إعادة تدوير المخزون.. ضرورة فرضها الواقع

منذ ثلاثة أعوام تكدست الملابس الجاهزة ليستنفدها عيد أعقب ثلاثة أشهر من الحصار الشامل
غياب الموضة الجديدة أفسح المجال أمام الملابس الأقل جودة وعلى شكل مهرجانات للتخفيض
على امتداد شارع جمال وسوق باب السبح ظل تاجر التجزئة عيبان البيضاني يبحث عن أجود أنواع القماش من السواري والردايات والخمار والبواليط وغيرها ولكن ذا الموضة الأجد غير أنه لا سبيل للحصول على ذلك فبعد كل جهود بحثه التي ذهبت سدى اضطر إلى أن يشتري كميات هو متقن أنها من الأعوام السابقة غير أنه أكد للزبائن المنتظرين له أنه أتى بالجديد بعد تعب كبير وجهود زائدة..
يقول عيبان الذي يقع محله الذي امتد ببسطات إضافية حتى منتصف الشارع من المساحة المقابلة له: رغم اشتداد الأزمة التي جعلتنا نتوقع أن الإقبال سيخف إلا أننا هذا العام مررنا بضائع كانت مكدسة منذ ثلاثة أعوام وفي الثلاثة الأيام الماضية.. لقد شهد السوق اقبالاٍ غير متوقع خصوصاٍ ونحن هذا العام راعينا الزبائن في الأسعار وأنت تشاهد يافطات التخفيضات..
هكذا منذ بداية العشر الأواخر لرمضان المبارك تشهد أسواق الملابس رواجاٍ يتجاوز الحد الطبيعي لحركة الأسواق الشعبية المتعارف عليها فمن المشاهدات المعتادة أن اختناقات كبيرة تشهده الأسواق الشعبية والمعروفة في أمانة العاصمة وفي كل الأسواق التي تعد مراكز في المدن الكبيرة والمتواسطة وكذلك الأسواق الأسبوعية في المناطق النائية ذات المركزية للتجمعات السكانية الريفية.. هذه الحركة تتزامن مع حصار مطبق على البلد في شتى المجالات ومنها التجارية وإن دخلت كميات فبصعوبة وليست كافية غير أن هذه الحركة ظلت على عادتها هذه العام مع اختلاف جوهر الإقبال.. لكن الميزة الأهم في الملابس على بقية السلع الأخرى هي أنها لا تربط بمسألة تاريخ الصنع وتاريخ انتهاء الصلاحية وهو ما يسر للتاجر الربح المضمون حسب كثير من الاقتصاديين لكن الموضة وجديتها تعمل دوراٍ كبيراٍ في تقديم الملابس الجاهزة سواء للأطفال أو الكبار من النساء والرجال..
تاجر الجملة محمد العْتمي –في باب السلام- يؤكد في هذا السياق أن تجارة الملابس ليست تلك المربحة التي يتوقعها الآخرون كونها حسب تقديرهم لا ترتبط بتاريخ صلاحية أو إنتاج لكنها ترتبط بتطور الحياة والموضة فإذا لم نأت بموضة جديدة كل موسم فهذا يعني أننا لا يمكن أن ننجح في تلبية طلبات الزبائن من كل الأسواق ومع هذا المعيار تظل تجارة الملابس راكدة جداٍ إلا في العشر الأواخر من رمضان والعشر الأْوِل من ذي الحجة (موسما عيد الفطر والأضحى) فنادراٍ ما يتم تمرير كميات كبيرة من المخزون لكن هذا الموسم جاء في ظل ظروف قهرية لم تدع للزبون فرص الانتقاء والتعنت والتدقيق ولم تدع للتجار أيضا التفنن في شراء كل جديد فليس أمام الجميع إلى ما هو موجود داخل السوق المحلية قبل هذه الأزمة التي أرهقت البلد والمواطنين والقطاعات التجارية والتنموية والخدمية..
زحام هذا العيد ليس كزحام كل عيد فالأعياد السابقة كانت تشهد تسوقاٍ كبيراٍ ليس إلا أما هذا العام فكل من مر هو يشتري إما لخوفه من الجوانب الأمنية أو لاستعجاله للحاق بالسوق وشراء ملابس لأسرته وأطفاله قبل نفاد الكميات إذ أن الكثير يرون أن هذا العام لا بضائع كثيرة فيه ولا ملابس ولا حتى موضة..
هذا ما قاله أحمد سالم – صاحب محل في التحرير مدخل شارع جمال- مضيفاٍ أن إعادة عرض الملابس المختلفة والمركونة في المحلات وتسويقها على أساس أنها موضة جديدة ضرورة فرضها واقع حيث لا توجد منتجات جديدة دخلت الأسواق إلا نادراٍ نظرا لواقع الحصار والحرب التي يشهدها اليمن..
وأضاف سالم : لم نستطع أن نشتري أو نحصل على أي كميات جديدة وإن حصلنا من تجار الجملة فهي من المخزنة منذ السنوات الماضية ويتم عرضها وتسويقها على أنها جديدة.. وليس أمام تاجر الجملة أو التجزئة سوى استغلال الفرصة لتمرير هذه الكميات.. وقد يزيد الإقبال الكبير من فرص بيعها بأثمان كبيرة لم نكن نتوقعها في غير هذه المناسبة من البضائع التي عافها الزبائن واستهلك موضتها خلال السنوات الماضية..
هذا هو الواقع الذي جعل من تدوير تجارة المخزون الكبير من الملابس الجاهزة التي كانت تعتبر موضة عافها الزبائن ضرورة يفرضها واقع الحصار المطبق على اليمن منذ أكثر من ثلاثة أشهر.. لكن السؤال الأهم هنا هو كيف يتم تقديم هذه الكميات وإقناع الزبائن على أنها جديدة وذات بريق يجذب دهشة العين وبحثها عن الجديد..
في هذا السياق يقول غسان الوصابي تاجر جملة وتجزئة في حي شميلة شارع تعز: منذ منتصف شهر رمضان وحين أحسست وأنا أشتري الملابس وأتعامل مع الشركات التي تورد الملابس بمشكلة الحصار قمت بإعادة تجديد الملبوسات المكدسة في المحل إما بإعادة كويها وغسلها في مغاسلنا الخاصة وإما بإعادة تصفيفها وترتيبها وعرضها أو إعادة تغليفها بأكياس لامعة وجديدة تتناسب مع ماركاتها الخاصة.. هذه الخطوة الأهم في مسألة إقناع الزبون تأتي بعد ذلك خطوة الخطاب مع الزبون الذي بمجرد ما يشوفها جديدة إلا وبدأ يفاوض على سعرها وهنا نقدم التسهيلات نظراٍ للوضع القائم وليس لأن هذه الملبوسات بائرة بل لأنها أيضا تستحق الثمن في وضع مثل هذا.. فالزبائن الذين عافوها ليس لعدم مناسبتها كلباس وانما كموضة قديمة ومن واقع قدراتهم الشرائية في الأعوام الماضية..
هذا بالنسبة للمحلات العادية في الأسواق المعروفة فماذا عن المراكز التجارية الكبرى للملابس الجاهزة والشاملة لكل احتياجات الأسرة من ملبس المولود حتى الرجل التسعيني ومن المولودة والصبية حتى المرأة السبعينية.. ¿ .. بكل تأكيد قد يختلف الإقبال خلال هذه الأزمة والتي ألقت بظلالها على الصادرات والواردات.. فحسب محمد الريمي – مدير أحد مراكز التسوق في شارع الستين- شهدت هذه المراكز جمود كبير في حركة البيع والإقبال في الأشهر الماضية التي شهدت فيها العاصمة تكرار غارات العدوان العربي على اليمن فأثرت هذه الهجمات البربرية على مسار الحياة اليومية حتى انعدمت الحركة التسوقية وكذلك المرورية في الشارع العام..
وأضاف الريمي: كان هذا الجمود مؤثرا على صعيد الخسائر لكننا أدركنا أنه أجل الزحام والاقبال الكبير إلى النصف الأخير من شهر رمضان وها نحن في العشر الأواخر نشهد زحاما كبيرا في ظل محدودة الملبوسات الجاهزة الجديدة ذات الماركة الموضة.. بعد تراجع تسوق الأسر خلال الأزمة التي ألحقت بميزانية الأسرة تراجعاٍ تجاوز الـ50% وهذا التراجع حدا بالتجار اليمنيين إلى تخفيض شحنات الاستيراد وبقدر 30% حسب الكثير من تجار الملابس ما خلق فجوة كبيرة بين المعروض الجديد المطلوب من قبل الزبائن والقوة الشرائية ما جعل التاجر يعوض خسائره في الكميات المكدسة التي كانت في عداد الماضي المستهلك..
وأضاف الريمي : هذا الكساد الذي خيب الآمال في الفترة السابقة فتح الباب على الملابس الأقل جودة والتي كانت تعتبر في المخزن غير المقبول فظهرت مولات كبيرة وحديثة متخصصة في بيع الملابس بأسعار تخفيضية تشهد مهرجانات كبيرة هذه الأسعار تبدأ من 300 ريال إلى 1500 ريال للقطعة.. وأحياناٍ يكون هناك سعر موحد لقطع مختلفة تغري المستهلك وهذه دخلت على خط المنافسة بقوة خصوصا في هذا العيد استغلالاٍ لفراغ المراكز من الموضة الجديدة والمنافسة..

قد يعجبك ايضا