بـديـل أفـضـل لـتـجـاوز مـعـضـلـة الأقـالـيـم

اولاٍ شكل الدولة:-
وصلنا في بحث سابق إلى نتيجة لا تقبل الشك أن اللامركزية الصارمة مهما اختلفت مسمياتها أو أشكالها قد شكلت الرافعة والضمان لاستمرار الحضارة الأوروبية وتشكل حجر الزاوية للحكم الرشيد ويبقى فقط الوصول إلى الحد الأمثل من اللامركزية الذي يناسب مجتمعنا. وفي تقديري أنه وباعتبار أن حجم بلادنا صغير فإن شكل الدولة البسيطة نظام الحكم المحلي واسع الصلاحيات يمكن أن يكون مثالياٍ لو ضمنا عدم ظهور رئيس مستبد يغير الدستور ويعيد بلادنا إلى وحل الاستبداد والظلم. فإذا لم نستطع تطوير نظام حكم محلي كامل الصلاحيات بضمانات كافية للاستمرار والتقدم فإن الدولة المركبة للنظام الاتحادي(الفيدرالي) من عدة أقاليم سيكون مناسب جداٍ ويؤدي الغرض بشرط أن يكون من عدة أقاليم لأن أي صيغة لاتحاد مكون من اقليمين سيكون مقدمة للانفصال والتشرذم وسفك الدماء وبالتالي سيكون طريقاٍ إلى الهاوية .
فبالإضافة إلى مافيه من ميزات سبق وإن ذكرناها فإن النظام (الفيدرالي) يوفر أرضية صلبة لإعادة الثقة في نفوس الكثير من أبناء المحافظات الجنوبية والوسطى وتهامة وبعدم العودة إلى نظام التسلط والاستبداد والإقصاء وهذا السبب بحد ذاته يكفي للانحياز لخيار النظام الاتحادي (الفيدرالي) رغم أن الكثير من الخبراء يعتبرونه خياراٍ صمم للدول كبيرة الحجم أو ذات الشعوب المنتمية لأعراق أو ديانات مختلفة أو متنوعة. والفيدرالية تأتي بعد الدولة البسيطة على مستوى العالم حيث أنها مطبقة في العديد من الدول وخاصة الكبيرة منها: (الولايات المتحدة الأمريكية وكندا والهند وباكستان وماليزيا واستراليا وبلجيكا والبرازيل والنمسا والأرجنتين ودولة الإمارات العربية المتحدة ونيجيريا وسويسرا) .

ثانياٍ: نظام الحكم:
في حالة اختيار الدولة المركبة كشكل للدولة فإن النظام الرئاسي كما يطبق في الولايات المتحدة الأمريكية هو الافضل وفي هذا النظام يتولى رئيس الدولة الإدارة الفعلية للسلطة التنفيذية ومباشرة شؤون الحكم مع نائبه المنتخب معة وبدون وجود رئيس حكومة سيكون الأنسب والأفضل للأسباب التالية:
1- إن بلادنا من أصغر البلاد التي تطبق النظام الاتحادي (الفيدرالي) فإذا ما طبقنا نظاماٍ اتحادياٍ فإن معظم المهام التي عادة توكل للحكومة المركزية ستصبح من صلاحيات حكام الأقاليم أوالمخاليف أوالمحافظات. ولن يبقى من اختصاصات الحكومة المركزية إلا الوزارات السيادية بالإضافة إلى وضع الاستراتيجيات والتخطيط والإشراف بالنسبة للوزارات الأخرى وهذه مهام يستطيع الرئيس ونائبه القيام بها ولا تحتاج إلى رئس وزراء .
2- لو تم قبول رئيس وزراء أو نظام برلماني على مستوى المركز فالاحتمال الأكبر أن يسبب إرباكا كبيراٍ إذ أن هناك مخاطر أن يدور صراع بين رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية أو تنازع اختصاصات وصراع آخر أو تنازع الاختصاصات بين رئيس الوزراء ورؤساء الأقاليم أو المخاليف .
3- قد نعود لتكرار سلبيات النظام السابق حيث كانت الصلاحيات في أغلبها بيد رئيس الجمهورية ومع ذلك تحمل المسئولية على رئيس الوزراء الذي استخدم كمشجب في كثير من الحالات لتغطية هفوات النظام أو يقدم كقربان كل ما وصل النظام إلى طريق مسدود.
فمن ميزات النظام الرئاسي أن الرئيس ونائبه ينتخبون مباشرة من الشعب وأنهم مسؤولون مسئولية مباشرة أمام الشعب وبالتالي سيعملون بكل حرص وبأعلى مسئولية وإقتدار . إذ ليس لديهم أدنى مجال للتهرب من المسئولية.
4- النظام البرلماني يجعل السلطة كلها في كل من الاقاليم والحكومة المركزية في يد الأغلبية ويهمش الأقليات البرلمانية. بينما في النظام الرئاسي يمكن ان يكون الرئيس من حزب غير الاحزاب التي تحكم الاقاليم.
5- يبدو أنه غير مناسب أو غير فعال للدول ذات التجربة السياسية الحديثة إذ تحتاج إلى وعي وإدراك سياسيين عاليين إضافة إلى تعميق التجربة الحزبية .
وبالتالي فهو يؤدي إلى ظاهرة عدم الاستقرار بسبب الخلافات التي تنشأ بين الكتل البرلمانية المشكلة للحكومة وكثرة تغيير الحكومات في الدول الفقيرة عادة ما تسبب في خسائر كبيرة وتعطيل الحياة .
6- غالباٍ ما يكون رئيس الحكومة أكثر طغياناٍ لأنه يعتمد على ديكتاتورية الأغلبية في مجلس النواب ويستقوي بها.
هذا فضلاٍ عن ميزات أخرى عامة للنظام الرئاسي منها:-
1- يوازن بين توفير فرص أفضل لعمل وحرية الحكومة بالمقابل يوفر للبرلمان أو ممثلي الشعب صلاحيات واسعة في الانتقاد والرقابة والتشريع والمناقشة .
2- ضمان استقرار الحكومة والإستقرار السياسي والاقتصادي بغض النظر عن التوترات الحزبية وغير الحزبية.
3- باعتبار أن الرئيس منتخب مباشرة من قبل الشعب فإنه يكون في حل من الولاءات الضيقة ويتمتع بهيبة وشعبية كبيرة .
4- ولأن نائب الرئيس ينتخب مع الرئيس من قبل الشعب فإنه يتمتع بصلاحيات واسعة يفيد بها الرئيس بتخفيف الأعباء عليه ويفيد الشعب ويشكل ضماناٍ لانتقال سلس وآمن للسلطة في حالة حصل ما يعطل الرئيس عن الاستمرار في أعماله .
مما سبق يتضح أن الدولة الاتحادية (الفيدرالية) بنظام رئاسي سيكون الخيار الأفضل وعليه يمكن بناء اقتراح الهيكل التالي كبديل أمثل بناء على طبيعة وحجم مجتمعنا من وجهة نظري :-
أ- السلطة المركزية أو الاتحادية (الفيدرالية) ويكون مقرها العاصمة وتتكون من السلطات التشريعية التنفيذية والقضائية على النحو التالي :-
– السلطة التشريعية وتتكون من غرفتين:
1- مجلس الشيوخ أومجلس الأقيال أو مجلس الإتحاد ويتكون من ثلاثة ممثلين لكل مخلاف أو محافظة أو ولاية بحيث يكون المخلاف دائرة واحدة بغض النظر عن عدد السكان في كل مخلاف وهو أمر يعطي وزناٍ أكبر للمخاليف أو المحافظات قليلة السكان . وهذا الأمر سيمكن المحافظات الجنوبية من شغل نصف المقاعد في الغرفة الأهم في البرلمان .
2- مجلس النواب :- ويتكون من مائة وخمسين عضواٍ ينتخبون على أساس عدد السكان في عموم الجمهورية ويفضل انتخابهم بالقائمة النسبية على مستوى كل مخلاف أو محافظة. وهو أمر يخفف من تأثير النعرات القبلية ويجعل المرشح ممثلاٍ للمحافظة وليس للقبيلة وعلى فرض أن عدد السكان 26.000.000 مليوناٍ فسيتم تقسيم عدد السكان على الدوائر بحيث يكون في كل دائرة 65ألف مواطن ولمعالجة الوضع لصالح المحافظات قليلة السكان يمكن توزيع الدوائر بحيث يكون مرشحاٍ لكل مائة إلى مائة واربعين ألف مواطن بينما تكون الدوائر في المحافظات كثيفة السكان مائة وستون ألفا إلى مائتي ألف مواطن.
هذا الأمر سيضيف ميزة أخرى للمحافظات قليلة السكان حيث تتمتع بعدد أكبر من أعضاء السلطة التشريعية.
ومن مهام السلطة التشريعية وضع القوانين الاتحادية وإعلان الحرب وتصديق المعاهدات ولها حق الرقابة والملاحقة وسلطة الإتهام وغيرها من السلطات التشريعية المعروفة .

– السلطة التنفيذية :-
ويقف على رأس هذه السلطة رئيس الجمهورية المنتخب مباشرة من الشعب ولمدة أربع سنوات. وله حق الترشح لفترة ثانية فقط على ان يضمن الدستور عدم جواز ترشيح أي من اقاربه بعد خروجه من السلطة إلا بعد مرور اكثر من عشر سنوات.
ويتكفل بحماية الدستور وتطبيق القوانين واقتراح مشروعات القوانين وله حق رفض المشاريع والقوانين ودعوة المجلس التشريعي إلى الانعقاد في الدورات الاستثنائية وتوجيه رسائل شفوية إلى المجلس وتعيين كبار القضاة والمساعدين والوزراء وكبار الموظفين بالحكومة المركزية والاتحادية. والقوات المسلحة كما أنه المسؤول بصورة أساسية عن الدفاع عن الدولة باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة وعن علاقاتها مع الدول الأجنبية وهو الذي يعين السفراء والقناصل ويستقبل السفراء الأجانب.
كما يمكنه منح العفو وإرجاء الأحكام في الجرائم الفيدرالية باستثناء التهم الموجهة إليه أو إلى أعضاء المحكمة العليا. وإنشاء برامج جديدة أو مناصب أو لجان أو وكالات لتنفيذ برنامج الرئيس وتنفيذ التشريعات التي يقرها المجلس التشريعي. على أن يكون للمجلس التشريعي والمحكمة العليا الحق في إلغائها أو تعديلهاوتكون ملزمة إذا لم ينقضها الرئيس. على أن يكون للمجلس النيابي حق تجاوز نقض الرئيس باقتراع لثلثي مجلس الأقيال. كما يمكن الاعتراض على الأوامر التنفيذيةعن طريق المحاكم في حالة انتهاكها للدستور أو القوانين النافذة وغيرها من السلطات المعروفة في النظام الرئاسي .
وينتخب نائب الرئيس مع الرئيس ويحل محل الرئيس في حال الوفاة أو فقدان الأهلية أو أقيل من منصبه إثر محاكمة أوإدانة .
يساعد الرئيس في إدارة الدولة العديد من الهيئات والمجالس والمستشارين يمكن الإشارة إلى أهمها كما يلي :
الوزارات التي يجب أن لا تزيد في رأيي عن خمس عشرة حقيبة باعتبار أن أغلب الصلاحيات قد انتقلت إلى الحكومات المحلية. وأرى أن تشمل الوزارات الآتية:-
• وزارة الخارجية
• وزارة الاقتصاد والتعاون الدولي (وتشمل صلاحيات التمويل والتجارة والصناعة والتخطيط والنقل ).
• وزارة المالية
• وزارة العدل
• وزارة التربية والتعليم
• وزارة الدفاع
• وزارة الداخلية والامن القومي
• وزارة الزراعة والمياه والبيئة
• وزارة العمل والشؤون الاجتماعية
• وزارة الصحة والخدمات الإنسانية
• وزارة الإسكان والتنمية الحضرية
• وزارة الطاقة وتشمل(النفط والكهرباء).
تتبع كل وزارة هيئات ومؤسسات وقطاعات تسهل تنفيذ مهامها كما تنشأ مجالس وهيئات ترتبط مباشرة بالرئيس تساعده في تنفيذ مهامه منها :
1- مكتب رئاسة الجمهورية .
2- المجلس الأعلى للشؤون الاقتصادية: ويتكون من الوزراء المختصين (الاقتصاد والمالية والخارجية والطاقة )وبعض رؤساء الهيئات وثلاثة من رؤساء المخاليف بشكل دوري وعدد من الخبراء الاقتصاديين وعلى أن يشكل الخبراء المستقلين من ذوي الكفاءة والمقدرة ثلث إلى نصف عدد أعضائه .
3- المجلس الأعلى للدفاع والأمن : ويتكون من وزراء الدفاع والداخلية والخارجية والمالية والاقتصاد والطاقة ورؤساء الأجهزه الأمنية ورؤساء المخاليف أو ثلاثة منهم بشكل دوري ومجموعة من الخبراء في الأمن والدفاع والسياسة والاقتصاد .
السلطة القضائية: وتتكون من المحكمة العليا ومجلس القضاء الأعلى أو المحكمة العليا فقط (بحسب رأي ذوي الخبرة في القضاء) بالإضافة إلى المحاكم الفيدرالية الأخرى . ويتم تعيينهم من قبل الرئيس وبموافقة مجلس الأقيال وبترشيح من المجلس الأعلى للقضاء .
وللسلطة القضائية حق تفسير القوانين وإسقاطها في حالة تعارضها مع الدستور سواء كانت قوانين فيدرالية أم محلية . بالإضافة إلى القضايا الأخرى التي يحددها القانون .
ويعتبر القضاء مستقلاٍ استقلالاٍ تاماٍ عن السلطة التنفيذية والتشريعية بحسب الضوابط المنصوص عليها بالدستور بحيث يضمن العدالة النزيهة والمساواة بين جميع المواطنين .
ب- المخاليف:
تتكون الجمهورية اليمنية من ثلاثة عشر مخلافاٍ (يمكن تسميته إقليم أو مقاطعة أو ولاية أو محافظة ولكنني فضلت إستخدام التعبير اليمني)على النحو التالي :
1- مخلاف المهرة 8- مخلاف إب ويشمل وصاب والمنطقة الساحلية غربه
2- مخلاف حضرموت
9- مخلاف ازال ويشمل صنعاء وذمار
3- مخلاف شبوة
10- مخلاف الحديدة ويشمل المحويت وريمة
4- مخلاف أبين
11- مخلاف حجة ويشمل عمران وصعده
5- مخلاف لحج ويشمل الضالع
12- مخلاف أمانة العاصمة
6- مخلاف سبأ ويشمل مارب والجوف والبيضاء
13- المنطقة الحرة عدن
7- مخلاف تعز
وبهذا نكون قد حققنا ميزة الحجم الاقتصادي الأفضل بقدر الممكن مع المحافظة على البساطة في الإدارة وبأقل تكلفة ممكنة فتقليل عدد المخاليف إلى خمسة أو سبعة سيضطرنا إلى إضافة مستوى إداري وسيط بين قيادة الإقليم أو المخلاف والمواطن وهو (المحافظة) وهو ما يزيد من تعقيد وصعوبة الإدارة ويمكن يؤدي إلى تنازع السلطات بين قيادة المخلاف وقيادة المحافظة.
ينقسم كل مخلاف إلى عدد من النواحي أو البلديات يديركل منها مجلس محلي منتخب بهذا البديل يكون لكل مخلاف برلمان أو مجلس نواب من غرفة واحدة أو مجلس واحد ينتخب أعضاؤه بنفس طريقة انتخاب أعضاء مجلس النواب الاتحادي ولمدة ست سنوات ولا يحق للعضو إعادة ترشيح نفسه لبرلمان المخلاف ولا للبرلمان الاتحادي إلا بعد مرور دورة انتخابية أو دورتين على أن لا يزيد عدد أعضاءه عن عدد البلديات أو النواحي بحد أقصى ثلاثين عضواٍ ولا يقل عن عشرين عضواٍ .
كما تتكون السلطة التنفيذية بالمخلاف من رئيس أو حاكم ونائب منتخب من قبل مواطني المخلاف لمدة خمس سنوات وبإمكانه الترشيح لدورة ثانية فقط ويساعده مجلس تنفيذي مكون من مدراء ورؤساء المجالس المحلية والبلديات والذين يعقدون اجتماعات دورية كما يساعده في إدارة شؤون المخلاف عدداٍ من الوزراء المحليين أو يمكن تسميتهم كتاب دولة .
ويتكون مجلس الوزراء المحلي أو المجلس المحلي على النحو التالي:-
1 – وزارة الاقتصاد ( ويشمل اختصاصات التخطيط والنقل )
2- وزارة المالية
3- وزارة الصحة والخدمات الإنسانية
4- وزارة العدل
5- وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل
6- وزارة التربية والتعليم
7- وزارة الإسكان والتنمية الحضرية
8- وزارة الداخلية
9- وزارة الطاقة
10- وزارة الزراعة والمياه والبيئة
هذا فضلاٍ عن مكتب الحاكم ورئيس المخلاف والهيئات والمؤسسات والمجالس المحلية التي تعينه على أداء عمله على أكمل وجه كما تدار البلديات أو النواحي من قبل مجالس بلدية منتخب مباشرة من مواطني البلدية .
ثالثاٍ: السلطة القضائية: ويعتبر القضاء مستقلاٍ استقلالاٍ تاماٍ عن السلطة التنفيذية والتشريعية بحسب نصوص الدستور .
والله ولي الهداية والتوفيق

* استاذ الاقتصاد السياسي
رئيس مركز دراسات النهضة
رئيس الجمعية اليمنية للنهضة

قد يعجبك ايضا