فســاد القضاء!



عبدالفتاح علي البنوس
لم يعد بخاف على أحد الوضع الذي عليه القضاء في بلادنا فيما يتعلق بتطبيق العدالة وسرعة الفصل في القضايا أمام المحاكم على اختلاف درجاتها, فالحال لا يسر أي شخص على الإطلاق حيث لا يزال هناك العديد من القضاة الذين يمثلون حجر عثرة أمام تحقيق العدالة والإنصاف والانتصار للمظلومين وأصحاب الحقوق المنتهكة والممتلكات المغتصبة رغم كل أوجه الدعم والرعاية التي حظوا بها والتي لطالما كانت محط مقارنة من قبل العاملين في بقية قطاعات ومؤسسات وسلطات الدولة المختلفة ومع ذلك تظل هناك ممارسات تسيىء إلى القضاء وتنال من هيبة القضاة الذين هم شوكة الميزان ومصدر تحقيق العدالة وأعرف هنا العديد من القضاة الذين شكل حضورهم في السلك القضائي علامة فارقة في الأوساط الجماهيرية في إطار المناطق التي عملوا فيها حيث جسدوا قيم العدل والاستقامة والنزاهة والصدق والإخلاص مما أكسبهم محبة الناس بعد أن جعلوا من القضاء صوت العدالة ومكان المظلومين وأصحاب الحقوق المنتهكة وما أكثر هذه النماذج الطيبة من القضاة الذين يشهد لهم الناس بالنزاهة والعفة والإخلاص والأمانة في الوقت الذي كانت الإمكانيات المتاحة لهم شحيحة بخلاف ماهو عليه اليوم فهناك من القضاة من أفنوا أعمارهم في السلك القضائي دون أن يتمكنوا من الحصول على منزل تمليك أو وسيلة مواصلات لتجنبهم وعثاء وسائل المواصلات وسطوة وعنتريات المؤجرين ولا يمتلكون الأراضي والأرصدة في البنوك وليس لهم من مصدر للدخل سوى مرتباتهم الشهرية التي يستحي المرء من ذكرها في الوقت الذي نشاهد بعض القضاة في وقتنا الراهن يمتلكون « الفلل» الفارهة والسيارات الفخمة و الأرصدة المهولة ومساحات شاسعة من الأراضي والمزارع وغيرها من الاستثمارات رغم أنه لا يوجد لديهم أي مصدر غير مرتباتهم, ولكن هؤلاء يوظفون العدالة لخدمة مصالحهم وأهدافهم الشخصية حيث جعلوا من مناصبهم فرصة لكسب الأموال من خلال الممارسات غير القانونية والارتهان للمادة وتحويل القضايا إلى ما يشبه المزاد فمن يدفع أكثر يكون الحكم في صالحة وما هي إلا أشهر حتى ينفض هؤلاء القضاة غبار الفقر وتتبدل أحوالهم وللأسف الشديد نجد البعض منهم يحظون بالترقيات والتي لا نعلم ماهي المعايير التي تعتمد السلطات القضائية عند منحها رغم أن ملفات هؤلاء مثقلة بالمخالفات والتجاوزات والغريب في الأمر أن هناك جهازا رقابيا للقضاء وهو هيئة التفتيش القضائي وهذا الجهاز الرقابي مهمته متابعة الشكاوى التي تصل إليه حول ممارسات بعض القضاة والعاملين في المحاكم ولا أعلم أين تذهب تقارير الهيئة عن القضاة عند إقرار الترقيات والتسويات ولماذا لا يتم استبعاد القضاة الذين يثبت مخالفتهم للنظام والقانون وقيامهم بأعمال تسيىء إلى القضاء و العاملين فيهنريد أن يكون معيار الترقية في السلك القضائي هو النزاهة والاستقامة.
ومستوى الانضباط القضائي على اعتبار ذلك سيسهم في تحفيز القضاة على الأداء المتميز لضمان الحصول على الترقيات الوظيفية.
ومن هنا فإن من الضروريات اليوم في ظل الظروف الراهنة إصلاح السلطة القضائية وتنقيتها من العناصر الفاسدة التي أساءت للقضاء وأسهمت في تغيير مسار العدالة وإدخال المواطنين في صراعات دموية لا أول لها ولا آخر العدل أساس الحكم وبدون العدل تختل الموازين وتتعقد الأمور وتتسع دائرة العنف والفوضى وترتفع معدلات الجرائم الجنائية وقضايا الثارات القبلية وقد آن الآوان لإحداث التغيير المنشود في هذا الجهاز الهام من خلال إقصاء القضاة الذين حولوا المحاكم إلى مشاريع استثمارية تدر عليهم الملايين وجعلوا في منازلهم استراحات لاستقبال الخصوم ودفع المعلوم وهناك من القضاة من حولوا منازلهم إلى قاعات للتقاضي بعد أن استحدثوا لأنفسهم «سماسرة» داخل المحاكم لاصطياد الغرماء» وتبصيرهم بالطريق الأسهل للحصول على الأحكام وفق نظام «المستعجل» تماما كما هو الحال في مغاسل الملابس وصدقوني أن أحد القضاة رفض قبول مبلغ مالي كان أحد المواطنين قد قدم إلى منزله لتسليمه من أجل أن يحكم له في قضية له منظورة أمام المحكمة والرفض هنا ليس دليلا على نزاهة القاضي وإنما كان بسبب عدم احضار المبلغ الذي تم الاتفاق عليه والذي رآه المواطن «المشارع» أنه كبير ولا طاقة له به وعندما أراد هذا «المشارع» أن يشرح للقاضي ظروفه ويشتكي له من ضخامة المبلغ المطلوب منه رد عليه القاضي بأن هذا المبلغ لا يساوي «غمسة واحدة في جهنم» على حد وصفه فما كان منه إلا تدبير المبلغ من أجل أن يهب له القاضي المرتشي ما ليس له وبحكم شرعي وما أكثر القضاة الذين يماطلون في إجراءات التقاضي ويكثرون من تأجيل القضايا رغم بساطتها وعدم الحاجة للتطويل فيها لدرجة أن أطراف بعض هذه القضايا يضطرون للجوء للحل القبلي بعد أن ذاقوا الأمرين من القضاة وما أكثر النزاعات والصراعات والحروب والمشاكل التي تنشأ في أوساط المواطن

قد يعجبك ايضا