وطنــي يحتـــرق

بدر بن عقيل


 - وطني لو شغلت بالخلد عنه
نازعتني إليه في الخلد نفسي
بدر بن عقيل –

وطني لو شغلت بالخلد عنه
نازعتني إليه في الخلد نفسي
أحمد شوقي
هنا في موطن غربتي وعملي بعاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة «أبو ظبي» ما أقرأه وأسمعه وأشاهده كل صباح ومساء عن وطني الغالي اليمني يؤرقني ويقض مضجعي بل ويذبحني من الوريد إلى الوريد.
من بعيد أرى بلدي يحترق ويتآكل في أكثر من بقعة وأشتم رائحة الخراب والموت..!! وأن رحى الفتنة والحرب والصراع لا يرحم ولن تستثني أحدا وأن هناك من يحاول جاهدا جره إلى هاوية العدم والقسمة على أكثر من اثنين!! وإني الآن أتذكر العظيم عبدالله البردوني وهو يردد:
فظيع جهل ما يجري
وأفظع منه أن تدري
ونحن ما بين سندان الجهل ومطرقة الدراية نتساوى في الحيرة والتخبط والتليد أمام ما حدث ويحدث في ربوع الوطن ونعجز في أحيان كثيرة للرد على من يسألنا من الأشقاء عن حال اليمن( السعيد) وكيف بات وكيف أصبح ولا عزاء لنا إلا أن نقول ما قاله معروف الرصافي:
عوائد عمت الدنيا مصائبها
وإنما أنا في تلك المصيبات
ومصيبات بلدي إنها مثل كرة الثلج كلما تدحرجت ازدادت كبرا وثقلا علما بأنها ليست كرة من ثلج أبيض وبارد لكنها كرة من لهيب وأحمرار وأشواك تزهق الأرواح وتسفك الدماء.. وبالجملة.!!
وطني يحترق للأسف وقود احتراقه أجساد أبنائه ورصاص وباروت أسلحتهم التي يفوق عددها عددهم عشرات المرات..!!
وطني يحترق لأننا نحن أهل الإيمان والحكمة غدونا أهل الغضب والبركان ووجه كل منا فوهة بندقيته إلى صدور بعضنا البعض, منا من جعل جسده حزاما ناسفا وأصابع ديناميت مؤقوتة يفجرها متى يشاء وفي أي تجمع يستهدفه وفي وضح النهار فغدا الموت والقتل في بلادي سلعة مباحة ومعروضة مثلها مثل بيع القات والطماطم..!!
وطني يحترق بعد أن أصيب بعض أخلاق القوم في مقتل قال الشاعر:
وإذا أصيب القوم في أخلاقهم
فأقم عليهم مأتما وعويلا
هذا اليمن نبع العطاء وبشائر المدد ومعدن الأخلاق وقنديل الصفات والسجايا الطيبة والكريمة هناك من يريد أن يلغي ويمحي بآلة الدمار وأسلحة الموت كل إشراقاته الجميلة ويقطع أوصال لحمته الواحدة..!!
في بلادي ارتفعت وبانت الشعارات والأهداف والنوايا والصور والوجوه وكلها تصب في الأخير بمكان واحد وغاية قبيحة تتمثل بعودة اليمن إلى قمقم التخلف والاستبداد والجهل والتشرذم.
في بلادي تكون وتنمو الفوضى في كل مكان عندما يغيب الإحساس بالمسئولية ونرمي بالقوانين عرض الحائط ويخرج كل منا شاهرا سيفه اليماني البتار قائلا أو مهددا ومتوعدا ومن قرح يقرح..!!
في بلادي كل شيء تم ويتم الاعتداء عليه من خطوط الكهرباء إلى أنابيب النفط إلى مباني المدارس والمصالح الحكومية وحتى إشارات المرور..!! فيما تنهك حرمة وأدب وسلوك الطرقات من مطبات إسمنتية إلى مطبات إنسانية معززة بالحواجز والمتاريس والبراميل والحجارة في صور بشعة جدا ويعلو صوت الغضب والغضب رغوة تثيرها نار الجهل والتعصب والتطرف والحزبية الضيقة..
نحن معنيون بدرجة أولى للعودة إلى أخلاقنا الفاضلة وسجايانا الكريمة ألم يقل فينا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم :»أرق أفئدة ألين قلوبا» والأخلاق والأدب كنز لا يفنى أبدا والأخلاق عماد وركيزة بقاء الأمم قال شوقي:
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا
ونحن أصحاب الأفئدة الرقيقة والقلوب اللينة بحاجة ماسة اليوم وأكثر من أي وقت مضى أن نعيد لقلوبنا صفاؤها والتحامها ذلك أن القلوب إذا اتصلت لا تقوى على فصلها قوة مهما فتكت أو بطشت..
ثم أننا نحن اليمنيين الذين تشرفوا بأن يكونوا أول من جاء بالمصافحة في الإسلام معنيون أيضا بأن نمد أيدينا لبعضنا البعض ونسمو فوق كل الجراح والآهات ففي تعاضدنا وتآلفنا وتراحمنا قوة تصنع المعجزات والانتصارات مثلما حققنا بها تماما الثورة والجمهورية والوحدة.
رجاء اطفئوا النيران المشتعلة في الأرض وفي النفوس وعودوا كما كنتم محبين متوحدين وقد أبهرتم الدنيا في مراحل وحقب مختلفة من التاريخ.. رجاء عودوا كما كنتم.

قد يعجبك ايضا