مفهوم الصيام في القضاء اليمني

عباس السيد


 - كعادته كل عام  يهل علينا شهر رمضان الكريم  شهر القرآن .. شهر التوبة والمغفرة .. الشهر الذي تفتح فيه أبواب الجنان وتصفد فيه الشياطين وتغلق أبواب النار  كما
عباس السيد –

كعادته كل عام يهل علينا شهر رمضان الكريم شهر القرآن .. شهر التوبة والمغفرة .. الشهر الذي تفتح فيه أبواب الجنان وتصفد فيه الشياطين وتغلق أبواب النار كما تغلق فيه أبواب المحاكم والنيابات وفق ما اصطلح عليه « بالإجازة القضائية « التي يأخذ القضاة مشروعيتها من القاعدة الفقهية « لا يقضي القاضي وهو جائع « وهي القاعدة التي وضعها الفقهاء قياسا على الحديث الذي يرويه عبد الرحمن أبا بكرة عن أبيه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : لا يقضي الحاكم وهو غضبان.
فهم القضاة لهذه القاعدة لم يكن في محله لأنهم اعتبروا مفردة « جائع « مرادفة لمفردة « صائم « وهم بهذا التفسير أساءوا لركن هام من أركان الإسلام وهو الصوم والذي ظهر بقصد أو بدون قصد وكأنه ركن من أركان الخطأ .
فإذا كان صيام القاضي سيجعله يصدر أحكاما خاطئة أو ظالمة فإن ذلك يستدعي النظر في فريضة الصوم ـ والعياذ بالله ـ .
وفي الوقت الذي يحرص فيه الصائمون على اجتناب المعاصي وعمل الخير والإحسان وغير ذلك من الأعمال الصالحة في هذا الشهر الكريم يحاول القضاة إظهار الصائم كشخص أحمق متهور ولا يمكن الثقة بصواب أعماله أو قراراته .
ربما كانت تلك القاعدة مناسبة للزمن الذي قيلت فيه ـ على اعتبار أن القاضي آنذاك كان يعمل بإمكانات وإجراءات محدودة ويتحمل بمفرده عناء القيام بمعظمها وذلك يتطلب منه أن يكون مهيئا لبذل ذلك الجهد ـ وهو ما لا يمكن مقارنته بوضع القضاء في الوقت الحالي ـ بالنظر إلى تطوره سواء من حيث التقنيين أو الإجراءات والآليات ـ التي تعمل جميعها على مساعدة القاضي لاتخاذ الحكم الصائب « أو الخاطئ « .
نتفق مع القضاة بأن مهنتهم على درجة كبيرة من الأهمية ويلزمها كثير من الشروط لتؤدى بشكل سليم ولكن ليس من بين هذه الشروط امتلاء بطن القاضي فالحكمة والعدل والنزاهة لا تنقص بالصوم بل يفترض أن تزيد .
كما أن إصدار الأحكام ليست مهمة القضاة وحدهم فنحن جميعا في أعمالنا ـ كأطباء ومدرسين ومهندسين وعمال و … وكذلك في حياتنا الخاصة وداخل بيوتنا ـ كأولياء أمور وربات بيوت ـ نصدر أحكاما ونتخذ قرارات تتعلق بحياتنا ومستقبل أبنائنا ومنها ما يتعلق بمصالحنا مع الآخرين وكثير منها يكون صعبا وخطيرا .
وعلى سبيل المثال : يقوم الأطباء وهم صائمون بإجراء العمليات الجراحية الدقيقة للمرضى وقد يؤدي خطاء بسيطا من الطبيب إلى وفاة المريض وبالمثل لا يمنع الصيام المهندسين من إجراء العمليات الحسابية وتحديد قياسات الأساسات والتسليح وغير ذلك من الشروط والمواصفات اللازمة لإنشاء المباني السكنية والتجارية التي يأمن فيها الناس على حياتهم .
وكذلك يقوم المدرسون بأداء مهمتهم النبيلة في التدريس ووضع الامتحانات وتصحيح الإجابات و .. .. أليست هذه الأعمال وغيرها كثير في جوهرها عبارة عن أحكام يصدرها كل في مجاله وهي ليست أقل أهمية من إصدار الأحكام القضائية وقد تفوقها أحيانا ¿ .
للقضاة الحق كغيرهم في إجازة سنوية يستريحون فيها من عناء العمل طوال العام ولكن شريطة أن لا تكون الإجازة جماعية وفي شهر محدد لأن ذلك له آثار سلبية متعددة منها ما يتعلق بتقديمهم مفهوم خاطئ يسيء للصوم كشعيرة دينية تعمل أساسا على التهذيب والارتقاء بأخلاق المسلم .. ومن جانب آخر تعمل على تعطيل مصالح المواطنين وضياع حقوقهم كما أن منح القانون أو العدل إجازة سنوية لمدة شهر يسهم بشكل أو بآخر في زيادة معدل الجريمة .
أنا على يقين أن لا فرق يذكر في إلغاء الإجازة من عدمه ـ وذلك نظرا إلى وضع القضاء المزري في الوقت الحاضر ـ وجل ما نريده هو أن يقدم لنا « فضيلة القضاة « المبررات الحقيقية لإجازتهم في رمضان حتى لا تبدو كما هي الآن وكأنها جاءت رحمة بنا ومراعاة لحقوقنا ولأنهم يخشون أن يظلموا شخصا منا وهم جائعون .. وبما يوحي أنهم يملأون البلاد والعباد عدلا وقسطا قبل رمضان !!
وللتذكير فقط : الإجازة السنوية للقضاة شهران في السنة رمضان وشهر آخر يحدده وزير العدل .

aassayed@gmail.com

قد يعجبك ايضا