ما بين التقدم والتخلف!!

 - يقاس تقدم الأمم والشعوب وتطورها بكمية الطاقة الكهربائية التي يتم استهلاكها ذلك أن زيادة هذا الاستهلاك لا يعني الإسراف والتبذير بقدر ما يعني وجود البنية التحتية من محطات توليد تعمل بمختلف أنواع الوقود كما يعني وجود المصانع
خليل المعلمي –
يقاس تقدم الأمم والشعوب وتطورها بكمية الطاقة الكهربائية التي يتم استهلاكها ذلك أن زيادة هذا الاستهلاك لا يعني الإسراف والتبذير بقدر ما يعني وجود البنية التحتية من محطات توليد تعمل بمختلف أنواع الوقود كما يعني وجود المصانع والمزارع والمساكن والمدن الحضرية وما يرافق ذلك من تطور وتقدم ورقي في مختلف مجالات الحياة وكذلك زيادة كبيرة في الإنتاج والاستيراد والتصدير.
وبالمقابل يقاس تخلف الأمم والشعوب وتأخرها وجهلها بعدد الاعتداءات التخريبية التي تقوم بها عناصر من المجتمع وهي تعتبر عناصر تخريبية خارجة عن القانون العرف والشرع ضد المرافق الحيوية والخدمية وضد المشاريع القائمة والتي تخدم كافة المواطنين في جميع المدن والقرى تم انجازها عن طريق المنح والقروض المقدمة من أجل إيجاد التنمية بكافة أنواعها من أجل إحداث تنمية حقيقية بكافة أنواعها وبالتحديد يقاس هذا التخلف بعدد الاعتداءات على أبراج وخطوط نقل الطاقة الكهربائية من محطات التوليد إلى مختلف المدن لينتفع بها الناس كل في مجاله وفي تشغيل مختلف القطاعات الخدمية والإنتاجية المختلفة كالمستشفيات والمصانع وغير ذلك فلقد أضحت الطاقة عصب العالم الحديث لبناء الدول والمجتمعات وإحداث التنمية وتشغيل البطالة وتطوير الاقتصاد كما لا يمكن الاستغناء عنها.
وما علينا إلا أن نبحث عن أنفسنا في هذا البلد في أي خانة نقع وقد بلغت الاعتداءات التخريبية على خطوط نقل الطاقة الكهربائية منذ بدأت في شهر فبراير العام 2010م حداٍ لا يطاق حين أقدمت عناصر تخريبية للاعتداء على خطوط نقل الطاقة الكهربائية 400ك.ف. مارب صنعاء لأغراض خسيسة ودنيئة الغرض منها تحطيم كل منجز تنموي واقتصادي يسعى اليمنيون لتحقيقه.
بعدها توالت هذه الاعتداءات حتى بلغت مع منتصف العام 2012م أكثر من 150 اعتداءٍ تخريبياٍ كلف قطاع الكهرباء في بلادنا ما قيمته أكثر من 33 مليار ريال توزعت بين شراء قطع غيار وأجور عمل للفرق الهندسية التي تبذل قصارى جهودها في إصلاح الأضرار الناتجة عن هذه الاعتداءات كما تضم خسارة في قيمة الطاقة المباعة.
وتؤدي تلك الاعتداءات إلى توقف محطة مارب الغازية بصورة مفاجئة تغرق بعدها العاصمة صنعاء وبعض المدن المرتبطة بالمحطة في ظلام دامس حتى يتم إعادة إصلاح الأضرار الناتجة عن هذه الاعتداءات ولاشك بأن محطة مارب الغازية مع خروج وإعادة تشغيلها المتكرر بهذه الصورة كان له أثراٍ كبيراٍ على المحطة حيث استنفد مخزون أكثر من عشرة سنوات من قطع الغيار كما من المتوقع أن ينخفض العمر الافتراضي لهذه المحطة بحسب التقارير الرسمية وما نشرته وتناولته وسائل الإعلام المختلفة مؤخراٍ.
وبالنظر إلى محطة مارب الغازية والتي تعتبر أكبر محطة لتوليد الكهرباء تم انجازها في بلادنا ضمن خطة استراتيجية تم الإعداد لها مع بداية الألفية الثالثة والتي جاءت متأخرة كثيرة فإنها لن تفي بسد العجز الحاصل في الطاقة نتيجة التطور العمراني في بلادنا ولهذا لابد حيال ذلك البدء بتنفيذ المرحلتين الثانية والثالثة منها.
وقد أكتفت ردود الأفعال حيال تلك الاعتداءات التخريبية والإجرامية بالشجب والتنديد وتحميل البعض من قبل البعض المسؤولية وملاحقة المتسببين في ذلك.. حتى أصبحت ظاهرة الاعتداءات من الجرائم الاعتيادية حتى المواطن العادي لم يأمن استمرارية التيار الكهربائي وظل يتوقع وجود أي اعتداء في أي وقت وفي أي حين لا فرق في ذلك بين ليل ونهار فأضطر للاعتماد على ذاته وتأمين مصدر آخر للطاقة عن طريق المولدات الصغيرة وتسبب هذه المولدات خسائر كبيرة على الاقتصاد الوطني وسحب العملات الصعبة التي من الممكن الاستفادة منها في غير ذلك بما يفيد البلاد والعباد.
وتشابه هذا التنديد بالسكوت عن هذه الظاهرة وعدم التعامل بوطنية وبطريقة رادعة وما ذلك إلا من باب التخلف والسكوت عن الباطل الذي كان من الواجب محاربته بكافة الطرق والوسائل.
وهذا السكوت المطبق لن يضرنا نحن أبناء هذا الجيل بل سينتقل إلى الأجيال القادمة والتي سترث ثقافة «الاعتداءات التخريبية» التي هي بعيدة عن دينيا وقيمنا وموروثاتنا الثقافية والحضارية فهذه الظاهرة لم نسمع عنها قط في أي بلد ولا أي مكان ولا في أي زمان حتى في تلك البلدان التي لا تعرف من الحضارة شيء لم يحدث فيها أي نوع من هذا التخلف.
وبالمقارنة بين ما ينتج من طاقة في بلادنا مع دول أخرى شقيقة أو صديقة نجد أننا لم نصنع شيء منذ عقود وأننا نقع في ذيل القائمة دائماٍ كما هي حالتنا في كل المجالات الرياضية والتعليمية والثقافية والاقتصادية وغير ذلك فقد ظلت مشاريع الطاقة كسراب بقيعة على الرغم من كثرة الاستراتيجيات والخطط الطويلة والقصيرة والمتوسطة المدى والتي تنضح بها الأدراج والمكاتب بل والمخازن..
لم تتعدى بلادنا الألف ميجا في إنتاجها للطاقة بينما دولاٍ كثيرة أقل منا عدداٍ وعدة ثروة ومالاٍ ورجالاٍ تنتج وتستهلك أضعافاٍ مضاعفة فالبحرين مثلاٍ تنتج أكثر من 4 آلاف ميجاوات أما السعودية فتنتج أكثر من 37 ميجاوات ومصر تنتج أكثر من 35 ميجاوات تقريباٍ وقد قامت قبل عدة سنوات بحل «هيئة كهرباء الريف» وهي المسئولة عن تنفيذ مشاريع الكهرباء للريف المصري بعد أن أنهت مهمتها بنجاح.
وأخيراٍ تبقى قضية الكهرباء قضية الجميع فليست قضية الوزارة فقط على الرغم من أنها تتحمل الجزء الضخم والعظيم من هذه القضية إلا أن الجميع لهم مسؤوليات وأقول الجميع الحكومة وبقية وزاراتها المعنية بتأمين أبراج وخطوط نقل الطاقة الكهربائية وكذلك جميع المواطنين في الحفاظ على ما هو موجود.
هذه القضية لابد أن تتبناها الحكومة بداية في التصدي للخارجين عن القانون بكل حزم وشدة فالتساهل الحاصل على مدار العامين الماضيين ضد العناصر التخريبية المنفذة لهذه الاعتداءات قد جعلها تتطور وتتوسع ونحن الآن نحصد هذا السكوت وهذه المداراة.
وإذا كنا قد سمعنا مؤخراٍ عن نشر أسماء المتهمين بهذه الاعتداءات فنحن ننتظر اليوم الذي نرى فيه تطبيق القانون على مثل هؤلاء خاصة بعد أن اعتبرت الحكومة في أحد اجتماعاتها هذه الاعتداءات جرائم «حرابة» والشرع والقانون قد حددا العقاب الرادع لمرتكبي هذه الجريمة والمنصوص عليها في آيات القرآن الكريم.
ويأتي دور المواطنين جميعاٍ كبيرهم قبل صغيرهم في الحفاظ على مكونات هذا القطاع المتواضع وعدم العبث بالشبكات الكهربائية وإلغاء أي تدخل من قبلهم والإيفاء بمستحقاته خاصة الشخصيات النافذة في البلد والتي كانت مؤسسة الكهرباء قد هددت بنشر أسمائهم في مختلف وسائل الإعلام المختلفة ولا نعرف لماذا تراجعت عن ذلك.
وفي الأخير نقول أعاننا الله جميعاٍ في هذا الوطن المثقل بالتحديات ننتظره في قادم الأيام خاصة أننا مقبلون على شهر رمضان الكريم.

Kho2002us@gmail.com

قد يعجبك ايضا