أجور النقل بين المدن ..”مزاج السائقين” يحدد التسعيرة!

 الزيادة وصلت إلى ٪500 ولا وجود لأي رقابة

منذ أن طافت طائرات العدوان الأرض اليمنية في السادس والعشرين من مارس الماضي لبس الشعب اليمني لباس الخوف والجوع والمهانة ليس من الحرب ذاتها فهم أسيادها ولكن من شبح استغلال الأزمات التي تخلفها الحرب ..
فشحة المشتقات النفطية خلق مشاكل كثيرة في مختلف نواحي الحياة اليومية للمواطن اليمني وعلى رأسها ارتفاع أجور النقل بين المدن اليمنية  .. التحقيق التالي يرصد مدى استغلال سائقي السيارات الأجرة  لأزمة المشتقات النفطية والرقابة من قبل الجهات المختصة .. 
* الهدنة لم تحل المشكلة ومعاناة الناس على الخطوط الطويلة في تصاعد
ما إن يشتم سائقو المركبات  رائحة أزمة المشتقات النفطية إلا ويسارعون إلى وضع تسعيرة جديدة حسبما يمليه عليهم هواهم ومزاجهم فيضاعفونها إلى أضعاف كثيرة في الوقت الذي ليس أمام المواطن سوى الرضوخ لأمر نوائب الزمن وتسعيراته وهو أمر اعتاد عليه الناس خلال السنوات الأربع الماضية وهي ذات الفترة التي كانت أزمات المشتقات النفطية ترافق كل خلاف سياسي بين الفرقاء لكن ثمة مفارقة بين استغلال الأزمات الماضية والأزمة الحالية , فالآن تعمقت أزمة المشتقات النفطية بدرجة كبيرة وتعمق معها استغلال السائقين بذات الدرجة إذ ضاعفوا سعر الراكب الواحد المتنقل بين المدن اليمنية إلى أضعاف كثيرة تصل عند غالبيتهم إلى أكثر من 500% حتى مع هدنة الـ5 أيام التي لم تحل المشكلة بعد..
ويظهر مدى هذا الاستغلال بمجرد حسبة تكلفة شراء مادة البنزين أو الديزل المتفاقم في الانعدام يوما تلو الآخر بسبب الحرب التي شنتها السعودية على اليمن ونسبة أرباح السائقين حينها سنجد أن القيمة الشرائية لمشتقات النفط  ليست سوى نسبة بسيطة من إجمالي التحصيل فأجور نقل الراكب الواحد من صنعاء إلى تعز تجاوزت ـ عند البعض ـ اثني عشر ألف ريال بينما عند آخرين تتذبذب بين الزيادة والنقصان .
وبناء على عملية حسابية أجريت فإن نقل أي “باص”  لـ 16 راكباٍ من صنعاء إلى تعز بمبلغ 12 ألف ريال فإن المحصول سيكون 192 ألف ريال في الوقت الذي ستكون القيمة الشرائية لأربعين لتراٍ بنزين ـ وهو الكمية المستهلكة في الغالب لذات الطريق ـ لن تتجاوز أربعين ألف ريال وخط صنعاء تعز ليس الوحيد في هذا الاستغلال فكل الطرق التي تربط المدن اليمنية يتعامل سائقوها بذات الطريقة وبنفس الأسلوب .
أسعار جنونية
كاتب التحقيق حاول جاهدا رصد أي وجود للرقابة التي من المفترض أن تقوم بها مكاتب النقل وهيئات تنظيم النقل بالمحافظات على الأسعار المفروضة على المواطنين المتنقلين  بين المحافظات غير أنه على ما يبدو أن الرقابة في سبات عميق ولا تملك أي خطط لإدارة الأزمات وكأن طبيعة عملهم التواجد في أيام السلم , بينما أيام الحروب على المواطن أن يتدبر أموره , ونتاجا لذلك أضحت أجور النقل بين المدن تحدد بحسب مزاج السائقين وأهوائهم لا غير.
منير عبادي الشاب البالغ من العمر ثمانية وعشرين عاما  ورب أسرة مكونة من طفلين وزوجة   يعمل في مدينة صعدة كموظف حكومي براتب لا يتجاوز خمسة وأربعين ألف ريال   النصف منه ينفقه في إيجار المنزل والباقي يتدبر به القوت الضروري للأسرة  ظل منير في عمله مرابطا أكثر من شهر من حصول العدوان على اليمن وبعد اشتداد الضربات الجوية على مدينة صعدة قرر أن ينجو بأسرته حتى لا يصيبهم أي مكروه لكن أجور النقل الخيالية التي فرضها سائقو الأجرة كبلت حيلته ولم يعد يقوِي حتى على التفكير بالسفر حيث إن المبلغ المطلوب توفيره للوصول إلى مدينته الأم “تعز ” يتجاوز بكثير ما يحوزه في جعبته وبعد يومين من الانتظار ــ لفرج لم يكن ينتظره رغم الأمل  ــ جاء أحد أصدقائه ليقرضه ما يحتاجه من المال وانتقل منير وأسرته إلى مدينة تعز بمبلغ تجاوز 70 ألف ريال وقد كان بالسابق لا يتجاوز عشرة آلاف ريال .
معاناة أخرى
استغلال  ارتفاع أسعار المشتقات النفطية بسبب شح تواجدها في السوق لم يقتصر على حركة تنقل المواطنين بين المدن وحسب بل تعدى إلى ما هو أبعد من ذلك حيث القوت الضروري للمواطن الذي يرتبط أمر الحصول عليه بتوفر المشتقات النفطية وهو الأمر الذي يعني حصول سائقي المركبات الأجرة ممن يملكون المشتقات النفطية على فرص أكبر للربح وذلك من خلال استغلال حاجة الناس لحاجاتهم الأساسية .
عبدالعالم الحبشي مواطن انتهت به الحرب إلى ساحل المعاناة في ظل شح الإمكانيات من جهة وتوقف جميع الأعمال الحرة التي كان يعمل فيها من جهة أخرى أعلن هذا الرجل حالة الطوارئ القصوى داخل منزله قبيل نفاد مستلزمات الأسرة وعلى رأس القائمة ذرات الدقيق وبعد أن انتهى كل شيء لجأ الرجل إلى أحد سائقي سيارات الأجرة ليشتري له كيسا من الدقيق ليتدبر أمور أسرته على الأقل لأيام قادمة فلم يكن من السائق إلا أن أنزل على رأس الرجل الويل والثبور وأبلغه أن ما يطلبه غير موجود في السوق وأن البنزين أيضا غير موجود ولكن رأفة به سيذهب إلى مكان بعيد ـ لم يسمه له ـ وسيشتري ذاك الطلب ولكن بشرط أن السعر سيكون مضاعفاٍ بنسبة   300% أي أن السعر سيتعدى تسعة عشر ألف ريال بينما السعر الحقيقي لا يتعدى أربعة آلاف وسبعمائة ريال وفي نهاية المطاف تم ما فرض على الرجل المسكين والمغلوب على أمره .
الوضع صعب
 سائقو سيارات أجرة كانت لهم نظرتهم الخاصة حول الموضوع حيث يقول محفوظ محمد  أحد سائقي السيارات الأجرة النشطون في خط صنعاء تعز: ” الجميع يعلم أن البنزين والديزل شبه منعدم رغم أن محطات بدأت بالعمل لكن هناك  صعوبات في  الحصول عليه وقد تحتاج لأيام للانتظار في طوابير طويلة  فنضطر لشراء الدبة البنزين عشرين لتراٍ  بعشرين ألفاٍ هذا إن وجدت وإلا فالغالب أننا لا نجدها وبالتالي نحن غير قادرين على نقل الناس بنفس الأجور السابقة أو حتى بأعلى منها بقليل لأن في هذا إجحافاٍ كبيراٍ بحقنا .
 الرقابة والأزمة
غياب الرقابة على جميع الخطوط عمق المشكلة بدرجة لا يمكن تصورها إذ أجحف سائقو الأجرة بحق المواطنين, مستغلين  مشكلة انعدام المشتقات النفطية  وشحه توفرها حاليا , لذا فإنه من غير المعقول استمرار صمت الجهات الرسمية عن هذا الوضع.

قد يعجبك ايضا