الصوم مدرسة للسمو الإنساني
حسن أحمد اللوزي
حسن أحمد اللوزي –
{ إن التسامي الذي نقصده هنا هو التجلي والارتباط بحقيقة الإنسان كما خلقه الله في أحسن تقويم وارتقى به من حالة الحيوان إلى مستوى أرفع يكتسب معه ظلالا واضحة من القداسة الربانية وقد نفخ الله فيه من روحه فكيف لا يسمو نحو المعاني الإنسانية الراقية والقيم الدينية السامية وإلى مكارم الأخلاق ويكون تقيا في ظاهره وباطنه وفيا في نواياه وأعماله وعلاقاته وتطلعاته مثاليا في حياته فإذا كان قد انحرف وأخطأ وعصى فإن أمامه صدق التوبة ليعود إلى إخلاص الإيمان وحسن العبادة والسيرة والسلوك وإتقان العمل وعافية الضمير وإباء النفس وسمو الروح في هذا الشهر الفضيل شهر التربية النفسية في المدرسة الربانية وفي أكناف فريضة الصوم. وما أعظم سخاء الله سبحانه وتعالى وجوده في توليه لشؤون خلقه ومنú جعله ليكون خليفة له في الأرض بهذه الفريضة حيث جعل شهرا واحدا في العام يقام فيه ركن الصوم لتصفية حساب عام كامل من خلال تربية النفس على التزكية والطهارة مما علق بها من أوشاب وتصحيح الأخطاء ومعالجة جوانب الخلل والقصور ومن أجل أن تعود صفحة الإنسان المؤمن خالية من الذنوب المتصلة بحق الله ويغدو ميزانه مزدانا بالحسنات المضاعفة المرجحة لكفة الخير وأرصدة الفوز العظيم في طريق الرحمة والمغفرة والعتق من النار وبلوغ حالة جديدة من الاستواء الاستواء النفسي والصحة الروحية والبدنية بعد أن يكون الصوم قد تمكن من تهذيب الرغبات والغرائز النفسية التي استهدفها وهو موجه عنوة إلى البعض منها. وقد عدد علماء النفس أكثر من أربع عشرة غريزة فيزيولوجية واجتماعية ومعنوية تتحكم في الإنسان أشدها الجوع والعطش وغريزة الجنس وكافة صور الحرمان فضلا عن الحب والغضب والكراهية وحب التملك والنجاح والتميز والاجتماع وأعلاها الميل إلى التسامي. ولا شك أن أداء فريضة الصوم يحدث تغييرا إيجابيا هاما في حياة الإنسان الفرد والمجتمع على حد سواء ولا شك أن هذا التغير يذهب نحو الأفضل دائما في العلاقة المتصلة بالله سبحانه وتعالى وبالإنسان مع نفسه ورغباتها وكذلك بالنسبة للإنسان وعلاقته بالآخرين أو بالأحرى بالمجتمع من حوله وبهذا التغير الإيجابي في أبعاده الثلاثة يستطيع أن يكتشف الإنسان قدراته التي ترفعه إلى مستوى جديد من الرفعة والسمو بالنسبة لتعزيز العلاقة التعبدية بالخالق سبحانه وتعالى وفي أداء واجبات الطاعة الخالصة له طمعا في الفوز بجائزة الشهر الفضيل وفي تجنب كل الأعمال والسلوكيات والأقوال وحتى النوايا السيئة أو التي تؤثر بالنسبة لرفعة الإنسان وسموه إلى المستوى الذي يقدر أن يصل إليه من الانضباط والالتزام والمثالية – إذا صح التعبير – ذلك أن رحلة الشهر في أكناف الصوم وروحانيات تلاوة القرآن الكريم والتأمل في آياته والتفكير في مجمل أحكامه والسياحة في أحوال الأمم والشعوب السالفة وقصص الأنبياء والرسل – عليهم صلاة الله وسلامه أجمعين – وما يقدمه ذلك من معارف يقينية حول صراع الخير مع الشر واكتشاف مكامن القوة وأسباب الفوز وعناصر الفلاح والإدراك أولا لحقيقة المكانة الرفيعة التي وضع فيها الإنسان المستخلف الذي خلقه الله في أحسن تقويم وميزه وكما قلنا سابقا بأن نفخ فيه من روحه سبحانه وتعالى وأعطى النفس البشرية والعقل الإنساني كامل الحرية في اختيار الطريق بعد أن هداه إلى النجدين طريق الخير وطريق الشر وجعل في النفس – وهي بؤرة الاختبار والامتحان – قوة خفية ذات أبعاد متصلة بالانكشاف على النجدين فهي النفس الأمارة بالسوء وهي النفس اللوامة وهي النفس المطمئنة وهي النفس القادرة فوق ذلك كله على الارتقاء والسمو إلى أعلى الصفات والدرجات وأن تنجو من كل مهاوي الانحطاط إلى المستويات الحيوانية وإحراز الفوز الذي لا يمكن الوصول إليه إلا بالمزيد من معرفة الله والخوف منه والتعلق بطاعته في كل الأفعال والحركات والأقوال والسكنات. ولا شك أن مثل هذا الدرس متوفر كأجلى ما يكون في أداء فريضة الصوم لأن الإنسان يرتبط بها طوال نهاره من لحظة الإمساك عن كل المفطرات وفي حركته طوال النهار وهو يندمج في العلاقات اليومية في العمل وفي السوق وفي البيت والمسجد ويظل في كامل اليقظة والاحتراز من كل ما قد يجرح صومه ويبذل طاقته في كل ما يعزز صورة المثال الأعلى للإنسان الصائم ذي الأخلاق الحميدة والصفات السامية والقدرات المعطاءة والأيادي السخية والندية!! ومن أجل ذلك جاء الخطاب القرآني واضحا ومباشرا للنبي عليه صلاة الله وسلامه ولأمته المؤمنة بقوله : «واذúكر ر