تزكية النفوس وضد الظلم (2- 2)
عارف درويش
عارف درويش –
وتمكن رجال التصوف الذين هم أهل الله بسلوكهم ونماذجهم القدوة من اجتذاب الأتباع والمريدين وتربيتهم تربية إسلامية صالحة تحقق فيهم الرشاد ودرجات عالية من سلم الكمال وحثهم على البذل والعطاء والتضحية وهم ينظرون لأي إنسان عاصي بأنه مسكين يعيش في غفلة فينصحونه ويدعون له بالهداية بأسلوب مرن ومقبول ولا يغلقون عليه أبواب التوبة والمغفرة ولا يلجأون إلى نهره والدعوة إلى تكفيره والدعوة إلى تنفيذ العقوبات ضده وإنما هدفهم إصلاح ألمجتمعات وليس تنفيرها من العبادات وقيادة معارك معها من الذين كان لم بصمات واضحة في تجديد التصوف ونقله إلى سلوك زهدي تعبدي يعتمد على المجاهدات والرياضات والخروج من المال والأهل والانعزال إلى مشاركة المجتمعات الإمام ابو حامد الغزالي والجنيد البغدادي عبد القادر الجيلاني والشيخ أبو الحسن الشاذلي والشيخ أحمد بن علوان وتلاميذ ابو الحسن الشاذلي من بعده ابو العباس المرسي وابن عطاء الله السكندري وعبدالله بن المبارك. وفي عصرنا الحديث ظهر رجال تصوف مجددون منهم الشيخ أحمد بن مصطفى العلاوي صاحب مستغانم الجزائرية الذي تتلمذ على يديه عدد من كبار رجال التصوف أمثال الشيخ المجاهد عمر المختار الذي قاد معركة مقاومة الاستعمار في ليبيا وقدم روحه فداء لدينه ووطنه راضيا رافع الهامة والأمير عبد القادر الجزائري الذي أبلى بلاء حسنا في مقاومة الاستعمار و الظلم والاستبداد والشيخ محمد بن عبد الكريم الخطابي قائد ثورة الريف المغربية.
من تلاميذ ومريدي الشيخ أحمد بن مصطفى العلاوي الشيخ عبدالله بن علي الحكيمي شيخ الأحرار اليمنيين المصلح والمناضل والداعية والمجاهد الذي وصف بأنه كان رجلا في أمة قاوم الظلم والاستبداد من قبل نظام الإمامة وتشرد وطورد فهاجر إلى أوروبا واستقر في بريطانيا. والشيخ الحكيمي كان شاذليا علاويا تربى على يد شيخه الشيخ أحمد بن مصطفى العلوي شيخ الطريقة الشاذلية العلاوية صاحب مستغانم الجزائرية الذي أجازه وطلب منه القيام بالدعوة ونشر الإسلام في أوروبا فاستقر في بريطانيا وفي إطار الطريقة الشاذلية العلاوية ومناراتها الدعوية التي أسسها الشيخ الحكيمي في كل من بريطانيا وأوروبا قام بجهود دعوية ودعا لتصحيح التصوف من انحرافاته ودعا رجال التصوف إلى الاندماج مع مجتمعاتهم فأسلم على يديه المئات في بريطانيا وأوروبا وأسس في كارديف ببريطانيا مسجدا وزاوية واصدر صحيفة السلام التي كانت منبرا للأحرار اليمنيين وللقضايا العربية والإسلامية فقد فضحت وعرت نظام الإمامة بعد فشل ثورة 48 م و تميز الشيخ الحكيمي بالجمع بين العمل الدعوي والتربوي والجهادي والسياسي وجدد في التصوف وفقا لتعاليم شيخه العلاوي.
وفي أطار الجمعية العلاوية التي أسسها الشيخ الحكيمي في بريطانيا استطأع الجمع بين التنظيم السياسي والديني الصوفي والحقوقي المطلبي حيث أسس لجنة للدفاع عن المغتربين اليمنيين المهاجرين في بريطانيأ وكان يمثل المسلمين والعرب في بريطانيا بمتابعة قضاياهم الحقوقية والمطلبية لدى الحكومة البريطانية وألف كتبا حول الحوار مع الآخر وأن الله واحد وحول الصوف ومفهومه ومفهوم التصوف عند الشيخ عبدالله علي الحكيمي هو أهمية قيام رجال التصوف بدورهم وواجبهم من أجل دينهم ووطنهم والتضحية في سبيل الواجب وبذل المال والنفس في سبيل الدين والوقوف مع الناس مع مجتمعاتهم ونصرة المظلومين وقول الحق والتصدي للظالمين دون خوف قياما بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باعتبار أن التصوف قول وعمل وتضحية وكفاح صادق في حب الخير ولصالح العباد والبلاد. وكان الشيخ الحكيمي من أصلب المعارضين لنظام الإمامة ووجه نقدا شديدا للظلم وأسلوب الحكم من خلال عشرات الرسائل الناقدة التي طالب فيها بالعدل والحرية والشورى ورفع الظلم والطغيان المسلط على رقاب الشعب اليمني وإصلاح الأوضاع في مختلف المجالات وظل معارضا لفساد واستبداد الحكم الإمامي حتى لقي ربه مسموما في عدن في مؤامرة مشتركة بين الإمامة والاستعمار البريطاني في عدن.