تزكية النفوس وضد الظلم

عارف الدوش


عارف الدوش –

التصوف ليس انعزالا عن المجتمع وهروبا من واقع الحياة كما يقول عنه خصومه وإنما هو محاولة للإنسان للتسلح بقيم روحية جديدة تعينه على مواجهة الحياة واضطراباتها وضغوطها وطلباتها المادية كون التصوف يعتمد على تزكيته النفس وترويضها ولذلك فهو يوفر قراءة مختلفة للحياة والأحداث عن تلك التي تعود الناس عليها وهذه القراءة هي التي تحقق للإنسان السالك الطريق إلى الله التوازن النفسي حتى يواجه مصاعب الحياة ومشكلاتها وضغوطها بإرادة قوية وبنفس راضية مطمئنة لأنه يكون قد فهم طبيعة الحياة وطبيعة القوى المسيطرة عليها والتي تحركها « الله الخالق الباري المصور.. العليم السميع القادر الجبار والمنتقم … الخ « وفهم أيضا طبيعة دوره في الحياة وما هو المطلوب منه قال تعالى « ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ( الذاريات :56) وقال تعالى « إن ربك فعال لما يريد» ( هود: 107 ) وقال تعالى» أنö اعúبدوا الله واجúتنöبوا الطاغوت» ( النحل: 36) وقال تعالى « وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين»( القصص :77) من الآيات السابقة وغيرها آيات كثيرة في القرآن الكريم فهم أهل الله فهموا كلام الله وسمعوا نبضه الوثيق بل تشربوه فالإنسان خلق لعبادة خالقه ولو بذل جميع أهل الأرض جهودهم لأشقى إنسان يريد الله إسعاده ما قدروا» إن ربك فعال لما يريد» كما فهم أهل الله الشيوخ المربين للسالكين الطريق إلى الله المغزى من الآيات التي ذكرت والسنة النبوية المطهرة التي تبين أن الفرد جزء من المجموع فإنهم يربون مريديهم من خلال منهج وخطوات تهدف إلى الحفاظ على حالة التوازن النفسي والطمأنينة التي عليها المؤمنون منها : التفكر والتدبر والتأمل وكلما تفكر الإنسان أيقن بوحدانية الله وبعظمته وبجلاله فيؤدي ذلك إلى ذكره تعالى والتيقن أن في كل شيء له آية تدل على أنه الواحد فمن أنزل حوائجه بالله والتجأ إليه وتوكل في أمره كله عليه كفاه كل مؤنة وقرب إليه كل بعيد ويسر عليه كل عسير وهذا هو منهج أهل الله والعكس من سكن إلى علمه وعقله واعتمد على قوته وحوله وتقرب من الحكام الظلمة وسكت عن ظلهم للناس وكله الله إلى نفسه وخذله وحرمه توفيقه لذا يقول ابن عطاء الله السكندري: « ما توقف مطلب أنت طالبه بربك , ولا تيسر مطلب أنت طالبه بنفسك « وعلم ومنهج أهل الله يخاطب بصورة عامة وجدان البشر ويهتم بتهذيب سلوكهم وترقيق مشاعرهم وترقية أرواحهم .ومن هنا يأتي هذا العلم والمنهج ليحقق التوازن النفسي والاعتدال فيقي بذلك الإنسان من الخوف والقلق والاهتزاز. والمجتمعات اليوم في أمس الحاجة إلى ما يمكن تسميته «بنموذج أهل الله» لأن كل شيء من حولنا يهتز ويخور والقيم الأخلاقية آخذة في الاضمحلال والشباب حين يفقد القدوة والتوازن والاطمئنان يندفع تحت تأثير الإحباط نحو الجريمة والإرهاب وهناك نماذج من رجال التصوف دعاة صادقون وأولياء مخلصون وعباد زاهدون وأتقياء عاملون ورجال مجاهدون استلهموا حقيقة الدين فالتزموا الكتاب والسنة واتبعوا سلف الأمة فقاوموا انحرافات مدعيي التصوف فجعلوا التصوف طريقا للتخلي عن الرذائل والتحلي بالفضائل فتزودوا بالتقوى والزهد وجعلوا التصوف مدرسة تعلم المريدين تهذيب النفوس وتصفية القلوب مما علق بها من أدران الدنيا الفانية فنذروا حياتهم لخدمة الدين والمجتمعات فتفاعلوا مع مستجدات بلدانهم وأحداثها الجارية فتقدموا لخدمة المجتمعات وخاضوا معترك الحياة .لم يكسلوا عن السعي والعمل والأخذ بالأسباب المشروعة واكتساب المال الحلال ولم يهادنوا الظلمة والمستبدين والطغاة.
يتبع بعد غدا الحلقة الثانية

قد يعجبك ايضا