الألـــوان :-
تشكل الألوان علامات سيميائية في الخطاب السردي والشعري والأدبي عموماٍ بوصفها تولد معرفة تأويلية وتفسيراٍ يعكس مضمون النص ويرسم شفرات ورموز تحيل إلى حقائق ومضامين في ضوء خطاب النص والألوان تعكس عالم النص والمواقف التي وقع الخطاب تحت تأثيراتها , وفي مجموعة عبد الله المتقي ” لسان الأخرس ” حاولت القراءة أن تقرأ إحالات لكل الألوان بوصفها خطاباٍ كثيفاٍ ومتردداٍ في ثنايا النصوص المسرودة .
” لملم حقيبته الحمراء , ضحك ملء فمه لزوجته وأطفاله ثم أغلق الباب خلفه … التحف برد الرابعة صباحاٍ وحلماٍ بالغربة في عاصمة لا تشبهه .
مضى …….. لا شيء يدعو للقلق عاد بعد شتاءين عاد في تابوت أحمر ويثقب في جبهته من مسدس متمرن ” صـ 219
من خلال اللغة فإن النص رسم أيقونات لونية في الحقيبة رمز للسفر خاصة بإضافة الفعل ” لملم ” فضلاٍ أن اللون تحول من الرقة والحب إلى لون الاغتراب والموت ورمزاٍ معادلاٍ لضياع الروح بالبحث عن الحلم , فالنص يرسم من خلال اللون ضياع الحياة بالغربة والاغتراب مما ترتب أن اللون الأحمر معادل رمزي للموت وفيه ناقش السرد ظاهرة اجتماعية هي الغربة التي تميت الحياة فأصبح اللون الأحمر تابوت الموت بالاغتراب ” بعد شتاءين عاد في تابوت أحمر ” ومن خلال اللون أيضاٍ رسم صورة للأخر من خلال المسدس المتمرس الذي يقضي على الحياة ومن خلال اللغة يتضح جمود الروح وبرودتها ” التحف يرد , بعد شتائين ” كل هذه الأيقونات رسمت الضياع والتيه بالاغتراب فهو استلاب للحياة بالبحث عن الحلم .
أما اللون البني في نص ” شراهة ” فقد أعطى مدلولات الشبق الجنسي والتأثر بثقافة الآخر والحياة المتعة ” تخلص من معطفه البني الذي يشبه ملامحه , ثم جلس أمام التلفاز يحتسي بيرة ويدخن أمريكا .
هكذا فجأة , سمع زئيراٍ صاخباٍ وبعيداٍ في داخله , ليس معطفه ثم نزل السلم متوتراٍ .
” بداخله لبؤة تلتهم شخصاٍ يعرفه . وبالملامح نفسها التي نزلت قبل قليل ” صـ 210 فإن كانت الألوان لها مدلولات تدعم الموقف السردي فإن القارئ يلحظ هيمنة اللون البني ” معطفه البني , تشبه ملامحه , بيرة , لبؤة ” مما يعكس أن هذا اللون هو لون المتعة والشراهة الجنسية اللامحدودة وهو لون التأثر بالآخر ” يحتسي بيرة , يدخن أمريكا ” ولذلك لون المعطف ولون الملامح تناسب مع تفسير نوعية المرأة التي قالت ” أنا جائعة , قالت وهي تتلمظ وأغلقت الهاتف ” صـ 210 .
ومن السرد تتضح شخصية الرجل وثقافته وعالمه ونوعية المرأة اللبؤة ليعكس رسماٍ نفسياٍ للموقف ونوعية الشخصيات والعلاقات والذي اختزل كل ذلك العنوان ” شراهة ” الذي يحول دلالة اللون من المتعة والدافع الفطري الذي تحول إلى تجاوز وصل حـد الشراهة التي تساوي الالتهام للأكل بنهم ووحشية وشبقية .
أما اللون الأسود فجاء مختلطا باللون الأبيض ” غدت أيامها كالحداد ….. وحتى تكسب قليلاٍ من الماء على حياتها .
أمسكت بفرشاة ملطخة , ورسمت عصفوراٍ يطل من الشباك وما يزال الحزن يخدش الأعماق ….
تترك لوحتها وفرشاتها … تمشي من مكان إلى آخر …. تستنثر قليلاٍ من الألم الذي يتفاقم …
تنظر إلى اللوحة بحلم ….
تتخيل الطائر الذي يحلق بعيداٍ عن الشباك
تتنفس بهدوء وعمق حدادها الكثيف ” صـ 211
إذا أخذ القارئ الشفرات ” أيامها كالحداد , فرشاة ملطخة , الحزن يخدش , قليلاٍ من الألم , عمق حدادها ” كل هذه الإشارات تدل على اللون الأسود الذي تعبر عنه سوداوية الحياة بضياع وغياب الحلم فالفرشاة معادل رمزي للمرأة والرسم معادل رمزي لغياب الحلم واللوحة معادل للحياة والحلم معاٍ ومن الألفاظ جاء الألم مساوُ للإحباط ولغياب الحلم .
أما إذا أخذ القارئ ما يدل على اللون الأبيض ” تسكب قليلاٍ من الماء عصفوراٍ تستنثر , رسمت عصفوراٍ , بحلم , تتخيل الطائر , الشباك ”
فاللون الأبيض لون الحياة ومحاولة خلق الحلم والخصوبة بعيداٍ عن الجدب والسواد والماء يعادل رمزياٍ الرجل والعصفور معادل رمزي للرجل , والشباك معادل رمزي للانطلاق وللابتعاد عن الألم والبحث عن الانطلاق والتجدد .
فكان اختلاط اللونين يشير سيميائياٍ للصراع النفسي ما بين الحلم والغياب وما بين الجدب وخلق الخصوبة وما بين الحياة الملونة باستقرار وما بين الحياة العمياء المكبوتة في جدران ومرسومة في لوحة الخيال بطريقة لم تتحقق واقعياٍ فكان اللون لون الخصوبة والنعومة والجمال .
وجاء ألوان متعددة في المجموعة القصصية كالليل حيث كان الليل له دلالات يرسم عالم المتعة والسهر للبحث عن الذات أدانه ليل الأحلام والآلام والحزن أو ليل الإغراء والجمال والأنوثة.
1- ” ضوء أعشى , رائحة العطر
وأغاني سيلين ديون تنسكب على الموبايل
2- حكى لها أسطورة الملك الذي له قرنان
3- همست بغنج :
” لا أحد انتبه إلى عطري سواك ”
خلل ضفائرها بأصابعه التي تشبه عازف بيانو
4- هـ م س ت ثانية باشتعال
” لا أحد استفز أنوثتي غيرك ”
5- وكان الذي كان , وسيكون ” صـ 121
من خلال ” ضوء أمشى ” إشارة سيميائية للضوء الخافت وفيها إشارة إلى قصيدة الأعشى ” إذا تقوم يفوح المسك أصورة … والزنبق الورد من أردائها ثمل ” فكان لون الضوء ورائحة العطر ولونه يعكس مضمون التفرد من ” لا أحد أنتبه لعطري سواك ” ” لا أحد استفز أنوثتي غيرك ” فهذا اللون لون التفرد والتميز والجمال ” همست بغنج , همست باشتعال ” وهو لون التدرج والتمرحل للوصول للغاية ” وكان الذي كان ” ليشكل النص صورة للإثارة والتميز والدلال .
دخان وقهوة :-
يتكرر في النص السردي القصير في هذه القهوة والدخان يشكل علامات سيميائية مثيرة وجديرة بالتأويل والقراءة مما يحول النص السردي إلى مجموعة من العلامات التي تعكس رؤى ومواقف للشخصيات والزمان والمكان وتكثف الدلالات مما يخلق آفاقاٍ تأويلياٍ متعددة ” أرملة على شرفة شقة تحتسى الشاي , وتطل على الشارع من خلف زجاج مبلل , تتأمل حبيبات المطر فجأة يطأ شتاءها منظر شاب وفتاة ملتصقين تحت مظلة سوداء ويسرعا في الخطو تنهد الأرملة , وتختفي في مراهقتها كي تتذكرها والمرحوم يسيران تحت المطر بلا مظلة في انتظار الأوتوبيس .
كانا يعيشان الحب بكل تفاصيله دون التفات للآخرين .
يختفي الشاب والفتاة من الشارع , تختفي الأرملة من الشرفة ووحدها حبيبات المطر تبلل النافذة وسقف المظلة ” صـ 220
إذا تأمل القارئ ” تحتسي الشاي ” فالاحتساء عكس علامة البحث عن الدفء وأعطى دلالة الوحدة والوحشة وتذكر دفء الماضي لاسيما أن تأمل القارئ سياقات النص ” يطأ شتاءها ” في حالة من الجدب والقحط والتشبع بالخصوبة مع اتساق البنية بـ ” أرملة ” خاصة والمظلة شكلت علامة للتوافق دون الوصول للخصوبة والاخضرار وممارسة الحياة تبين ثمة دفء روحي ” ملتصقين ” فضلاٍ أن المظلة عكست علامات خاصة بالمرأة ” يسيران تحت المطر بلا مظلة ” ثمة ارتواء وتشبع بالحياة فكانت المظلة علامة اشارية وأيقونة سيميائية تصور بعمق حالة خاصة للمرأة ” ووحدها حبيبات المطر تبلل النافذة وسقف المظلة ” ثمة اشتهاء فكان ” الاحتساء ” فيه علامات لفقدان الدفء والشعور بالوحدة والظمأ والقحط لذلك كان الماء كثيفاٍ ” تحت مظلة سوداء , يسيران تحت المطر وحدها حبيبات المطر تبلل النافذة وسقف المظلة ” أنه صراع الدفء والخصوبة مع القحط والجدب وفقدان الحب فكانت المظلة معادلاٍ رمزياٍسيميائياٍ للرجل والحب والخصوبة والدفء فانداحت كل هذه العلامات من خلال ” تحتسي الشاي ”
إذا حاول المتلقي أن يقرأ نص ” حب ” الذي يقول :
1- يجلسان بمقهى كورنيش بسيط
يدخنان
يرتشفان قهوة مرة
ويتابعان نشرة الأخبار
2- حيث لاحظت استغرابه ودهشته
من هذا الموت الذي يملأ الشاشة
3- قالت بصوت بدأ عليه الارتياح
” الحب هو الحل ”
تأملها ملياٍ و ….. لا شيء سوى
أصوات النوارس تأتي من بعيد ” صـ 179
هذا نص المغايرة والمخالفة للواقع من علامات ” المقهى ” يدخنان , يرتشفان قهوة مرة ” فكانت ” القهوة المرة ” هي علامة سيميائية إشارية لمرارة الواقع والحياة التي ملأتها السياسة موتاٍ ” يتابعان , نشرة الأخبار (هذا الموت يملأ الشاشة ) يشير بالعلامات اللغوية ودلالاتها إلى استفحال وتوغل الكراهية في الحياة فكانت مما أفضى إلى الاستغراب والدهشة والحل ” الحب هو الحل ” خاصة وأن الأعلام جذر الكراهية فكانت صورة الجلوس في المقهى البسيط دلالة أن السياسة والاختلاقات ضحيتها البسطاء مما أفضى إلى اتخاذ القرار بمغايرة الواقع بواقع حلمي يتجسد بالواقع ” أصوات لنوارس يأتي من بعيد ” دلالة خلق الحب ومغايرة واقع الكراهية فكانت ” المقهى , يدخنان , يرتشفان ” علامة لاتخاذ القرار والتخلص والبراءة من واقع الموت إلى واقع الحياة التي يملأها الحب ولو نأمل الترقيم والمساحات الفارغة في النص تعكس فراغ الحياة من الحب وثمة فوارق ما بين الحب والكراهية , وكانت الشاشة أيقونة سيميائية للتضخيم وتجسيد واقع أسود لا يعرف الحب والحياة المترعة بالألفة والانطلاق .