعتهم عبادة لهم إلا أنها كانت عبادة لله إذا تجاهلنا هذا التعبير وأمثاله فإننا سنجد أن الإسلام طبع الدولة الإسلامية بتمظهراتها المتتابعة حتى يومنا هذا وبطابع الدولة (الأخلاقية) ونظرا لأن الدين محتوى أخلاقي في الأساس(بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) فإن الحد من سلطات الدولة بشكل صريح يصبح أمرا لا معنى له وكما لا حظ السياسي النمساوي ميترينج فإنه في الدولة التي تزعم بأنها تستمد مبررها لا من فائدتها بل من مجموعة من القيم الأخلاقية فإنه لا تعود هناك محكمة صالحة للنظر في القرارات الرسمية وقد كرست الدولة العربية المعاصرة هذا الطابع الأخلاقي للدولة عندما جعلت الدين (الشريعة) مصدر التشريع متجاوزة بسرعة بالغة القوانين الانجلوسكونية التي خلفها الاستعمار والتي صبغت علاقة الدولة بالمجتمع بالطابع الحقوقي وليس بالطابع

قد يعجبك ايضا