رمضان والقات..سباق المشاكل والأمراض

> أطباء : السرطانات والفشل الكلوي والتليف الكبدي أبرز أمراض الإفراط في تناول القات

> تحذيرات للصائمين المصابين بالضغط والسكري لأن القات يعرضهم لمخاطر أكبر

> نفسيون يؤكدون: سمات المفرطين في تناول القات انفصام الشخصية والهستيريا السمعية والبصرية والتصرف بعصبية

روتين ممل وديناميكية رتيبة وميزان حياة يومي مختل. يقضي الكثير من الناس شهر رمضان المبارك في هوس غير مبرر يتنقل بين أسواق القات نهاراٍ ومجالسه ليلاٍ إذ ترى الرجل يقوم من نومه فزعا ليس لأن كابوسا أخافه , بل لأنه تأخر قليلا عن موعد شراء القات فيخرج مسرعاٍ مهرولاٍ نحو السوق في حالة هستيرية عجيبة بعدها ينتظر موعد الإفطار بلهفة وعينه على السرعة كي يبدأ مباشرة معركة تلاحم الضروس والتي تبدأ من بعد العشاء وحتى قبيل الفجر ..
أطباء واخصائيون نفسيون واجتماعيون ومنظمات مجتمع مدني أطلقوا تحذيرات شديدة اللهجة للمفرطين في تناول القات في شهر رمضان لما له من أضرار كارثية على الصحة العقلية والنفسية والجسدية وعلى النسيج الاجتماعي ككل خصوصا أولئك المصابين ببعض الأمراض المزمنة..

سليم عبدالكريم – شاب عاطل ومن أسرة محدودة الدخل وفي نفس الوقت من عشاق «عودي واخوه» فهو يعشق شجرة القات ويقضي أغلب وقته في البحث عن مصدر للحصول على أغصانها ومن ثم السمر على أنسها وفي شهر رمضان المبارك قرر أن يعمل «مقوتا» حتى يؤمن «تخزينته» بالكم والكيف الذي يحلو له, ولذلك فهو يكلف نفسه القيام مبكرا وبالتحديد منذ الساعة الحادية عشرة ظهرا لشراء القات ومن ثم البيع في السوق وبعد أن ينهي العمل يأخذ غنيمته من القات ويضعها في كيس محكم الاغلاق حتى لا يعكر الهواء مزاجه وينطلق فورا إلى البيت لتناول وجبة الإفطار على عجل وينطلق مباشرة إلى مجلس القات وما هي إلا ساعة واحدة حتى يكون قد انتهى من تعبئة الجهة اليسرى من فمه بالقات ويستعد في هذه اللحظات للشحن الفوري للجهة اليمني, وهنا سترى وجهه قد انقلب على عقبيه وأصبح في صورة مختلفة تماما عن التي كانت في النهار وأصبحت حروف اللغة التي تخرج من فمه بلهجات مختلفة لا يفهمها إلا هو وبعد أن ينتهي الرجل من السمر يعود إلى البيت ووجهه محمر ينتف شعر رأسه ويقلب عينيه ولا يريد التحدث إلى أحد, وإن سألوه عن عمله سيكيل لهم اللعنات بالمكيال .
طارق محمد – شاب في منتصف العشرينيات من عمره به هوس حب القات ففي غير رمضان يقضي الشاب نصف نهاره وأغلب ليله في التخزين , ولأن شهر رمضان المبارك منع عليه مضغ القات في النهار فهو يقوم بالتعويض أثناء الليل وبالتحديد من بعد وجبة العشاء وحتى وقت السحور, ولولا أن معدته تطالبه بحقها من السحور لاستمر حتى صلاة الفجر طارق يعلل إفراطه في مضغ «القات» في شهر رمضان المبارك وبهذه الطريقة الجنونية بأنه إذا تأخر قليلا عن تناول القات يصاب بتوتر في الأعصاب ويقوم بخلق المشاكل داخل الأسرة بطريقة لا إرادية لذا فهو يعتبره كنوع من المسكنات ,غير أن طارق يعترف أن إفراطه في تناول شجرة القات في ليل رمضان يجعله يهمل الكثير من واجباته سواء في العمل أو في الأسرة بل إن القات يقحمه في مشاكل مع والده الذي يحاول منعه من هذه العادة السيئة .

الطامة الكبرى
بعيدا عن المفرطين في تناول القات في شهر رمضان قمنا بعرض المشكلة على عدد من الأطباء والاخصائيين النفسيين والاجتماعيين لمعرفة حجم أضرار المشكلة, فكانت البداية مع الطبيب سهيل السيد الذي تحدث بشيء من التفصيل عن الأضرار الصحية التي يسببها الادمان على القات خصوصا في شهر رمضان الكريم حيث قال: « إذا ما تحدثنا عن أضرار الإفراط في تناول القات بشكل عام فهناك أمراض كثيرة جدا بل وقاتلة يأتي بها القات والإدمان عليه لساعات طويلة غير أن أخطرها على المتعاطي الأمراض السرطانية كسرطان الفم والفك وتقرحات في اللثة واللسان وفشل كلوي وتليف الكبد والبواسير والتهابات الغشاء المخاطي المبطن للفم واللثة وتسوس الأسنان ويبطئ من حركة الامعاء مما يسبب الامساك واضطرابات المعدة وعسر الهضم وفقدان الشهية وزيادة ضربات القلب والذي يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم مما يعرض الشخص السليم للإصابة بمرض ارتفاع ضغط الدم أما الشخص المصاب بمرض الضغط مسبقا فيكون معرضا للموت المفاجئ..
وعن علاقته بمرض الضغط ومرض السكر يقول الدكتور سهيل: يؤدي الافراط في مضغ القات إلى زيادة نسبة السكر في الدم مما يجعل متعاطيه أكثر عرضة للإصابة بمرض السكري , أما الشخص المصاب بالسكر مسبقا فإنه يعمل على مضاعفة نسبة السكر في الدم وبالتالي يجعله معرضا للموت في أي لحظة « ويرى الدكتور سهيل أن الافراط في مضغ القات في شهر رمضان بمثابة كارثة صحية ويقول « بما أن تناول القات يؤدي إلى اضطرابات في المعدة وفقدان الشهية فإن الجسم لا يحصل على ما يحتاجه من الغذاء والسعرات الحرارية سواء عند الإفطار أو عند السحور وبالتالي يتعرض المفرطون في تناول القات إلى العديد من الأمراض الخطيرة خصوصاٍ أولئك الذين يعانون من بعض الأمراض كالضغط والسكر فيكونون أكثر عرضة من غيرهم .

الهستيريا
أما أمين الكلابي أخصائي علم نفس فقد تحدث من جانبه عن الأضرار النفسية وقال: إن الإفراط في تناول القات له آثار سلبية من الناحيتين النفسية والفسيولوجية, حيث يؤدي إلى بعض حالات انفصام الشخصية كما يؤدي إلى الهستيريا السمعية والبصرية ويؤدي إلى التحيز للأفكار الذاتية وعدم القبول برأي الآخرين والشرود الذهني والذهاب الى عالم الخيال وحب التهجم على الناس والتصرف بشكل غير منضبط, كما يسبب الكثير من التعب والأرق والقلق والنوم المتقطع. وعن الإفراط في تناول القات في شهر رمضان يقول « الإفراط في تناول القات ناتج عن إدمان غير عادي ولذلك فإن هذا الإدمان يجعل الشخص يتناول وجبة الإفطار مستعجلا وينتج عن ذلك تصرفات غير طبيعية تبعث القلق لدى الأسرة خصوصا الأطفال منهم وإذا حدثت تصرفات خاطئة من قبل بعض أفراد أسرته يقوم بإحداث مشاكل قد لا يحمد عقباها كذلك الحال يكون بعد انتهائه من تناول القات حيث يكون في حالة اكتئاب وضيق وفتور عقلي , وكل ذلك يجعله على خط التماس مع المشاكل الأسرية سواء مع الزوجة أو الأطفال.
قيم مفقودة
الاخصائي الاجتماعي شهاب الأحمدي حذر من الإفراط في مضغ القات في الشهر الكريم, حيث وأن هذا الشهر يعتبر محطة ربانية وفرصة ذهبية لأرباب الأسر في تقويم وتهذيب سلوك أبنائهم وبناتهم ,لا سيما في هذا الوقت العصيب على الأمة الإسلامية , أما إذا قضى الناس جل وقتهم في مضغ القات فإن الأسر تفقد القيم التربوية التي كان يفترض أن تعمل على تنميتها.
وتابع : من جهة أخرى تضيف مشكلة مضغ القات بكميات عبئاٍ اقتصادياٍ على ميزانية الأسرة حيث ينفق المدمن على القات نسبة كبيرة من دخله تتراوح ما بين الـ 30 و40% مما يؤثر على الحالة المعيشية للأسرة من جميع النواحي.
وقد أكدت دراسات عديدة أن الافراط في تناول القات سبب رئيسي لحالات العصبية والتشنج والمشاكل الأسرية بل والمجتمعية وذلك لاحتوائه على مواد كيميائية تصيب أجهزة الجسم بمقتل, ولهذا فقد أدرجت منظمة الصحة العالمية القات عام 1973م ضمن قائمة المواد المخدرة وذلك بعد ست سنوات من البحوث التي أثبتت خطورة شجرة القات على صحة الإنسان .
في ذات السياق حذرت منظمات مجتمع مدني محلية واقليمية ودولية من تناول القات بكميات كبيرة وفي أوقات طويلة لما له من عواقب ليس بمقدور المواطن اليمني تحملها .

أخيرا
ونحن نعيش ألم الحصار والعدوان البربري ألقى الوضع الاقتصادي الصعب بظلاله على الدخل القومي للبلاد ,وهذا بحد ذاته أثر بشكل مباشر على معيشة الأسر اليمنية ,إلا أن كثيرا من الناس استقطعوا ذلك العجز من قوت أو?دهم, فيما ?تزال قيمة القات على رأس مصروفاتهم وكأن الحياة لا تستمر إلا بهذه الأوراق الخضراء التي أنهكت كاهل كل أسرة يمنية يتناول أبناؤها هذه الشجرة في جلساتهم المسائية كل يوم.

قد يعجبك ايضا