فوضى الاصدارات..وأخطارها على المهنة..!

 - كنا في ما مضى والى ما قبل انطلاق ثورة الشباب السلمية نشكو من كثرة وتعدد الإصدارات الصحفية التي أفرزت واقعا صحفيا هشا◌ٍ, وركيكا تشوبه الكثير من العلل والظواهر السلبية التي يأتي الدخلاء على المهنة في صدارتها .. والحقيقة أن
منصور الصمدي –
كنا في ما مضى والى ما قبل انطلاق ثورة الشباب السلمية نشكو من كثرة وتعدد الإصدارات الصحفية التي أفرزت واقعا صحفيا هشا◌ٍ, وركيكا تشوبه الكثير من العلل والظواهر السلبية التي يأتي الدخلاء على المهنة في صدارتها .. والحقيقة أن أصابع اللوم, والاتهام كانت غالبا ما توجه لوزارة الإعلام والقائمين عليها, وكذا نقابة الصحفيين وقيادتها, كون الوزارة هي المعنية بمنح تراخيص تلك الإصدارات, إلى جانب تطبيق القانون, فيما النقابة معنية بضبط وتنظيم المهنة وحمايتها من كل ما يمكن أن يشوهها أو يسيء إليها .
وللأسف أن الحال ظل على ما هو عليه واستمرت ظاهرة الإصدارات الصحفية الصفراء تتزايد وتتسع عاما◌ٍ بعد عام, حتى جاءت الثورة الشبابية الشعبية التي ورغم الكم الكبير الذي أفرزته من الظواهر الإيجابية داخل ساحات الاعتصام خصوصا في الجانب الثقافي والمعرفي والارتقاء بمستوى الوعي السياسي, والاجتماعي, والفكري لدى الشباب والثوار بمختلف فئاتهم ومكوناتهم وانتماءاتهم, وايديولوجياتهم – إلا أنها في المقابل وللأسف أعادت إنتاج تلك الظاهرة المتمثلة في تزايد الإصدارات الصحفية, ولكن هذه المرة بشكل أشد خطورة◌ٍ, ووطأة◌ٍ عما كان عليه في السابق, تضاعفت على إثره أعداد الدخلاء على المهنة بشكل مخيف.
فقد استغل مناخ الحرية المفتوح الذي جاء رديفا للمسار الثوري من قبل أعداد ليست قليلة من أولئك الهواة, والطامحين, والمتسلقين, والمتسلبطين في مختلف ساحات الثورة, مع احترامي للكثير من الزملاء الصحفيين المحترفين – بشكل مغلوط, وغير مدروس, فبادروا جميعهم إلى إصدار ما يطلقون عليها صحفا◌ٍ, مع أن حقيقة الغالبية منها لا ترقى إلى مستوى المنشورات, وعلى إثر ذلك أغرقت الساحات بأعداد هائلة من تلك المنشورات المتباينة في تسمياتها وأشكالها وألوانها وتوجهاتها واهتماماتها أيضا – مضامين الغالبية منها تصيب القارئ بالغثيان كونها لا ترقى حتى إلى مستوى “المجابرة” التي يتداولها الناس في مقايلهم.
وطبعا لم يتوقف الأمر عند هذا الحد من العبث بل تعداه إلى ما هو أبعد وأخطر من ذلك بكثير, فأولئك الهواة القائمون على تلك المنشورات لم يقتصروا المسألة على أنفسهم فقط بل سعوا بدورهم إلى استقطاب كتاب حسب ادعائهم – كلا على شاكلته, وبذلك أصبح أقارب رئيس التحرير ذاك وأصحابه, وأصحاب أصحابه – من المزارعين, ورعاة الأغنام, وأصحاب البقالات وسائقو الباصات وغيرهم – كتابا◌ٍ ومنظرين وصحفيين بارزين, وليس بعيدا أننا سنجد الكثير منهم خلال الفترة القادمة يزاحمون بملفاتهم داخل نقابة الصحفيين مطالبين بالعضوية – هذا إلى جانب أن عملية توزيع تلك المنشورات لم تعد مقصورة على الساحات كما كان عليه الحال في السابق, بل إنها تعدت ذلك في الفترة الأخيرة لتصل إلى العديد من الأكشاك والمكتبات في مختلف المحافظات.
عموما وبعيدا عن التفسيرات والتأويلات والحسابات السياسية والثورية وغيرها, وانطلاقا من المسئولية الصحفية والمهنية والأخلاقية الملقاة على كاهل كل صحفي غيور حريص على مهنته ومستقبلها أقول: علينا أن لا ننسى أن مهنة الصحافة هي رسالة سامية وراقية ومقدسة, لها مبادئ وثوابت وأخلاقيات ومواثيق تنظمها وتهذبها, وقبل كل ذلك هي موهبة, وحس, وثقافة, وقدرة على الإبداع تتطلب قدرا◌ٍ كبيرا◌ٍ من المهنية والحصافة والعمق وبعد نظر وليست كما يتصورها البعض – عبارة عن تعليب وتلفيق وشخبطة – الأمر حقيقة جد خطير يتهدد المستقبل المهني لصاحبة الجلالة .. لذلك مطلوب من وزارة الإعلام, ونقابة الصحفيين, وكل الجهات والمنظمات المعنية والمهتمة بالشأن الصحفي والإعلامي – المسارعة باتخاذ إجراءات جادة وجريئة وحاسمة ولن نغالي ونقول تضع حدأ◌ٍ لتلك الفوضى نهائيا, بل على الأقل تنظمها وتحصر عملية توزيعها ونشرها على الساحات, حتى تعيد للمهنة شيئا◌ٍ من الهيبة والمكانة والسمعة الطيبة التي فقدتها.
alsamdy@gmail.com

قد يعجبك ايضا