عن تتار الجهل والغش في بلد الحكمة

بشير المصقري

 - بكافة الأساليب وكل الطرق كنت  أحاول منع  صديقي التشكيلي في جلسات  المقيل عن استجلاب الريح  ليشتعل الموقد الخاص بالفحم الذي يستخدمه لنارجيلته الصغيرة وهو المدمن على تدخين المعسل مع القات كل يوم واحتج على الدخان المتباعث في
بشير المصقري –
بكافة الأساليب وكل الطرق كنت أحاول منع صديقي التشكيلي في جلسات المقيل عن استجلاب الريح ليشتعل الموقد الخاص بالفحم الذي يستخدمه لنارجيلته الصغيرة وهو المدمن على تدخين المعسل مع القات كل يوم واحتج على الدخان المتباعث في غرفة صغيرة تكتظ بالدخان فتلتهب منه عيني وتفرز مدامع خاصة عندما يستخدم النوتة التي تضم قصائدي ونصوصي الأدبية فأطلب منه أن يستخدم لوحاته التشكيلية بدلا عن نوتتي لإشعال الفحم لكنه يجابهني بالقول «إن نوتتك هي أفضل من يساعد على الهفهفة حتى يصبح الفحم جمرا» ويردف قائلا «ربما أنها مشاعرك الملتهبة التي تحملها قصائدك المكتوبة في النوتة فيشتعل الموقد سريعا ولا أظن لوحاتي ستفعل ذلك فهي باردة المشاعر ونيئة الإحساس والألوان لا تستطيع فعل ماتفعله الحروف والكلمات ربما لأن أشجانك ولواعجك نارية» وهذا مامكن صديقي في نهاية المطاف من إقناعي باستخدام نوتتي لذلك فيما لم أعد أأبه بالأمر تاركا النوتة لمصيرها.
ومثلما تمكن من جعلي مولعا بالمعسل وأنا الذي لم أدخن أي نوع من التدخين قبل معرفتي به وصرت أجاريه وأنافسه في التداول السلبي للشيشة وأصابني شره كبير لتدخين المعسل الفرنسي وما برحت أن أبدو أكثر حرصا منه على قصبة النارجيلة بل وصل بي الحال لإحضار الفحم معي إلى منزله بشبه انتظام يومي وبطبيعة الحال كنا نتحدث عن مختلف القضايا في المقيل بدءا من السياسية والثقافية والاجتماعية والعلمية وحدث أن تجاذبنا أطراف الحديث عن تفشي ظاهرة الغش في الامتحانات ومالها من انعكاس سلبي وتأثيرات وخيمة على الأجيال وعلى المخرجات التعليمية فقلت له «إن البلاد ذاهبة إلى المجهول والمصير الأسود ولن تنهض طالما وظاهرة الغش تتفاقم وتتنامى في كل عام عن سابقه» وضربت له مثلا كيف أنه حولني إلى مدمن للشيشة بعد أن كنت أحتج على التدخين وأمقت المدخنين فالعملية عملية مسخ لي كمدخن وللأجيال في الغش وبتعاقب الأيام أصبحت استخدم نوتتي بيدي لإيقاد الفحم دونما أسف على مثاليتي كوني كنت سابقا شخصا ينبذ التدخين وهكذا الغش الذي جعلنا بحاجة ماسة للتحرر من هذا المسخ الذي لم يكن في يوم من الأيام من ثقافة الشعب اليمني والمطلوب عاجلا تغيير أساليب التعليم لمحاربة هذه الظاهرة المستفحلة في مجتمعنا ولم أخف امتعاظي من ذلك التجمهر المجحف جراء من يأتون كل صباح إلى باب المراكز الامتحانية جهارا نهارا ومن كل اتجاهات وأسوار المدارس التي تحتضن عملية إجراء الامتحانات الوزارية لتتصاعد المشكلة بمجئ تتار الجهل إلى باب المراكز الامتحانية مدججين بمختلف أنواع الأسلحة وبطريقة تبث الذعر في نفوس المارة الذين يشاهدون عملية إدخال البراشيم للطلاب من قبل أقاربهم وأصدقائهم وبالقوة إن لزم الأمر في ظل غياب إستراتيجية لردع هؤلاء تماما كغياب رقابتي على صحتي جراء تحولي إلى مدمن معسل لأغدو مدخنا من الطراز الأول فالمعسل لدي صار أشبه بحضور ميليشيات الغش لإذكاء عملية نحر التعليم كل صباح مما جعل الطلاب يركنون إليها ضاربين بساعات الاستذكار عرض الحائط ولم يعد هناك من يأبه للكتاب والملزمة منهم ليبقى الوطن مترنحا من خلال مشاهد تؤكد أننا شعب غشاش من ساسه إلى رأسه ومن المفارقات المرعبة أن تدوشنا وسائل الإعلام باستعانة الحكومة الموقرة برجال بنوا أوطانهم كماهتير محمد لاستنساخ تجربة ماليزيا بغية الإطراد والتقدم وبناء وطن حالم بالرقي وصناعة أجيال على الطريقة الماليزية تسهم في وضع لبنات التطور واللحاق بركب الأمم الأخرى والحقيقة أن مهاتير محمد لو أدرك ما يجري من هوشليات وغوغاء واستهانة بالتعليم في بلادنا لندم على مجيئة إلى اليمن ولو رأى كيف أن التعليم عندنا وصل إلى درجة أقل مايمكن وصفها أنها هولوكست يحترق فيها أسمى قيم الحياة كالتعليم ولقال « ليظل المرء في اليمن جاهلا يرعى الحميرا على أن يكون متعلما على طريقة أبو يمن» ولو وعى الرجل أن الحكمة هنا تحولت إلى خداع مقيت نمارسه ضد أنفسنا لضحك من اشتراطه إحلال الأمن وإفشاء الأمان أولا للنهوض بالوطن.. ونحن الذين لم نستطع تأمين أجواء الامتحانات وتوفير بيئة آمنة للتعليم وخلق مجتمعات تقدس العلم وتعول عليه لاستجلاب المجد ونشد مستقبل أكثر إشراقا أسوة بشعوب راهنت على التعليم في إرساء مداميك حضارتها ونجحت أيما نجاح وبالتالي لم تكن النتيجة كما هي لدينا وطن يتلاشى من الخارطة كما يتلاشى الدخان المنبعث من شيشة صديقي الفنان

قد يعجبك ايضا