الشبان في مواجهة المسنين بعد الربيع العربي
روجر أوين
روجر أوين –
روجر أوين
من أكثر المظاهر تجليا إنما أيضا الأكثر غموضا للثورة الشبابية في قلب الربيع العربي أن تكون انتهت ببقاء مقاليد السلطة بمعظمها في يد النخب الأقدم عهدا التي تعود إلى مرحلة ما قبل الثورة. ويعود الأمر جزئيا وفقا لما يكشفه الواقع اليومي إلى استمرار نفوذ المسؤولين العسكريين والأمنيين الذين يحكمون ما يسمى في أغلب الأحيان بالدولة العميقة.
ولكن الأمر مرهون أيضا إلى حد كبير بتداعيات ما عرفه أخيرا خبير الديموغرافيا الفرنسي فيليب فارغ المتخصص بالشرق الأوسط والذي وضع كتابات لمعهد »بوركينغز« في العاصمة واشنطن على أنه عملية تتضمن تغيرا ديموغرافيا طويل الأمد وبالغ الأهمية بدأت بتخفيض جذري لمعدلات الولادة العربية في معظم بلدان شمال أفريقيا والشرق الأوسط ابتداء من منتصف ثمانينات القرن العشرين ما يذكر بتوجهات كانت عرفتها أوروبا قبل عقود قليلة.
أما الأرقام فمذهلة فعلا. وقد أشار فارغ إلى أنه على امتداد الـ 25 سنة الماضية تراجعت معدلات الانجاب في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى 3.3 طفل لكل امرأة يزيد عمرها عن 15 عاما علما أن تونس ولبنان يقعان في أدنى القائمة مع ما يزيد بقليل عن طفلين والمغرب وليبيا مع 2.4 إلى 2.7 ومصر والأردن وسورية مع 3 إلى 3.5 طفل. وتماما كما في غربي أوروبا قامت الأسباب الرئيسة على مزيج من التمدن المتزايد والانتقال نحو اقتصادات الخدمات وانتشار التعليم وقد أدت كل هذه العوامل مع الوقت إلى تأخير سن الزواج ونتجت عنها رغبة في إنجاب عدد أقل من الأولاد بسبب ارتفاع التكاليف بعد أن نتج عن نهاية الطفرة النفطية في أواخر ثمانينات القرن العشرين تراجع حاد في قدرة كل دولة على توفير إعانات للمواد الغذائية وإيجارات وخدمات رعاية صحية وأهم من هذا كله تعليم مجاني.
ورافق هذا الانتقال ما أطلق عليه خبراء الديموغرافيا تسمية »تضخم فئة الشباب« وهو زيادة هائلة في فئة الشبان العرب الذين تراوح أعمارهم بين 15 و35 عاما وقد تزايد عددهم من نحو 40 مليونا في 1980 إلى أكثر من 90 مليونا اليوم. فضلا عن ذلك ووفقا لما أظهره فارغ نمت هذه الأرقام بوتيرة أسرع بكثير من الموارد وخصوصا على صعيد الحصول على تعليم جيد وعلى وظائف في ما بعد ما أدى إلى ظاهرة جديدة كليا تقوم على ازدياد معدلات البطالة في أوساط المتخرجين. ‬