رمضان فرصة لتزكية النفوس وتهذيبها

هايل سعيد الصرمي


هايل سعيد الصرمي –
« ادفن وجودك في أرض الخمول فما نبت مما لم يدفن لا يتم نتاجه »
إن دفن الذات نضوج للبذرة و للثمرة وداع إلى الإخلاص فالحظوظ النفسية كثيرة ومن أبرزها تضخم الذات : العجب الكبر والرياء والسمعة وهي أكثر من أن نحصيها هنا ..
هذه الأمراض الناتجة من حظوظ النفس الأمارة بالسوء إذا أصيب بها العبد وظهرت في الأعمال والأقوال _ ولو كانت الأعمال كالجبال الرواسي _تصبح بلا ثمرة في الدنيا والآخرة فالأعمال التي دوافعها هذه الأمراض لا تنبت نباتا حسنا ولن يكون لها نتائج نافعة بل يكون مردودها سلبيا على صاحبها لذلك مطلوب من المسلم الحق أن يخمد هذه الأمراض في عقرها وذلك بإخماد ذاته في أرض الخمول .
أي أن عليه أن يميت حظوظ نفسه وينسى ذاته فلا ينتصر لها ولا يغار عليها ويدفع عنها حب الرئاسة وحب الظهور وطلب اهتمام الآخرين واحترامهم لها حتى تخلص غرائزه وأعماله لله الواحد الأحد وهذا هو بعض المقصود بدفن الوجود في أرض الخمول .
فالبذر الذي لا يدفن لا ينبت له ثمر ولا يظهر له أثر فإذا أراد العبد أن تنمو وتبارك أعماله ويورق عوده فليخلصها من حظوظ نفسه بدفنها في أرض الخمول فما لم يدفن لا نتاج له .
أما إذا كان الدوران حول ذاتك فلن تدور في رحاب ربك فإن الله جعل لكل عبد قلبا واحدا ومن أشرك مع الله غيره حبط عمله وذهب جهده وضاع أثره وأصبح من الخاسرين أعاذنا الله من ذلك فمن انشغل بالله حفظ نفسه ومن انشغل بنفسه حرص على تلبية رغباتها وأهوائها ونسي ربه . قال تعالى : (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم) الجاثية ( 23) .
وخلاصة ذلك :
لا تـنـتـصر لنفسك وانتصر لدينك ولربك .
لا تتكبر على أحد من خلق الله وتذلل وتواضع لربك وللمؤمنين .
لا تعجب بحسنك وإبداعك فما جملك إلا ربك واعجب بفضل الله عليك .
لا تغتر فأنت من طين وإلى الطين تسير ولا حول لك ولا قوة إلا بالله.
لا تحقر غيرك فلا تعلم كيف أنت عند ربك فكيف تحقر غيرك وتجهل نفسك.
لا تراءö بعملك أحدا غير الله .
« ادفن وجودك في أرض الخمول فما نبت مما لم يدفن لا يتم نتاجه »
« هذه الكلمة أفضل توجيه لمن يريدون الظهور على عجل ومن يتوهمون أن نصيبا قليلا من المعرفة والخبرة كاف في الترشيح لقيادة الجماهير والصدارة بين الناس وهؤلاء في الحياة لا حصر لهم . إن منصب الإمامة في آفاق الدنيا أو في آفاق الدين يتطلب صبر السنين وتغضين الجبين .
فليصنع المرء نفسه أولا في عزلة وفي صمت وفي تؤدة كالشجرة التي يختفي أصلها في ظلمة التراب أمدا تتكون فيه التكون الصحيح ثم تبدأ تشق طريقها إلى الهواء والضوء . ما ضر الشباب أن يتواروا قليلا أو كثيرا فلا يطلعوا على الناس إلا بعد أن تكتمل ملكاتهم ¿ . إنك ترى الواحد يكتب عدة مقالات فيحسب نفسه من قادة الفكر أو يحسن بضعة أعمال فيزعم نفسه من ساسة العالم ولو آثر ( الخمول) فترة ينضج فيها لكان خيرا له ثم من الإيمان _ إذا استويت _ أن تقوم بما عليك لله _ لا للظهور فإن الذي يطلب وجوه الناس يسقط من عين الله .
فاحذر على نفسك أمرين : أن تنـزع إلى البروز قبل استكمال المؤهلات المطلوبة وأن تستكمل هذه المؤهلات لتلفت بها أنظار الناس إليك » .[1]
وإياك والغرور والعجب الزم التواضع والانكسار وهنا يقوى أصلك ويـسمق فرعك . اللهم اجعل أهواءنا تبعا لما جاء به محمد.
(إذا شöئúت أن تزúداد قدúرا ورöفúعــة فلöنú وتواضعú واتúركö الúكöبúـر والúعجúبا)
ولا تفتخر مهما غدوت مبجلا
أصرت سماء أو غدوت بها شهبا
وإن شئت أن يبقى لذكرك خلده
فكن رجلا في كل نائبة صلبــا
ولا تمتهن نفسا لها الأرض سخرت
وما في الفضا حتى ولو شرقتú غرúبا
توسط ولا تغلو لكي تصعد الذرى
ولا تبتغي في اللين بعدا ولا قربا
وحافظ على صدق اللســان ولا تدع
مخاوفك الهوجاء تملي له الكذبا
فإنك محمود إذا كنت حامدا
وإنك مذموم إذا سمúتهم عتبـــا
وإنك ممقوت إذا صرت جافيا
ولو كنت مöعúطاء وكنت لهم ربــا
لأن غليظ القلب ليس يروقه عدى
الأفك والشحناء والحقد والسبا
فضمن معاني القول لطفا ورقة
فإن لطيف القول يجتذب الصعــبا
وأحسن وإن ساءتك منهم مقالة
وسامحú و إن آذوك أو جرحوا القلبا

قد يعجبك ايضا