الجذور التاريخية للعدوان السعودي على اليمن

* الحمد الله القائل : ” ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد ” صدق الله العظيم
والصلاة والسلام على معلم البشرية وهاديها إلى الصراط المستقيم محمد صلى الله عليه وآله وسلم .. وبعد :
من الخطأ ولو مجرد الاعتقاد أن العدوان الذي تشنه مملكة آل سعود وما يسمى بدول التحالف العربي وليد اللحظة أو أنه بدافع النخوة والشهامة والاستجابة لنداء الرئيس الفار الهارب المنتهية ولايته عبدربه منصور هادي الدنبوع بدعوى نصرة الشرعية كل هذه الدعاوى مثلت مجرد غطاء ومدخل لإخراج النوايا المبيتة من النفوس وتحريك الأحقاد والضغائن لتطل من أوكارها المزمنة سنحت الفرصة للعدوان السعودي لأن يصب جام غضبه وحقده على اليمنيين بهدف إخضاعهم وإعادتهم إلى بيت الطاعة .

مواقف للعلماء الأجلاء :
• قال شيخ الإسلام الإمام محمد بن علي الشوكاني في الرسائل التي حررها باسم المنصور علي بن الحسين إلى قادة المسلمين يستحثهم فيها على الجهاد لنصرة المصريين بعد غزو نابليون القائد الفرنسي واحتلاله لجزء من أرض الكنانة (سامح الله إخواننا في نجد والحجاز فلقد امتطوا صهوة التبديع والتفسيق لإلهاء الأمة بحروب بينية شغلتها عن مواجهة الأعداء الحقيقيين ومكنت هؤلاء الأعداء من تحقيق مآربهم وأطماعهم) (البدر الطالع في محاسن القرن التاسع).
نفس المضمون سبق إليه علامة اليمن الحجة محمد بن إسماعيل الأمير عندما سمع بالدعوة الوهابية سارع إلى الإشادة بها إلا أنه سرعان ما تراجع عن موقفه في قصيدته المشهورة .
• أما علامة عصره الفقيه صالح المقبلي فلقد كان له موقف آخر نتيجة ما اتسم به منهجه من التحرر والنقد لكافة المذاهب ضاق ذرعاٍ بمواقف البعض ممن اتهموه بأنه ناصبي فقرر الهجرة إلى مكة والاستقرار  فيها وفي أحد الأيام كان في صلاة الفجر وعندما مر الإمام بسجدة في التلاوة سجد لم يلحق به المقبلي ظل واقفاٍ إلى أن قام الإمام وأكمل الصلاة مع الإمام الموقف أثار غضب الآخرين, قال أحد المحتجين (فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس).
• قال المقبلي :  العودة .. العودة (ناصبي في اليمن ولا إبليس في الحرم)
• وروى عبدالكريم مطهر عن الإمام يحيى حميد الدين في خطابه للسيف أحمد يقنعه بالانسحاب من الطائف (هؤلاء القوم بدو أحلاف جبلوا على الغلظة والقسوة لا حرمة لديهم لكرامة ودم الإنسان وزادتهم الوهابية قسوة وفظاظة بما جبلت عليه من الغلو والتطرف) كتاب (سيرة الإمام المنصور لمؤلفه عبدالكريم مطهر).
في العصر الحديث حضر إلى شاعر اليمن الكبير المرحوم الأستاذ عبدالله البردوني عدد من الصحفيين السعوديين بهدف معرفة وجهة نظره من التحولات في السعودية بالذات في الجانب الثقافي فأسهب أحد الحاضرين متحدثاٍ عن الطفرة الثقافية في السعودية وزيادة عدد المطابع قاطع البردوني بسخريته اللاذعة : والمشكلة أن المطابع لديكم والعقول في اليمن, فالدولة في السعودية وجدت فجأة ليس لها ماضُ.
هذه الإشكالية أفاض في الحديث عنها الإمام محمد عبده عبر سلسلة مقالات نشرها في صحيفة المنار التي كان يصدرها العلامة محمد رشيد رضا أشاد فيها بالحركة الثقافية في اليمن (فمن يتابع الحركة في هذا البلد يلاحظ وجود علماء كبار مجتهدين لهم باع طويل في البحث والتحقيق واستنباط الأحكام مقابل محدودية العلماء في أرض الحرمين وإن وجدوا فهم علماء مقلدون يجهلون مقاصد النصوص ودلالاتها وهذا سبب الانغلاق والركود الثقافي).
هناك مواقف عديدة تؤكد المضمون إلا أننا نكتفي بما أسلفنا وفيه دلالة واضحة على أن عداوة آل سعود لليمنيين متأصلة في أعماق نفوسهم نتيجة الفارق الحضاري, فلقد ولد الإحساس بالدونية كأخطر عامل نفسي صعب أن يعوضه المال باعتباره تهديداٍ وجودياٍ استراتيجياٍ يتعلق بالذات والثقة بالنفس لاتصاله بالتكوين والانحدار وقوة الحضور في الذاكرة الإنسانية . وهي مزايا قيمية سلوكية فكرية تتعلق بالبيئة ومراحل النشأة قد تشترى بالمال إلا أنها سرعان ما تزول لظهور أبسط عارض وهذا محور الانزلاق إلى التقليد الأعمى واندفاع الأشقاء في نجد والحجاز إلى الارتهان للآخر المخالف لمنهج العقيدة الرافض لخيارات الأمة كنوع من التعويض ومتابعة القشور الحضارية الحديثة .
نبذة ونظرة تاريخية مختصرة عن التدخل السعودي في اليمن ..!!
كل عشرين سنة منذ عام 1934م تقع مصائب وفتن وحرب في اليمن .. وفي ما يلي استعراض سريع لها :
– 1936م اتفاقية الطائف ..! 
عندما كانت (جيزان – نجران – عسير) وجزء من مناطق تهامة في ما كان يسمى المخلاف السليماني تحت حكم إمارة الأدارسة , وهذه الإمارة تتبع اليمن .. عقد الأدارسة حلفاٍ واتحاداٍ مع الإمام يحيى ..! بعد تخلي الأدارسة عن مناطق تهامة للإمام يحيى وبقاء مناطق الحلف الأخرى تحت سيطرة الأدارسة .
في عام 1936م قامت حرب بين الأدارسة وآل سعود واستنجد الأدارسة بالإمام يحيى , وبالفعل بادر الإمام إلى نجدتهم وحارب آل سعود في محاولة لكبح جماح النوايا التوسعية لآل سعود بعد أن تمكن الأخير من إسقاط الامارات في مكة والمدينة ونجد والحجاز رغم أن آل سعود..! تحالفوا مع الاحتلال الإنجليزي ومع السلاطين في الجنوب اليمني .. وشكلوا ضغطا على الإمام, إلا أن الجيش اليمني بقيادة السيف أحمد تقدم في مناطق الشمال ووصل إلى الطائف هذا الموقف ما لبث أن تغير .
انسحاب الأدارسة من المعركة مثل طعنة في ظهر الإمام وفتح ثغرة مكنت الجيش السعودي بقيادة الأمير فيصل المدعوم بأسلحة الإنجليز من التوسع في الجانب التهامي ووصل الزحف إلى الحديدة .
تحالف بريطانيا وبعض دول الغرب مع السعودية جعل الإمام يدرك الخطر المحدق باليمن فقرر عقد تحاور مع الجانب السعودي انتهى بتوقيع اتفاقية الطائف المشهورة والتي كان من أهم بنودها :
1 – السماح بدخول اليمنيين للمملكة بالبطاقة ومعاملتهم معاملة السعوديين .
2 – زيادة التبادل التجاري وتقديم بعض التسهيلات للجانب اليمني .
3 – تشكيل لجنة مشتركة مهمتها المرور بالحدود كل ثلاث سنوات لمنع أي اختراقات أو استحداثات مخالفة للاتفاقية .
اعتبر آل سعود اتفاقية الطائف نصراٍ لهم نظراٍ للضغط الذي مارسوه على الإمام,  في المقابل اعتبر الإمام الاحتفاظ بمناطق نجران وجيزان وعسير كأراض يمنية مؤجرة لآل سعود تمسكا بالحق التاريخي باعتبار نفس الأراضي يمنية  .
العداء المذهبي
لم يكن علماء اليمن وحدهم من رفض اعتبار الوهابية مذهباٍ بل إن عدم الاعتراف به كمذهب وجد إجماعاٍ من كل مراكز التنوير في العالم الإسلامي وفي المقدمة الأزهر الشريف .
هناك رواية تقول إن الأمير فيصل في أول زيارة قام بها لمصر استغرب عند حضوره للأزهر, مصدر الاستغراب أنه وجد أعلام كل الدول الإسلامية مرفوعة على ساريات الأزهر إلا علم بلاده ووجد في المكتبة مراجع لكافة المذاهب الإسلامية إلا الوهابية, إذ كان الأزهر يعيش مرحلة صحوة إسلامية أثناء رئاسة الشيخ شلتوت رحمه الله, فهو أول من تبنى فكرة التقريب بين المذاهب الإسلامية استطاع مواجهة الأمير فيصل, وقال بكل وضوح الوهابية مجرد حركة لا ترتقي إلى مستوى المذهب أما عن أسباب عدم رفع العلم قال الشيخ شلتوت (يكفي أن السعودية تتبنى الدعوة الوهابية بفكرها المنغلق الإقصائي الذي يكفر كل المسلمين ويدعي التفرد بامتلاك الحقيقة) هذه الرؤية خلقت إرباكاٍ كبيراٍ لدى آل سعود وفي فترة لاحقة تعاضدت مع الوصية المشهورة للملك عبدالعزيز ومفادها (خيركم وشركم من اليمن )بالتالي حتمت توظيف بعض المسائل الخلافية المذهبية الثانوية للقدح في معتقدات اليمنيين وتوجيه سهام التفسيق والتضليل لكل المذاهب الإسلامية وعلى وجه الخصوص أتباع المذهب الزيدي.
من المفيد الإشارة هنا إلى أن تآلف اليمنيين وحالة التسامح السائدة أسقط كافة محاولات اختراق الصف اليمني نتيجة التمسك بمبدأ التعايش والتسامح, الاختراق حدث في مراحل لاحقة عندما وجد الحاضن المحلي فقد تمكنت السعودية من تحقيق بعض الغايات . سنتطرق إليها لاحقاٍ .
عدم تجديد أو إلغاء الاتفاقية
انتهت المرحلة الأولى من الاتفاقية عام 1954م بعد غياب الملك عبدالعزيز والإمام يحيى حميد الدين إلا أن ظهور النفط كان قد أسهم في إحداث طفرة أولية بالسعودية سمحت بدخول عدد كبير من اليمنيين للعمل في السعودية .
هذا التحول جعل الإمام أحمد يؤثر الصمت وعدم المطالبة بإلغاء أو تجديد الاتفاقية .. خاصة أن السعودية وقفت إلى جانبه لقمع ثورة 1948م وانقلاب 1955م وهو ما سمح لآل سعود الاستمرار في مخطط إضعاف اليمن بهدف تفكيكه وخلق بؤر صراعات تشغل نظام الحكم عن المطالبة بإلغاء أو تجديد الاتفاقية نظراٍ لعدة عوامل أهمها : 
ثورة 26 سبتمبر 1962م
في 26سبتمبر 1962م استغل صغار الضباط المنضوين في تنظيم الضباط الأحرار وفاة الإمام أحمد فبادروا إلى تحديد ساعة الصفر وتفجير الثورة ضد الإمام محمد البدر  بعد أسبوع من مبايعته خلفاٍ لوالده .
نجاح الثورة وهروب الإمام الجديد سمح للرئيس جمال عبد الناصر بالتدخل المباشر وتقديم الدعم العسكري والمدني وإرسال آلاف الجنود للحرب في اليمن لمقاومة فلول الملكيين ومن ثم احتواء الثورة والتحكم في مسارها .
بالمقابل احتضنت السعودية الجانب الملكي ومدتهم بالمال والسلاح مما قاد إلى حرب أهلية استمرت سبع سنوات خاض خلالها اليمنيون مواجهةٍ مصريةٍ سعوديةٍ بالنيابة عن غيرهم .
في هذه الأثناء ألغت السعودية لجنة الرقابة الدورية على الحدود وأخذت تتوسع في كل مناطق الأطراف . وتقول الروايات :إن الإمام محمد البدر رفض تجديد الاتفاقية أو الحديث عنها وكان هذا الموقف المتصلب سبب خلافه مع السعودية وسفره إلى لندن كمنفذ اختياري ظل فيه إلى أن انتقل إلى جوار ربه .
المصالحة الوطنية
كانت نكسة يونيو 1967م أهم حدث قاد إلى انسحاب القوات المصرية من اليمن والوصول إلى مرحلة المصالحة الوطنية بين اليمنيين بالذات بعد تفاقم تدخل الجانب المصري في شؤون اليمن بما في ذلك نقل كبار المسؤولين إلى مصر وفي المقدمة حكومة الفريق العمري وإيداعهم السجن وتشكيل حكومة موالية لمصر برئاسة اللواء عبدالله جزيلان التي ارتهنت كليا إلى الجانب المصري مما أثار حفيضة اليمنيين وزاد العداء لمصر ومعارضة وجود الجيش المصري من قبل كافة القوى الوطنية, عندها اشتدت هجمات القبائل الملكية على صنعاء بدعم من الجانب السعودي زادت حدة مع بداية انسحاب القوات المصرية, عندها تداعت القوى السياسية واختارت القاضي عبدالرحمن الارياني رئيساٍ للمجلس الجمهوري بدلاٍ عن الرئيس السلال .. فكان الارياني الرئيس المدني الوحيد الذي رأس البلاد وفي عهده تمت المصالحة الوطنية .
في هذا الجانب تقول الوقائع إن السعودية وافقت على المصالحة بعد أن تأكدت من بقاء دورها في اليمن من خلال ما يلي :
1 – استغلال حالة الانكسار لدى الرئيس عبدالناصر بعد هزيمة يونيو 1967م.
2 – ضمان استقطاب كبار مشايخ اليمن وتحويلهم إلى موالين يرعون مصالح السعودية وينفذون إرادتها مقابل مبالغ كبيرة من المال وصلت إلى ستة مليارات ريال سعودي بحسب إفادة الأمير نايف ولي العهد ووزير الداخلية الأسبق, فقد أعلن أن ما ينفقه مكتب اليمن المشرف عليه الأمير سلطان المبلغ آنف الذكر في العام الواحد بهدف التخريب وإذكاء الصراعات والقلاقل في اليمن .
تجديد الاتفاقية
• ظل القاضي الإرياني يتهرب ويرفض مقاربة موضوع الحدود كأمر شائك يتصل بالسيادة الوطنية, هذا الموقف لم يصمد طويلا إلا أن ضغط المشايخ ومراكز القوى وضعاه في موقف صعب, حيث بلغ التدخل السعودي السافر مداه في تلك الفترة وصل إلى حد أن الرئيس لا يستطيع تعيين أحد في المناصب الإدارية من وكيل وزارة أو وكيل محافظة إلى رئيس وزراء دون إذن من الجانب السعودي, وبين الحين والآخر كانت السعودية تستدعي مشايخ اليمن لعقد اجتماعات بمسميات مختلفة وتدفعهم إلى زيادة الضغط بما في ذلك مناصبة العداء للقوى الوطنية ودفع قوى الأمن إلى قمعها وإيداع أفرادها السجون بتهمة العمالة والعداء للإسلام زادت حدة التهمة الأخيرة بعد ظهور حركة الإخوان المسلمين في اليمن هذه العوامل وغيرها اضطرت الرئيس الارياني إلى القبول بالأمر الواقع في عام 1973م كلف رئيس الوزراء وكان القاضي عبد الله الحجري بالذهاب إلى السعودية وتوقيع معاهدة لتجديد الاتفاقية لمدة عشرين عاما على أن تظل البنود كما هي عليه في اتفاقية 1936م باستثناء لجنة الرقابة الدورية فقد غابت من النص الجديد .
التوقيع أثار حفيظة القوى اليسارية فتزعم أول احتجاج الأستاذ عبد القادر باجمال بالاعتصام في سفارة اليمن بالقاهرة (1).
أما رد الفعل الدموي فقد تولاه الجانب الفلسطيني وكانت النتيجة :
     أ  – اغتيال القاضي عبد الله الحجري(2).
    ب – اغتيال الأستاذ محمد أحمد نعمان  (3).
   ج  – اغتيال رجل الأعمال عبد العزيز الحروي (4) .
• أما القاضي / عبد الرحمن الإرياني فقد حاول إمساك العصا من الوسط وبادر إلى إنكار أي دور له في تجديد الاتفاقية وألقى بالمسئولية على رئيس الوزراء فأقال القاضي الحجري وكلف الدكتور حسن مكي بتشكيل الحكومة بدلا عنه هذا الأمر أغضب السعودية فما كان منها إلا أن حرضت المشايخ عليه وإبداله بالرئيس إبراهيم محمد الحمدي الذي سرعان ما تمرد على السعودية فبادرت إلى قتله وإبداله بالغشمي الذي قتل في ظروف غامضة فتم تنصيب الرئيس علي عبدالله صالح بدلاٍ عنه واستمر إلى فترة ما سمي بثورة 2011م .
موقف السعودية من الوحدة اليمنية :
شكلت السعودية أهم خصم للوحدة اليمنية وكانت الحجة تمسك الجنوب بالفكر الماركسي: بدأت المشاكل بين الجنوب والسعودية بحرب الوديعة والشرورة التي كان لمشايخ من الشمال دور فيها رجح كفة الجانب السعودي مما أغاض الإخوة في الجنوب فبادروا إلى قتل المشايخ في كمين بشكل جماعي وكانت السعودية قد حرضت على حرب 1972م التي انتهت إلى توقيع اتفاقية طرابلس والقاهرة’ بعد ذلك بدأت السعودية تحتضن كل معارض يغادر الجنوب وتقدم له المال والتسهيلات بدعوى الاستعداد لتشكيل جيش قادر على محاربة الماركسيين الى ذلك تم إنشاء إذاعة في نجران باسم صوت الجنوب اليمني الحر كانت موجهة إلى الداخل الجنوبي . كل هذه الخطوات باءت بالفشل لم تفلح في التأثير على النظام في عدن مما اضطرها إلى التحالف مع الإخوان المسلمين وتشجيع النظام في الشمال على خوض حرب المناطق الوسطى وكانت المرحلة الأولى التي مكنت السعوديين من دعم الإخوان بشكل مباشر وعبر الدولة بحجة محاربة المد الماركسي, وفي المناطق الوسطى جرت معارك كانت الدولة طرفا فيها بدأت من عهد الرئيس عبد الرحمن الإرياني وتوقفت أثناء حكم الرئيس الحمدي ثم عادت بضراوة خلال حكم الرئيس علي عبد الله صالح وكانت السعودية أكبر ممول وداعم لهذه الحرب كونها استشعرت الخطر من النظام في الجنوب وخافت من تمدده وفق المخاوف التي أفصحت عنها بريطانيا وأمريكا .
خلال نفس الفترة استطاعت السعودية إشعال فتيل الحرب الثانية بين شطري اليمن عام 1979م التي انتهت بعقد قمة الكويت بين الرئيس صالح وعبد الفتاح إسماعيل برعاية كويتية : من فضائل تلك القمة أنها أنعشت لجان الوحدة وأخرجت الملفات من رفوف النسيان مما جعل الدروب سالكة وأعطى اللجنة الدستورية الفرصة لإكمال صياغة مواد دستور دولة الوحدة وزاد التقارب عندما آلت قيادة الجنوب إلى الرئيس الأسبق علي ناصر محمد .
حالة الانسجام بين الرئيسين  صالح وناصر فتحت الآفاق أمام اتخاذ خطوات عملية للتقارب مثل تشكيل المجلس اليمني الأعلى وإقامة كيانات اقتصادية مشتركة وتخفيف إجراءات تنقل المواطنين بين الشطرين .. كما قال أحد أبطال إعادة تحقيق الوحدة المرحوم الأستاذ/ عمر الجاوي فإن الانتهاء من صياغة وثيقة الدستور وضع قيادة الشطرين في موقف حرج إلى أن اندلعت أحداث 13 يناير 1986م فأعادت كل شيء إلى نقطة الصفر وجعلت الفرصة أمام السعودية سانحة لمواصلة الدور المشبوه وعرقلة أي مساعُ باتجاه تحقيق الوحدة .
اتفاق 30 نوفمبر 1989م وإعلان الوحدة
جن جنون السعودية بعد زيارة الرئيس علي عبدالله صالح للجنوب والتوقيع على اتفاقية 30 نوفمبر 1989م الذي شكل خطوة هامة مهدت لقيام الوحدة بالمقابل كشفت العملية الموقف الحقيقي للسعودية ورفضها المطلق لإعادة تحقيق الوحدة اليمنية حيث قطع الأمير سعود الفيصل زيارته لأحد البلدان الأوروبية واتجه إلى عدن على رأس وفد سعودي كبير محاولاٍ إفشال اتفاق الوحدة وقدم يومها بشكل علني 400 مليون دولار إضافة إلى تبني إنشاء مدينة عبد العزيز عبدالولي السكنية, وجد الأمير بعض الأصوات المؤيدة لمسعاه إلا أن موقف الرئيس علي سالم البيض كان مشرفاٍ جداٍ فقد رفض أي إغراءات وأكد تمسكه باتفاق 30 نوفمبر .
الدور السعودي المشبوه كان سبب الإسراع بإعلان إعادة تحقيق الوحدة في 22مايو بدلاٍ من 30 نوفمبر كما نصت عليه الاتفاقية, عندها تمت المعجزة ونزل الخبر على آل سعود كالصاعقة, عندها اشتدت حالة العداء واندفعت المملكة إلى نسج المؤامرات بهدف إفشال الوحدة وإعادة الوضع إلى ما كان عليه, في هذا الصدد تقول الروايات إن الأمير سلطان تعهد أمام جمع من المشايخ أنه لن يعيد الوضع على ما كان عليه بل سيعمل على تقسيم اليمن إلى أربع دول متناحرة , وربما هذا المسعى هو ما ظل قائماٍ في أروقة المخابرات السعودية وتحاول أن تنفذه الآن من خلال عدوانها السافر.
 بعد إعلان الوحدة عمدت المملكة إلى الاستعانة بعدد من المشايخ الموالين لتنظيم الإخوان المسلمين المناصبين العداء للوحدة للقيام بمحاولة اسقاط الإنجاز التاريخي العظيم بالدور بحجة رفض الدستور بدعوى أنه علماني ولا يعتبر الشريعة الإسلامية مصدراٍ وحيداٍ للتشريع ,ولكن  إرادة اليمنيين أسقطت كافة المؤامرات .
إنهاء نزاع الحدود
لم تكتف المملكة بالضغوط الكبيرة التي مورست من قبل المشايخ الموالين للسعودية على الرئيس صالح, فلقد استغلت موقفه من غزو العراق للكويت وقامت بطرد أكثر من مليوني مغترب ونهب مدخراتهم وجاهرت بالعداء المطلق للرئيس صالح حيث كان الإعلام السعودي يتناول الرئيس علي عبدالله صالح بشكل مؤسف ولا أخلاقي ثم جاءت الاتفاقية مع عمان لتمهد قليلاٍ وتضع الشعب اليمني في صورة إنهاء المشاكل المحيطة بالدولة اليمنية الواحدة فما كان من القوى الموالية إلا أن زادت الضغط بحجة أن إنهاء مشكلة الحدود سيمهد لبناء الدولة اليمنية وتجاوز الأزمات .
بعدها حدثت حرب صيف 1994م وكان للسعودية يد طولى فيها, إذ أنها مولت الطرف الآخر لا حبا فيه بل بهدف استخدامه وسيلة لتحقيق المآرب المبيتة أهمها إعلان الانفصال أثناء الحرب .
كل المحاولات باءت بالفشل نتيجة تصميم اليمنيين وتمسكهم بالوحدة بما في ذلك عدد كبير من أبناء الجنوب الذين رأوا في الوحدة الخلاص مقابل الهزيمة المدوية التي سيسببها الانفصال .
وفي بداية الألفية الثالثة بدأت الأوضاع في حالة تطبيع بين السعودية واليمن ومهدت لنوع من التقارب انتهت بتوقيع اتفاق جدة الذي اعتبره اليمنيون نهاية لمشكلة الحدود بين اليمن والسعودية, وساد الاعتقاد أن صفحة الحدود طويت بشكل نهائي وأن أمور السلام استتبت بين البلدين إلا أن السعودية لم تقتنع بل زادت عتواٍ ونفورا واستمرت في قضم الأراضي اليمنية وإدخالها إلى كنف الأراضي السعودية فالمملكة ظلت تحاول الحصول على منفذ على البحر العربي وركزت في هذا الجانب على منطقة الخراخير بينما تمسك الرئيس علي عبدالله صالح بيمنية المنطقة وهذا ما جعل السعودية تلجأ إلى أساليب كثيرة في سبيل الوصول إلى هذه الغاية منها الضغط على العمال اليمنيين والتعامل معهم بقسوة وبشاعة .
الحرب المذهبية
كما أسلفنا فلقد صنف التيار الوهابي المذهب الزيدي في عداد المذاهب المسماة بالرافضة, وبعد نشأة حركة الإخوان المسلمين وتحالفها مع السعودية وحصولها على الدعم المادي والمعنوي وجدت السعودية الرديف المحلي الذي مكنها من محاربة المذهب الزيدي, حيث صدرت الفتاوى من كبار علماء السعودية قضت بتكفير اليمنيين ومن أشهرها فتوى ابن باز الذي قال فيها إنه لا يجوز الزواج باليمنية إلا بعد أن تجدد إسلامها واستمرت الحرب الشعواء من خلال عملاء السعودية في الداخل وصولاٍ إلى محاربة هجر العلم المنتشرة في أنحاء اليمن وإبدالها بما سمي بالمعاهد العلمية وتمويل إقامة المراكز السلفية ومحاربة بعض علماء الزيدية وانتهاء بالتحريض والدعم المباشر لحروب صعدة الست بما رافقها من احتلال للمساجد ورفض لطرف معين ومنعهم من التدريس أو اعتلاء منابر الخطابة في المساجد والترويج لدعايات وتهم باطلة مثل سب الصحابة وأمهات المؤمنين وزواج المتعة ,وغيرها من التهم التي استهجنها أبناء اليمن إلا من في قلبه مرض الموالي للمد الوهابي .
كل الحقائق التي أسلفنا تؤكد أن السعودية وجدت ضالتها في حركة الإخوان المسلمين وقطاع كبير من السلفيين الذين كانوا يتقاضون رواتب شهرية وميزانيات من الجارة الكبرى بهدف تقويض الأوضاع في اليمن والتآمر على كل شيء والتمهيد للحرب القائمة حالياٍ بما اشتملت عليه من بشاعة وهمجية إذ وجدت السعودية ضالتها .
بعد ثورة 21 سبتمبر 2014م فقد أحست بالخطر بسبب انتهاء دور عملائها في اليمن وعدم قدرتهم على خوض المعارك الموكلة إليهم أهمها جعل اليمن على حافة الصراع الدائم مما اضطر السعودية للدخول بنفسها كي تخوض المعركة بعد أن عجز المال والعملاء عن القيام بالدور المطلوب منهم .
الخلاصة :
مما سبق يتضح أن السعودية كانت سبب كافة المشاكل الداخلية في اليمن وأنها مولت كافة الأطراف وجعلتها متناحرة بشكل دائم والصراع محتدم وظلت تدير المعركة من بعيد بواسطة المال وشراء الذمم والضمائر وهو ما يوضح بجلاء بأن الحرب الراهنة لم تكن بنت اللحظة وإنما نتيجة أحقاد وضغائن متراكمة ناتجة عن كل ما أسلفنا لأنها وبحسب وصية المؤسس ترى في اليمن خطراٍ داهماٍ إذا ما استقرت الأوضاع فيه وتفرغ أبناؤه للبناء.
ما يدمي القلب ويحز في النفس أن النخوة الكاذبة والضمائر الميتة وحالة الاسترقاق والخضوع لإرادة المال المدنس دفع بعض الأشقاء في الدول العربية إلى دعم هذه الحرب القذرة مع أنه لم يدفع هذه الدول يوماٍ إلى نصرة الشعب الفلسطيني المنكوب والمغلوب على أمره ,هذه المفارقة تكشف التشابه بين النظامين السعودي والصهيوني وصمت العالم على جرائمهم البشعة .
وما يجري اليوم من استهداف للإنسان وكرامته وانتهاك لسيادة الوطن هو تدمير ممنهج لكل مقومات الحياة وقتل للأطفال والنساء والشيوخ والحيوان والحجر والمدر إنما يؤكد ما ذهبنا إليه ويكشف بجلاء مدى بشاعة الأحقاد والضغائن التي يكنها آل سعود لليمن وأبنائه من قديم الزمن وفي هذا بيان لمن لا يزال في قلبه مرض بالذات أصحاب الانتماءات الرمادية والولاءات المهزوزة للوطن.
نأمل أن يفهموا الرسالة ويعرفوا الخلفية الحقيقية للعدوان القائم  ليتطهروا من دنس سوء الفهم وتفضيل الارتهان للأجنبي طواعية بسبب وبدون بسبب.
 والآن وقد بلغ العدوان مداه بشكل إجرامي بشع لا إنساني ولا أخلاقي لم يعد السكوت عليه ممكنا فلقد تجاوز بما اشتمل عليه من صلافة وبربرية حدود العقل والمنطق ,الأمر يتطلب الوقوف الحازم ومعرفة الأبعاد التاريخية لهذا العدوان كي يحدد اليمنيون موقفهم الواضح الذي يضمن خروج اليمن من شرنقة العداء الدائم .
وأخيراٍ نقول (إنا لله وإنا إليه راجعون) .. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ..
هوامش:
(1) من المفارقات العجيبة أن من تزعم الاعتصام الاستاذ عبد القادر باجمال وقع الاتفاق شبه النهائي لمشكلة الأراضي محل النزاع باعتباره رئيس الوزراء في نفس الفترة .
(2) تم اغتياله في لندن بعد عام من التوقيع .
(3) اغتيل في بيروت وكان يشغل أثناء التوقيع نائباٍ لرئيس الوزراء ووزير الخارجية .
(4) رجل الأعمال المعروف لعب دور الوسيط بين السعودية واليمن وتم اغتياله في العاصمة اللبنانية بيروت خلال الفترة نفسها.
المراجع:
1) العلاقات اليمنية السعودية د. سيد مصطفى سالم.
2) اتفاقيات 1936م والتجديد عام 1973م .
3) البدر الطالع في محاسن القرن التاسع- شيخ الإسلام محمد بن علي الشوكاني .
4) ابن الأمير وعصره – عدد من المؤلفين .
5) المقبلي علامة عصره – د/ عبد الرحمن شكري مجلة اليمن الجديد عدد(37).
6) سيرة الإمام المنصور محمد حميد الدين – تأليف عبد الكريم مطهر 1989م .
7) العداء السعودي للوحدة – مجلة الحكمة الأستاذ عمر الجاوي .

قد يعجبك ايضا