تحقيق/ محمد العزيزي –
اللامبالاة وكسب المال والاستهانة بحياة الناس .. ثالوث مفجع أصاب ضمائر بعض فئات المجتمعº وغياب الرقابة للجهات الحكومية المعنية .. تخيلوا أن المواطن يدفع فلوس من أجل يموت º هذا هو الموت المدفوع ثمنه سلفا º مجموعة من هواة الربح على صحة الأبرياء فهم يقتلون الناس دون معرفة الجاني.. هؤلاء لم يدعون شيئاٍ في حياتنا نقتاته إلا وقاموا بتسميمه º فما نقص من سموم الدواء وأعلاف الدواجن º فإنك تجد هذه السموم في الخضروات والفواكه والمعلبات والحلويات والحمضيات وفي كل شيء .. السموم تحاصر اليمنيين من كل مكان وفي كل الاتجاهات فلا مفر ورغم أنف كل من يعيش في اليمن .. فهذه السموم التي تهرب وتدخل البلاد وتباع للمزارعين لتحصد أرواح المواطنين بلغت أخطارها مستوى البيعة ( الكراث) والبصل والثوم والكوسة والكوبش والخيار والكزبرة والنعناع º كل شيء أصبح ساماٍ حتى الحيوانات أصبحت مسمومة ومختلة في توازنها من شدة السموم .. مسكين المواطن اليمني قد خلخلت السموم جسمه .. في هذا التحقيق حاول جمع اكبر قدر من المعلومات وسنسلط الضوء فيه على خطورة السموم في الخضروات باعتبارها أكثر المأكولات التي لا تفارق الموائد والأطعمة اليمنية نتابع معا التفاصيل في السطور التالية:
ü فيروس الكبد البائي والدسنتاريا والكوليرا والتيفود والديدان والتهاب الدم والمعدة º وجميع الأمراض والجراثيم والأزرقاق كل ذلك وغيرها فهي هدايا مدفوعة الثمن للمواطن اليمني من قبل المؤسسة العامة للصرف الصحي ووزارة الزراعة والري والصحة º فضلا عن تلوث التربة .. هذه الحقائق التي تثير القلق كشفتها دراسة علمية أعدها فريق دولي لقياس الأثر البيئي لمياه الصرف الصحي في محطات المعالجة في كل من صنعاء وإب وذمار .. بالإضافة إلى تحذيرات أطلقها مختصون في شؤون البيئة والصحة ºº وعليه وبما أن ممارسات استخدام مياه الصرف الصحي قد أصبحت شائعة في المناطق المحيطة بمحطات المعالجة في كثير من المدن اليمنية الكبيرة مثل صنعاء وتعز وذمار وعمران وغيرها º فقد أصبح لزاما الوقوف أمام تلك الظاهرة ورصد آثارها البيئية المختلفة بهدف إعطاء مؤشرات عن الوضع القائم وإلى أين يتجه وتوضيح الصورة لكل المعنيين في الجهات ذات العلاقة للوقوف أمامها ووضع الحلول المناسبة لها قبل أن تستفحل المشكلة وتصل إلى حد الكارثة البيئية .
مستويات سامة للنبات
من المؤكد أن مياه الصرف الصحي تحتوي على العديد من العناصر الدقيقة والثقيلة والتي قد تصل إلى مستويات سامة للنبات والبيئة º إذ أن وجود تلك العناصر بتركيز عالية في محاصيل تستهلكها الحيوانات والبشر قد تؤدي إلى أضرار بالغة مع مرور الأيام .
كما أن تلك المياه تحتوي على كائنات دقيقة ضارة بصحة الإنسان والحيوان وخصوصا إذا كان نمط المعالجة المتبع لا يرقى إلى المستوى الثالث من أنماط المعالجة ” المستوى المتقدم ” حسب الدراسة العلمية أو لا يتم إضافة المواد المطهرة المعروفة مثل الكلور .
ومن هنا فإن استخدام المياه العادمة وغير المعالجة بشكل فعال وبدون ضوابط متحكم فيها لري المحاصيل الزراعية سيؤثر أولاٍ على المزارعين الذين يتعاملون مع تلك المياه وثانيا على المستهلكين للمحاصيل التي تروى بتلك المياه وثالثا ستؤدي إلى تلوث وتدهور التربة التي تضاف إليها المياه º ومن اجل ذلك يجب قبل الشروع في استخدام تلك المياه إخضاعها لأساليب معالجة تضمن تقلص كل تلك المخاطر إلى حدودها الدنيا .
لا توجد ضوابط
هكذا بدأت الدراسة تقريرها الذي رفعته إلى الجهات المعنية لتؤكد لهم حجم الكارثة ومخاطرها º ولتوضيح ذلك أكثر للقارئ فقد أجرى فريق عمل متخصص دراسة علمية أكدوا فيها أن غالبية مستخدمي مياه الصرف الصحي تدفعهم الضرورة لاستخدام تلك المياه نتيجة لأسباب عديدة أهمها عدم وجود بدائل أخرى متاحة ومجانية هذه المصادر وانخفاض تكلفته بالإضافة إلى شحه مصادر المياه الجوفية .
وقالت انه تبين من خلال الدراسة عدم وجود أية موانع أو قيود سواء اجتماعية أو غيرها للحد من تعامل فئة أو شريحة معينة من المجتمع الزراعي مع تلك المياه بل إن الأمر يكاد يكون غير محصور على الفئات والمجاميع المختلفة º كما لا توجد أي ضوابط لتحديد نوعية المحاصيل التي تروى من هذه المياه بل إن الأمر مفتوح ومتروك لاجتهاد المزارع نفسه .
وأوضحت الدراسة أن مزارعي وادي ميتم في محافظة إب وبني الحارث في أمانة العاصمة ( صنعاء ) يزرعون مختلف أنواع الخضار التي تروى من هذه المياه وبالتالي تستدعي الضرورة وضع ضوابط وقيود صارمة على نوعية المحاصيل التي يمكن ريها بهذه المياه وعدم ترك القضية بهذا الشكل حتى حدوث الكارثة خاصة وأن الدراسة لاحظت أن العمالة التي تقوم بالزراعة هي الأسرة ذاتها تقوم بتنفيذ كل الأعمال الزراعية ومن ضمنها عملية الري وتؤكد الدراسة أن مستوى الوعي الاجتماعي حول خطورة التعامل مع تلك المياه بشكل مباشر دون استخدام وسائل وقائية يكاد يكون مفقودا في كل المناطق تقريبا .. حيث لوحظ ( حسب الدراسة) في منطقة ميتم أن غالبية المزارعين لا يلقون بالا للآثار الصحية المترتبة على التعامل غير الحذر مع تلك المياه نتيجة عدم اتخاذ التدابير الوقائية اللازمة كلبس الأحذية والكفوف الواقية عند الري .
ننصح الحكومة
وتأسف الدراسة لذلك الوضع الذي وصل إليه المزارعون ويجري التعامل معه أمام أعين المختصين على هذه المحطات º خاصة عندما يصل بهم الأمر إلى أن يغسلوا بعض الخضار بتلك المياه ويأكلونها غضة º وهو ما يرفع من مستوى خطورة التعرض للإصابة بمختلف الأمراض ومنه فيروس الكبد البائي .
ونتيجة لذلك الوضع الخطير تنصح الدراسة الحكومة اليمنية تنفيذ حملة توعية تستهدف تلك المجاميع من المزارعين وبشكل مباشر حول المخاطر المحتملة لعدم اتباع وسائل السلامة في التعامل مع تلك المياه .
لم يقتصر ذلك على هذا الحال بل وبحسب الدراسة فإن أغلبية مزارعي وادي ميتم محافظة إب يمثلون (70%) أفادوا أن حيواناتهم لا تعاني من أية أضرار بينما القلة (30%) يشكون من وجود بعض الظواهر المرضية لحيواناتهم مثل ( بثور الفم º الانتفاخات º ) وموت بعض الحيوانات ولكن ليس بشكل كبير ..أما في وادي المواهب بذمار فإن قطعان الضأن ترعى بجوار مجرى الوادي وتشرب من تلك المياه ولذلك تؤكد الدراسة أن الظاهرة قد أخذت بعدا آخر حيث شكا (83,3%)من المزارعين من انتشار أمراض بين قطعان الحيوانات تمثل ذلك بشكل رئيسي في وجود ظاهرة الصرع ( الدوار وفقدان التوازن ) وكذا الاسهالات والديدان المعوية وتكلس الكبد º بالإضافة إلى ذلك أفاد (25%) منهم بتغير طعم ومذاق الحليب والسمن .
أعلى مستوى
أما جانب التلوث البيئي فقد أكدت الدراسة أن الفحوصات المخبرية أظهرت أن المواد العضوية للتربة في منطقة ميتم وبني الحارث مرتفعة جدا وهذا دليل واضح على أن مياه الصرف الصحي تحتوي على نسبة عالية من المادة العضوية مما أدى إلى ارتفاع مستواها في التربة المروية من تلك المياه والذي يعطي للتربة لونا غير طبيعي نتيجة ارتفاع الرقم الهيدروجيني .. وأشارت الدراسة إلى أن هناك تلوثا جرثوميا طفيفا في كل الآبار المدروسة في تلك المناطق بالإضافة إلى وجود مستويات عالية من النترات في مياه الشرب يمكن أن تسبب مرض الازرقاق على لون البشرة ( الميثيموجلوبينميا ) والذي يظهر بشكل خاص على الأطفال الرضع دون سن الستة أشهر وينتج ذلك بسبب ضعف العصارة المعوية لدى الأطفال والإصابة الشديدة بمرض الازرقاق الذي يمكن أن يؤدي إلى خلل في الدماغ أو الوفاة ..
تغير في الطعم والرائحة
يقول عبد الله قائد مقبل من بائعي الخضروات في سوق على محسن (مذبح) كثير من المزارعين في بني الحارث ومناطق أخرى من عمران يرون مزروعاتهم من مياه المجاري والسبب شحة المياه الجوفية .. ويؤكد حول تلوث الخضار بالقول : دائما الخضروات التي تزرع وتروى بمياه الصرف الصحي تكون مصابة بالمرض (الرقش ) أو تكون بها مساحات بيضاء وإذا تعرضت للحرارة تخرج منها رائحة كريهة ومنها البيعة والبصل والكوبش وغيرها من الخضروات .. ويواصل بالقول : المزارع يغسل الخضروات بمياه هذه المجاري والبعض يغسلها بمياه جوفية ولكنها في الحقيقة ملوثة والمستهلك يشتري ويأكل والمخارج كريم . مضيفا بأن الخضروات التي تروى بالمياه الجوفية تختلف تماما عن تلك من حيث الشكل والجودة ويمكن الاحتفاظ بها لفترة أطول ونظيفة ولها رائحة حقيقية للخضار ولا تنتج رائحة كريهة إذا تأخر بيعها
رائحة كريهة
أما حسن الوصابي بائع خضروات أجاب عن الإقبال ومعرفته بتلوث الخضروات حيث أنكر في بداية الأمر º لكنه رد قائلا : الناس لا يستغنون عن الخضار كونها من أهم المواد الأساسية في المائدة اليمنية فالإقبال كبير على الخضروات يوميا ولكن المواطن لا يعلم هل هذا النوع مروي بمياه الصرف الصحي أو بالجوفية . مؤكداٍ ما قاله الأخ مقبل بائع الجملة في سوق علي محسن بأن بعض أنواع الخضروات وبالذات تلك المروية بالصرف الصحي إذا ما تأخر بيعها لليوم التالي أو تعرضت للحرارة فإنها تنتج رائحة كريهة قريبة من روائح المجاري º وتكون مصابة بمرض نتيجة تواجد الحشرات في الأرض الزراعية .
أهم الأسباب
الدكتور ياسر أمين أخصائي مختبرات بالمستشفي الجمهوري بصنعاء سألناه عن الأمراض التي سردتها الدراسة فأجاب بالقول : يوجد انتشار كبير في وسط اليمنيين لفيروس الكبد البائي وهذا يتطلب جهوداٍ كبيرة لوزارة الصحة في مكافحته ومعرفة أسباب انتشاره بشكل مخيف º وقال : أي مريض يأتي إلينا ويجرى له فحص مخبري أيضا لا يخلو من الدسنتاريا والديدان الطفيلية بكل أشكالها وأنواعها وجميع الجراثيم المعوية .
وعن السبب في اعتقاده قال الدكتور أمين : أعتقد أن هذا يعود إلى عدم اهتمام المواطن اليمني بالنظافة وغسل اليدين والمأكولات كالخضروات التي هي أحد المكونات الأساسية للسفرة أو المائدة اليمنية بالإضافة إلى السموم والمبيدات المتنوعة التي ترش على المحاصيل الزراعية .
وأضاف مجيبا على سؤالنا حول زراعة الخضروات وريها بمياه المجاري : أعتقد أن هذه الخضروات أحد أهم الأسباب التي تكون وراء انتشار الأمراض المعوية الجرثومية والبكتيرية والديدان بأنواعها ولطبيعة وأسلوب الزراعة والري العشوائية لهذه المحاصيل .
مدمرة للحياة البشرية
أما الأستاذ الدكتور عبد الرحمن ثابت أستاذ السميات بكلية الزراعة وبمجرد أن طرحنا له هذا الموضوع رد بالأسف والحسرة لما يعانيه المواطن اليمني من استخفاف واستهانة بعيشه من قبل الدولة والمزارع والتجار فالكل يسعى للقضاء عليه بالسموم أو بالأمراض الخطيرة التي تقضي على حياته أجل أو عاجلاٍ .. وقال لم تعد مياه الصرف الصحي ومخاطرها الوحيدة التي تهدد حياة الإنسان بل ما يدخل إلى اليمن من مبيدات وسموم محرمة دوليا هي الكارثة الحقيقية في الغالب وعدم التشديد والرقابة على تجارة هذا النوع من الأصناف الخطيرة والمدمرة للحياة البشرية والحيوانية والزراعية والبيئة .
وقال : القضية التي طرحت خطيرة جدا ولابد من الالتفات إليها من الجهات المعنية نتيجة لخطورتها وارتباطها بالقوت والعيش للناس وعلى وزارة الصحة والزراعة والمياه والبيئة تحمل مسؤوليتها لأن المستهلك لا يعرف من أين تأتي له بهذه الخضروات ومدى سلامتها وجودتها متكلا على هذه الجهات التي يفترض أن تقوم بدورها كما يجب . واقل ما يمكن أن تفعله أن توعي وترشد الناس إلى أن هذه الخضروات يتم زراعتها بالقرب من مياه المجاري وتروى منها .