رمضاء الوقود ونار الغاز 

جميل مفرح



جميل مفرح

جميل مفرح
 
أكثر ما نخشى ويجعلنا نخشى ويقودنا إلى قلق مفعم بالريبة أن يكون ما يبدو لنا حقيقيا خصوصا مع تراجع مستوى ما يمكن أن يكون لبسا هو أننا كيمنيين أصبحنا طرائد سهلة وفرائس مؤكدة للأزمات من أي نوع كانت أو أننا قد وقعنا سواء بإرادتنا وهو الأرجح أو بسواها تحت وطأة شديدة يستحكم بموجهاتها ومحدداتها إدمان من نوع خاص ذلك هو إدمان الأزمات وهو إدمان في حقيقة أمره وواقعه ومدى أثره على مختلف المستويات لا يقل شدة وخطورة عما تشهده الكثير من المجتمعات من ظواهر وقضايا متعلقة بالإدمان على سلوكيات ومستحضرات ومكيفات وعادات سيئة لها أثرها السيء على البشرية والحياة.
 
والمدقق في الأمر المتعلق بإدماننا المتفرد في نوعه سيجد أنها قضية غير جديدة وليست طارئة أو متعلقة حصريا بالراهن المعاش حاليا في بلادنا بل يعود تشكلها إلى توقيت سابق يندرج بين حاصرتي العشر السنوات الأخيرة وكلنا يعلم علم اليقين مواعيد ومؤشرات وأسباب تلك الأزمات المنطقية في جزء يسير من نسبتها واللا منطقية نهائيا في معظم أحوالها وكيفياتها والملفت للانتباه والاهتمام في كلا الحالتين ومع أية أسباب وعوامل أننا نبدو وكأننا نستلذ بمعايشة تلك أو هذه الأزمات إلى حد أكثر ما يبعث على الاستغراب منه حيويتنا في التعامل مع هذه الحالات ومساهمتنا الفعلية الفاعلة في تكريسها وتأجيجها وتسخير عواملها ووسائلها من خلال المبادرة المتسرعة في التعامل والتكيف معها على أنها واقع مسلم به حتى وإن لم تلامس الواقع بعد فإننا نتعامل معها على اعتبار ما سيكون لتكون مستخدمين كل الوسائل المساعدة على كينونتها وغاضين التدبر والتفكير وحتى التساؤل عن المواجهة أو حتى محاولة المواجهة بانهزامية مطلقة هي أول ما يبرز في قائمة أسباب وعوامل نشوء أزماتنا واستفحالها.
 
ومع قدوم شهر رمضان المبارك من كل عام تستحكم بنا الأزمات وبأنواع مختلفة منها المتوقع ومنها ما لم يكن في الحسبان معتمدة على سلبيتنا في التعامل معها وتصعيدها وبالتالي تصعيد وتفعيل آثارها العائدة بالطبع على المجتمع عموما دون استثناء أو تفضيل وإن بشكل متفاوت أقسى مداه يصيب الغالبية العظمى من أبناء الشعب الذين ينضوون تحت تسمية أو وصف محدودي الدخل.. وهنا تنشأ الكثير من المشكلات الاجتماعية على رأسها اتساع دائرة العوز وسوء المعيشة والتنافر والتحاسد والتحامل الاجتماعي واتساع الهوات بين الطبقات..و.. و.. وغيرها الكثير من المشكلات التي تنبع من أثر هذا الإدمان الخطير شأنه شأن قضايا وظواهر الإدمان الأخرى التي تتفشى وتتسع دوائرها بشكل مخيف في المجتمعات الموبوءة والتي تستنهض خطورتها الهمم والأنظمة والمنظمات والمجتمعات العالمية لمعالجتها والحد من أثرها وهو بدوره ما يؤكد على أننا وفي حالتنا الإدمانية المشار إليها على ضرورة استيقاظنا ومحاربة هذه الآفة ووضع حدود لتفشيها وآثارها والوسائل والسبل بالطبع غير منعدمة بل هي كثيرة وكثيرة جدا.
 
رمضان هذا العام بالطبع لن يسلم من الأزمات أو محاولات التأزيم من قبل الكثيرين ممن تدفعهم مصالح شتى ليس أولها المكايدات السياسية ولا آخرها التكسب المادي وكد الأرباح من جلود وفاقة أصحاب المستويات المعيشية الصعبة الذين عركتهم الأزمات وتكاد تقضي على ما تبقى في عزائمهم من قدرة على التحمل والصبر وتجاوز الأحوال والحالات.. والذي يستجلب التوقعات كواحدة من أبرز المشكلات الدائمة والمنتظرة عدم توفر مادة الغاز المنزلي التي لا تغيب كمشكلة عن رمضاناتنا أعادها الله علينا بالخير والبركة “أعني الرمضانات وليس الأزمة باعد الله بيننا وبينها ما شاءت القدرة” فالملاحظ في الفترة الأخيرة ومع انعدام مادتي البنزين والديزل المستخدمتين للمحركات والسيارات والمولدات الكهربائية وغيرها أن مادة الغاز بدأت تحل محل هاتين المادتين بعد انفراج أزمتها – أي مادة الغاز- التي استحكمت فينا وعركتنا فترة زمنية انهكت القوى وأعدمت الحيلة وأرجعتنا إلى عصور الإيقاد والطبخ بعيدان الحطب والكراتين والمخلفات والاستضاءة بـ”النوارة” و”القازة” وغيرهما من الوسائل البدائية.
 
نعم عادت مادة الغاز بعد تجربة مرة من العناء وانعدام الحيلة ولكن هاهي هذه المادة تعود إلى ارتفاع أسعارها ووشيكة على التراجع في التوفر وسد الحاجة الطبيعية بسبب ارتفاع منسوب الإقبال عليها وذلك راجع للجوء أصحاب السيارات والمحركات والمولدات إليها كوسيلة طاقة بديلة للبنزين والديزل حتى يأذن الله بانفراج أزمتهما المفتعلة والتي تشارك بشكل قوي في افتعالها وتجسدها.
 
المثير للدهشة أن المواطن اليمني لا تنعدم لديه الحيلة حين يلم به أمر ما ولكنها الحيلة السلبية الانهزامية التي لم تكن ولن تكون في يوم ما حلا أو سببا في إنهاء الأزمات والمشكلات.

قد يعجبك ايضا