محمود مجاهد نعمان.. الاشتراكي النبيل

قادري أحمد حيدر

 - من أين أبدأ الرحلة معك يا رفيقي وأخي وقرة عيني من حلم وفرح بدأناهما معا قبل أربعين حولا... وما نزال نحاول كل بطريقته
قادري أحمد حيدر –

من أين أبدأ الرحلة معك يا رفيقي وأخي وقرة عيني من حلم وفرح بدأناهما معا قبل أربعين حولا… وما نزال نحاول كل بطريقته أم من كثافة الموت والحزن اللذين كللا أيامنا بالغبار طيلة تلك الأربعين التي كنا في حالة سجال معها وفيها من أجل الأصيل والجميل والنبيل وكلنا أمل في اجتياز ما تبقى من ما بعد الأربعين بسلام في ظل ثورة تغيير وليس إصلاح انتظرناها طويلا وباركتها بكل عنفوان الفرسان والأبطال.. وأسفي اليوم عظيم أننا سنواصلها لأول مرة بدونك دون مشاركتك النبيلة بالجدل الصاخب والسجال الحار وعمق الرؤى الحالمة الصادرة من عقلك الشغال, أبدا, في بداية المشوار كنت أكثرنا حركية وحيوية وحبا للانخراط في الشأن العام كنت أكثرنا جسارة وإقداما وأكثر الأسماء في جيلنا قدرة على فهم الواقع واستشراف المستقبل في باكر الأيام الأولى كان إسهامك الرائد في تقديم التضحية والفداء وكل ما تملك وكان أقرب الأوصاف والأسماء إلى نفسي لتوصيفك هي الفدائي المغامر المتحدي المقادم الذي لا يتنازل ولا يهادن أو يساوم على مواقفه وقناعاته, لم تكن قدريا أو توكليا يوما كان العمل الدؤوب يسبقك ولذلك كنت شخصية مستقلة حرة في زمن الطاعة الحزبية العمياء سياسيا أو دينيا ولذلك كنت ترفض التلقين والتبعية أو التهميش كرأيك ودورك ومكانتك في الحياة ومن هنا سمت القيادة في روحك وعقلك التي اكتشفناها فيك في مرحلة مبكرة ونقطة البداية والانطلاق هي ذاتك الحرة المستقلة التي كانت تأبى التواكل والانتظار القدرية والخضوع ولا تقنع بما دون النجوم أو بما يأتي به القدر على الإرادة الإنسانية الحرة ولذلك كنت دوما مع الاختيار مع حرية الإنسان وإرادته في الاختيار وضد النص والتعيين والقوالب الجامدة في التفكير والأنماط الجاهزة في الرؤية للأشياء والحياة والواقع ومن هنا كراهتك للنصوص والمفاهيم الاطلاقية ورفضك للجمود واصطفافك مع الحركة والجدل الديالكتيك وهو ما رسم حياتك بذلك العنفوان والفوران الثوري الإبداعي تلك الحركية والقدرات التنظيمية الهائلة والإمكانات الذائقة في الاحتكاك الفعال بناس المجتمع والقدرة الاستقطابية الكبيرة في الوسط الاجتماعي, كنت عكس الكثيرين منا والأهم في كل ذلك هي حساسيتك الشديدة ضد الاستبداد وفكر الاستبداد..
وما زلت حتى اللحظة أتذكر حين كنا في إقامة عابرة في إحدى البلدان العربية التي تكثر فيها المجسمات والتماثيل والصور المعبرة والمكرسة لحضور القائد الرمز وكنت لأول مرة في زيارة هذا البلد العربي, ومن صور تلك الحساسية ضد الاستبداد والكره العميق في داخلك للمستبد والطغاة .. حين كنت أذهب لأعرفك على بعض المعالم والمناطق التاريخية في هذا البلد الجميل كانت تواجهك صور ومجسمات وتماثيل القائد الرمز القائد للأبد, وحينها كبرت عليك نفسك الهاربة من الاستبداد أن تجد هذا البلد العربي الجميل العريق مختصرا في صورة هذا الاسم الزعيم الأوحد للأبد وركبك جنون الرفض لهذه المقاربة أو المقارنة اللا واقعية واللا تاريخية بين الوطن والشعب واسم الحاكم الزعيم فقررت في توك وفي الساعة ذاتها مغادرة هذا البلد ولم أعلم صباح اليوم التالي إلا بوجودك في صنعاء.
أربعون حولا ويزيد مشحونة بالعمل وبالمعنى وبالقيم الإنسانية الكبرى, تعلمت فيها منك صديقا وفيا أشياء عديدة هي خلاصة تجربتك في الحياة, هي عنفوان وشوق وشجن الرحلة التي لن تنتهي برحيلك المفاجئ والقدري, بل هي مستمرة في صورة الربيع العربي الذي ما يزال في حالة صيرورة, غادرتنا عزيزي وأنت في قمة الروح وفي أقصى حالات العطاء غادرتنا قبل أن تشهد بعضا من أجمل فصول الربيع العربي الهادرة في مصر تعبيرا عن إرادة الشعب في وحدته وفي أن يكون ما يريد.
غادرتني وتركتني يا صديقي قبل أن أراك وأودعك وأسلم عليك للمرة الأخيرة, رفيقي وأخي محمود مجاهد نعمان معك وإلى جانبك وثلة من الرفاق بعضهم سبقك في المغادرة والرحيل إلى جوار ربه وأنت آخرهم حتى هذه اللحظة وبعضهم ينتظر وينظر للحياة والمستقبل بنفس ذلك الحلم والأمل الذي سطرناه معا مؤكدين لك أننا على العهد باقون على الحلم ساهرون ومن أجل مستقبل أفضل سنقدم ما تبقى من العمر.
أربعون حولا لم تكن نزوة ولا مغامرة ولا رغبة ذاتية طافحة مجردة ولا حلما طوباويا رومانسيا بقدر ماهي اختزال مكثف وعميق لإرادة شعب في الحرية والتحرر من الجحود والاستبداد والركود, حلم بالعدالة والمواطنة وسلطة القانون والكرامة الإنسانية, أربعون حولا هي أقل بعقد من الزمن من عمر الثورتين اليمنيتين سبتمبر وأكتوبر, كنا فيها معا وكنت فيها رائدنا في الكفاح والطموح وفي التطلع أكثر للجديد والحديث وللمستقبل, كنت

قد يعجبك ايضا