دلالات المكان في المجموعة القصصية ” لون في الذاكرةö”
علي أحمد عبده قاسم


علي أحمد عبده قاسم –

إذا كانت اللغة هي الوعاء الذي يتمكن المبدع من توصيل فكره ودلالات عمله فإنها أي اللغة المحتوى الذي تلف كل عناصر الإبداع باعتبارها الوسيلة للتواصل ما بين المبدع والمتلقي فإذا ما تأمل المتابع للمجموعة القصصية “لون في الذاكرة” التي فازت بجائزة رئيس الجمهورية للشباب في مجال القصة في الدورة الثالثة عشرة 2011م فإن المتأمل للمجموعة يلحظ إن المكان يتصف بالتحول والاضطراب وعدم الاستقرار ففي أقصوصة “الرصيف الآخر” يتعمق النص في وصف المكان “تقابلني على الرصيف الآخر تتمايل من حرارة الشمس الملتهبة جزء من الرصيف يتمتع بنعمة وقوفها عليه والجزء الآخر يستمتع بظل جسدها هممت بالطيران إلى الجزء المقابل لم أستطع ذلك الجولة تنعم بالإشعاعات الملونة الممتعة بشوق كبير من كل سائقي المركبات المنتظرة” وإذا ما تأمل مجموعة القاص مسعد السالمي يمكن القول: إن المكان يعكس مكانة وأصبح أثيرا في مشاعر المبدع بلغ حد الانتماء والتماهي اللامحدود ويتضح ذلك من خلال اللغة “تقابلني تتمايل يتمتع يستمتع” ليعكس متعة وارتباط وثيق بالمكان ويأتي منه كذلك “ظل الجسد نعمة الوقوف” ليأخذ القارئ إلى دلالة التلهف للوصول وأيضا المكان غير منفصل عن أحداث القصة ليشير بالمكان ويأتي منه كذلك “ظل الجسد نعمة الوقوف” ليأخذ القارئ إلى دلالة التلهف للوصول وأيضا المكان غير منفصل عن أحداث القصة ليشير إلى الترابط الوثيق ما بين اللغة وأحداث القصة وأيضا يصور المكان جانبا من حياة المدينة المضطربة والمزدحمة وضيق أماكن الجمال. واستطاع المكان رغم ضيقه من أن يلم التفاصيل الذي يحتويها ويأتي بعد ذلك التحول في المكان “آه ليتني الرصيف بوعاثته ودمامته وكآبته لألتهمها بأشيائها المتناقضة أو الحائط المثير للاشمئزاز لملمت شجاعة ما بقي من أعضائي لأغامر بحياتي مرة أخرى لقطع النصف الآخر”.
يلحظ المتلقي التحول والتغير في المكان “الرصيف بوعاثته ودمامته الأشياء المتناقضة” هذا التحول يأتي لدلالة تنامي أحداث القصة ويأتي لرسم صورة المكان المدني الذي لا يستمر محافظا على جماله وبهائه ويوضح قدرة النص في رسم لوحة المكان المختلط بالشخوص ويظهر التفاصيل الصغيرة “الجولة دفتر صغير ممتلئ بالشخابيط” ويظهر قدرة المبدع في رسم ملامح المكان ليجذب انتباه المتلقي.
وإذا تأمل القارئ أقصوصة “نوبة” حيث يقول النص “لقد ملت وقفتها اللامتناهية التي اكسبتها معروفة جمة عن كل الأجيال التي استمعت برائحتها الزكية أجيال عدة تتقن كل أسرارها وتاريخها بأدق التفاصيل المملة من الرعاة وبعض المزارعين الذين استمتعوا بالمقيل في جوها النقي المنعش في أزهى مراحل عمرها الطويل…”.
مما سبق يمكن القول أن النص يرسم لوحة المكان الباذخ كقلعة حصينة في الريف فأتى بالتفاصيل “الأسرار التاريخ الرعاة المزارعين المقيل الجو الرائحة” وهذه قدرة وصفية دقيقة تدل على النص لنقل المتلقي إلى المكان وأحداثه ومن خلال تمكن النص من جذب انتباه المتلقي مما عكس التلازم ما بين عناصر القص ويرسم لوحة للمكان تأكيدا للأهمية التي يحتلها في الذاكرة الإبداعية والذاكرة الجمعية للناس ويجعل المتلقي في حالة من التجاذب ما بين الماضي والحاضر وما بين الشمعة والضعف وصورة المكان معبرة عن القيمة العميقة للمكان ليظهر جانبا من تحول الزمن ولم يخل بالبناء الفتي للنص. ويأتي التحول من القوة إلى الضعف في المكان لذلك جمال اللغة وقوتها تحول المتلقي إلى قارئ للنص متعدد الآفاق.
“الكلاب المسعورة في تلك القرى المتناثرة تنخر سكونها مثلما كل شيء ينخر جسدها أصبح ذلك المستعمر كتائب من أكوام تتناثر في جميع أجزائها المتباعدة… لم يسعها التماسك.. هوت معلنة انضمامها إلى دفتر الوفيات”.
مما سبق يمكن القول: التحول المكاني أفضى إلى حالة من الاستسلام والضعف وتحول الجسد القوي إلى جسد مريض وهي دلالة استسلام وهزيمة. ومن ذلك كانت الكلاب في المكان ترميزا ذات دلالة واسعة في التأويل وكذلك المكان مما يفضي إلى التناقض المكاني والزماني مما أفضى إلى حالة من الموت التاريخي القوي واستسلام للضعف وإلى تبدد ملامح العظمة والحضارة.
وإذا كانت اللغة هي الأداة التي يتوسل بها النص لإيصال الرسالة من خلال تفاصيل المفردة فإن المكان كان في المجموعة بأدق المفردات اللغوية البسيطة ففي أقصوصة “حد الموت” يكشف عن النص التحول المكاني الذي يتخذ من المجتمع والناس دون المستوى من خلال “الكرسي” حيث يقول النص “يدور بكرسيه إلى النافذة المطلة على السوق القابع في الركن الشمالي من مكتبه يتأمل الشارع المكتظ بالمارة الذاهبين والعائدين إلى أعمالهم وجامعاتهم ومدارسهم يدور بذاكرته إلى تلك الأيام التي كان يحلم بالوصول إلى هذا المكان… ينظر عاليا باتجاه ذلك المبنى العصري”.
م
