غياب شبه تام لخدمات الصحة الإنجابية في الريف اليمني!


استطلاع/عبده حسين الأكوع –
الاحتفال باليوم العالمي للسكان هذا العام تحت شعار «إتاحة خدمات الصحة الإنجابية» جاء ليضع النقاط على الحروف جراء غياب خدمات الصحة الإنجابية شبه التام عن المناطق الريفية وغياب منظومتها في بعض المراكز وسيادة العادات السيئة تجاه عمل القابلات غير المتزوجات وإحلال المولدات الشعبيان بدلاٍ عنهن..
فإذا كانت خدمات الرعاية الصحية الأولية متاحة في الحضر فإنها تكاد تكون منعدمة أو شبه منعدمة في الريف – وإن وجدت فهي عيادات خاصة تقدم خدماتها بمقابل ويعيش السكان في مناطق بعيدة أو متناثرة عن مركز المديرية أو العزلة وإذا كان فيها مركز صحي فهو إما مغلق تماماٍ «كما هو الحال في مرهبة مديرية ذيبين محافظة عمران» أو يعمل لكنه يعاني من توفر أدنى مقومات المعالجة كالإسعافات الأولية فما بالنا بخدمات الصحة الإنجابية وتخضع النفقات التشغيلية في عدد من المراكز الصحية في الجمهورية خصوصاٍ المناطق النائية «لعملية قيصرية» يتم على ضوئها تقاسم الأحشاء بين «الشلة» وصحة المواطن «في ستين داهية» ولا حياة لمن تنادي.
وتؤكد إحدى القابلات التي تعمل في المركز الصحي القريب من منزلها في إحدى القرى النائية – فضلت عدم ذكر اسمها الغياب التام لمنظومة الصحة الإنجابية في مركزها الصحي جراء إهمال مدير المستشفى ومدير الصحة في المديرية.. فحتى لقاحات الأطفال لا تتوفر إلا أحياناٍ وفي فترات متقطعة ناهيك عن عدم توفر وسائل تنظيم الأسرة والمباعدة بين الولادات وعدم توفر رعاية صحية للحوامل خلال فترة الحمل وغياب الإشراف الطبي أثناء وبعد الولادة وندرة وسائل التعامل مع المضاعفات التي قد تحدث أثناء الولادة للأم أو للوليد ناهيك عن الحالات الطارئة التي تتطلب إسعافها إلى مكان بعيد وهو ما لاتقدر عليه بعض الأسر ما يؤدي إلى وفاتها..
قصة نجاح
حمدة إحدى القابلات في محافظة عمران إلا أنه لم يسمح لها بتوليد النساء بعد التخرج لأنها غير متزوجة ففي القرى والمناطق الريفية من محافظة عمران جرت العادة بأن لا يسمح للقابلات غير المتزوجات بمساعدة النساء الحوامل أثناء الولادة بحسب العادات لاعتقادهم بأن هذا مصدر شؤم وأن الولادة سوف تتعسر ولن تتم بوجود فتاة غير متزوجة مع الحامل أثناء الولادة ولهذا كانت تستعين الحوامل بالمولدات الشعبيات وهن نساء متزوجات كبيرات في السن غير مدربات. وفي أحد الأيام تزوجت أحد زميلاتها في القرية وحملت وكانت حمدة تقدم الرعاية الصحية والنصائح حول التغذية خلال فترة الحمل لزميلتها وعند الولادة طلبت الحامل من أسرتها استدعاء زميلتها وهي قابلة غير متزوجة فرفضت أسرتها استدعاء قابلة غير متزوجة بحجة أن هذا مصدر شؤم وأن الولادة سوف تتعسر وتم إحضار مولدة شعبية متزوجة غير مدربة إلا أن الحامل أصرت على استدعاء زميلتها القابلة لأنها مؤهلة في الولادة الطبيعية وتثق بها وأن معتقداتهن ليس لها أساس وشرحت بأن ممارسات المولدة الشعبية غير المدربة هي التي تعرض الحوامل للمضاعفات لأنها تستخدم أدوات غير معقمة وبعد إصرار الحامل تم استدعاء القابلة وقامت بعملية الولادة للحامل وكانت الولادة طبيعية والأم والمولود بحالة صحية جيدة وكما هي العادة جاءت نساء القرية لزيارة الوالدة فلاحظن بأن الأم بصحة جيدة ولم تتعسر ولادتها كما أنها لم تصاب بالحرارة بعد الولادة واستغربن لذلك فشرحت لهن القابلة بأنها استخدمت أدوات معقمة حتى لا تصاب الأم والمولود بالحرارة نتيجة للعدوى واستغلت وجود عدد كبير من النساء وعملت لهن محاضرة حول أهمية التعقيم لأدوات التوليد والتغذية الصحية للأم والمولود والرضاعة الطبيعية والخاصة خلال 6 أشهر بعد الولادة كما شرحت الأسباب التي تؤدي إلى تعسر الولادة مثل الزواج المبكر للفتيات الصغيرات قبل اكتمال نمو الأعضاء التناسلية وقصر القامة وأن معتقداتهن حول القابلة غير المتزوجة خاطئة وإنها مجرد عادات سيئة في المجتمع يجب أن تتغير وبعد استماعهن إلى محاضرة القابلة شهدن بأعينهن أن الولادة لم تتعسر ولم تصاب بحرارة وصحتها جيدة وقررن استدعاء القابلة للقيام بتوليد النساء وأصبحت القابلة حمدة وما عملته حديث القرية وتغيرت العادات السيئة في القرية ومنذ ذلك اليوم أصبحت القابلة حمدة تقوم بتوليد نساء القرية ونتيجة لسمعتها الجيدة تم اختيارها من قبل جمعية القابلات اليمنيات ضمن مجموعة أخرى من القابلات غير الموظفات لمشروع عمل خاص وفتحت عيادة منزلية بدعم من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية عبر مشروع تحسين معيشة المجتمع وهكذا نجحت حمدة وزميلتها بتغيير سلوك المجتمع في قريتهن.
نظام لضبط الجودة
لاتزال التغطية الجغرافية للخدمات الأساسية متدنية مع تحيز واضح لصالح الحضر وغياب نظام فعال لضبط الجودة وقصور في تدريب الكادر الصحي والطبي وسوء توزيعه.. حد تأكيد الدكتور ياسر ناصر الزراعي الذي يعمل في مستشفى ريفي..
ويضيف: في المركز الصحي الذي أعمل فيه يدفع المواطن من جيبه معظم صرفيات الرعاية الصحية وعلى الرغم من التقدم في خدمات الصحة الإنجابية خلال العقود الماضية إلا أن المؤشرات المتوفرة عن الصحة الإنجابية تشير إلى أن هناك حاجة لجهد أكثر تركيزاٍ لتوسيع وديمومة الخدمات في اليمن خصوصاٍ للسكان الفقراء والمحرومين من الخدمات..
مشدداٍ على أن الحمل المبكر الناتج عن الزواج المبكر يشكل أكبر خطر على الصحة الإنجابية للشباب في غياب برامج الفحص الدوري الشامل والتسجيل للحالات حيث أن نسبة حدوث سرطان الثدي وعنق الرحم وأمراض الصحة الإنجابية الأخرى تظل غير معروفة.
مجالات الصحة الإنجابية
وترى الدكتورة جميلة أبو أصبع – مديرة المؤسسة التنموية للمرأة والطفل أن الرعاية أثناء الحمل والولادة وما بعد الولادة من أهم مجالات الصحة الإنجابية.. حيث الملاحظ أن نسبة وفيات الأمهات مرتفعة في اليمن وتقدر بحوالي (365) حالة وفاة لكل مائة ألف من السكان وهذه النسبة مرتفعة جدا رغم أن وفاة الأمهات قد يكون لأسباب أخرى كالسرطانات وغيرها لكن الأغلب يحدث خلال الولادة والحمل فما زال عندنا في العاصمة يمتن النساء بسبب انفجار الرحم مع أنه في العالم كله لم تعد له نسبة تذكر.
وتضيف :التشجيع على الرضاعة الطبيعية والتغذية السليمة والعناية بالمولود وتوفير خدمات تنظيم الأسرة مع المشورة والاتصال تعد من الأمور المهمة التي من شأنها تقليص نسبة الوفيات.. فالمشورة الطبية والتوعية بأهميتها تلعب دوراٍ في ضمان سلامة الأم.. فأحيانا نعطي للمريضة علاجاٍ معيناٍ لكن إذا لم نحاول إفهامها وشرح الأمور لها فإنها ستقول لك إن هذا العلاج يسبب سرطاناٍ أو عقماٍ أو نزيفاٍ أو غير ذلك – بحسب ما سمعت – فتمتنع عن تعاطيه فلذلك من المهم أن نعمل لها مشورة واتصال ونحاورها ونعطيها فرصة لتجرب وترجع إلينا مرة أخرى.. كذلك الأمر يستدعي التوعية بالوقاية والعلاج من أمراض المسالك التناسلية التي تنتقل عن طريق الجنس مثل الايدز والسيلان والزهري وأمراض كثيرة بحاجة إلى التوعية بها.
مؤكدة أن هناك طموحاٍ الآن لدى اليمن بأن تكون لكل أم خمسة أطفال وبالنسبة للمتعلمات أربعة إلى ثلاثة. وبحسب بعض الإحصائيات فإن 36.5 % من الأسر اليمنية بدأت تستخدم وسائل تنظيم الأسرة.. أيضاٍ مشكلة الانفجار السكاني جذرية ولا يمكن تطوير الصحة ولا تطوير التعليم وجوانب الحياة الأخرى بغير تنظيم الأسرة.. وهذا لن يحدث ما لم تبذل جهود عظيمة من قبل الجميع – أجهزة حكومية ومنظمات دولية ومؤسسات المجتمع المدني ووسائل الإعلام التي بإمكانها لعب دور كبير جداٍ في نشر الوعي الثقافي والصحي ودعم البرامج التي تستهدف تنظيم الأسرة.

قد يعجبك ايضا