عن التفكير السياسي السليم ومؤتمر الحوار

حسن أحمد اللوزي

 - { إن النجاح الذي تحققه الأمم والشعوب في خضم مسيرتها الحياتية في نطاق الدول كبيرة كانت أو صغيرة يرتبط بصورة وثيقة بأداء المسؤوليات «الواجبات والالتزامات» سواء بالنسبة لسلطات الدولة والمختارين لإدارتها أو المكلفين
حسن أحمد اللوزي –
إن النجاح الذي تحققه الأمم والشعوب في خضم مسيرتها الحياتية في نطاق الدول كبيرة كانت أو صغيرة يرتبط بصورة وثيقة بأداء المسؤوليات «الواجبات والالتزامات» سواء بالنسبة لسلطات الدولة والمختارين لإدارتها أو المكلفين بذلك أو بالنسبة للمجتمع بكافة تكويناته المدنية والحضارية في إدارة متكاملة ومتناسقة جوهرها التدافع والاحتكام للدستور والقوانين النافذة وضمانة تحقيق المصالح المشروعة وفي مقدمتها المصلحة العامة دون حاجة لتسميتها بالمصلحة العليا للشعب والوطن.
تلك هي الخلاصة التي توصل أية دولة بل وكل دولة لتحقيق وجودها الفاعل والمثمر وتكفل الديمومة الصانعة للتغيير والتطور وقدرتها على مسابقة حركة الزمن في الاتجاه الصحيح لتحقيق الحاجات والأهداف والطموحات بالإنتاجية والرفاهية المعيشية وبالأخذ بالأسباب وتعزيز المقومات واستثمار القدرات وجوهرها الاستثمار للعقل الإنساني ومقدراته اللامتناهية في التفكير السليم والناجح بداية من التقويم الصحيح وبميزان العلم والمعرفة ومعطيات التجارب الماثلة وتحديد الاختيارات والقرارات.
ومن هنا فإننا نرى أن النجاح المنشود لمؤتمر الحوار الوطني الشامل يبدأ وينهض في حلقات التفكير الوطني السليم المترفع عن كل الاعتبارات والمؤثرات بعيدة الصلة عن القضية والأهداف المتوخاة من قبل جميع أعضاء المؤتمر الذين نتطلع منهم أن يعملوا بروح الفريق الواحد ونعني بها الروح المتسامية الأليفة والمتآلفة قرينة الإرادة الحكيمة دائما للبشر الأسوياء ولا شك أيضا أن هناك في كل المجتمعات الإنسانية صغيرة كانت أو كبيرة مشاعر متواشجة تغمر النفوس وتكمن في القلوب في صورة نبضات متوافقة أسهل ما تلتئم مع بعضها في محك نسيج واحد عندما يعلو الشعور بالمسؤولية على متاهات النزعات والرغبات الخاصة ويكون ذلك الشعور بالمسؤولية ألصق بإملاءات التفكير السليم ويكون الاحتكام إلى العقل والالتزام بالمعقولية بداية عملية صحيحة للسير في نسق واضح يجمع الأفكار في بوتقة واحدة تحقق الأهداف المشتركة وتصون المصلحة العامة الجامعة ولذلك لا يصح أيضا أن تعوق الاختلافات مهما كانت مسيرة الحوار لأن الجميع ما داموا في حلقات الحوار لا بد أن يصلوا إلى النتيجة التي يرضى بها الجميع وذلك يتصل بمعنى قريب لفهمها للأثر القائل (إختلاف أمتي رحمة).
فالاختلاف سمة إنسانية في كافة الشعوب والأمم .. وهو مدعاة لطلب التفاهم والحوار وللتنافس والتدافع الإنساني البناء ومنافع الاختلاف بهذا المفهوم كثيرة في الحياة العامة والخاصة على حد سواء.
غير أن الاختلاف الجاهل والمختلق والذي يؤدي إلى التناقض .. والافتراق والصدام أو الصراع المدمر مرفوض من قبل العقل .. ولا يرضى به التفكير السليم وهو ما يقوم على إلغاء الآخر أو التعالي عليه واحتكار الحقيقة وإدعاء المعرفة والأحقية .. لأنه الاختلاف الخطير والمدمر.
والتأمل البسيط في التجارب الإنسانية في ما حولنا يوصلنا إلى معرفة الاختلاف الصحي والحضاري وحقيقة الثمار الإيجابية والخيرة التي تنتج عنه .. ونراه مجسدا أمامنا عندما نرى وندرس اختلاف أهل الغرب .. والذي أوصلهم في القارة الأوروبية إلى أعظم النتائج الحياتية والتي قامت على أساس منها القواعد المتينة والراسخة للاتحاد الأوروبي!!.
نعم إن التفكير السياسي الذي لا يستفيد من كل المعطيات التاريخية في حقول الحياة المختلفة فضلا عن الأحداث التطورية المهمة على مستوى الوطن والأمة .. والعالم هو تفكير قاصر .. وفي أحيان كثيرة يعتبر تفكيرا عقيما .. وإذا كان الإنسان لا يدخل إلى النهر مرتين .. فإن الأحداث وإن تشابهت في أي مكان كان .. فإنها لا تعطي ذات النتائج .. فحركة الحياة دائبة التحول .. وكما تفسر المراوحة في مكان واحد أمورا كثيرة .. وتعطل وعودا منتظرة .. فإن المعالجات والأفكار الماضوية ليست أبدا تلك التي يحتاج إليها الحاضر أو ينتظرها المستقبل.
والصحيح أيضا أن الأنماط القديمة في التفكير والمعالجات وإن كانت مجدية وناجعة في حينها في المكان والزمان ذاتهما .. إلا أنها لا يمكن أن تكون ناجحة في التاريخ التالي والمعاصر .. أو في المستقبل .. لأن ثمة معطيات جديدة لا بد أن يوضع لها الاعتبار الكامل .. ويقف أمامها الدرس العميق.
ونحب أن نوضح هنا بأن الحديث عن التفكير ليس حديثا عن العقيدة والقيم السامية التي يجب التمسك بها .. ولكنه مرتبط بالتصورات والمفاهيم العملية .. والخطط وبرامج العمل التنفيذية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأمنية وبالإدار

قد يعجبك ايضا