العدوان يفاقم معاناة الملايين

على قارعة الجرح الذي خلفته عاصفة  العدوان الهمجي يفترشون معاناتهم, وقد تبددت  أمنياتهم وانكسرت ـ  من بين أيديهم ـ مرايا تلك الأمنيات.. أصحاب المهن الحرة الذين يصل عددهم مع من يتولون مسؤولية إعالتهم  إلى النصف  من سكان المجتمع اليمني يتمرغون اليوم في صحارى الحرمان من أجل لقمة العيش بعد أن كسرت طائرات العدوان السعودي مرايا أمنياتهم ليس في العيش الكريم ـ رغم أنه من حقهم ـ بل  في مواصلة الحياة وحسب كيفما كان شكلها فحرمتهم من  فرص العمل التي كانوا يعتمدون عليها كليا وذلك بتوقف كامل الأنشطة التنموية في عموم المحافظات, وكذا إغلاق الكثير من المحلات التجارية الصغيرة والمتوسطة التي كانت تستقطب الكثير من هؤلاء البسطاء .. التحقيق التالي يوضح حجم المأساة التي خلفها العدوان على أصحاب المهن الحرة أو بالأحرى ذوي الدخل اليومي غير المستمر .. نتابع:

أكثر من عشرة ملايين يمني وضعهم القدر في خانة الفقراء التعساء المنهكين والمنهوبين من كامل  الحقوق, إلا من الحق في التنفس ومواصلة الحياة ومع  ذلك “لا يسألون الدولة إلحافا” .. أغلب القاطنين في هذه الخانة المنسية من صفحات “الحياة الكريمة ” هم من الشباب وأرباب الأسر ورغم ذلك  لم يستسلموا لمتاهات الوضع ولم توقفهم حباله الملتوية على خواصرهم, فانطلقوا يبحثون عن القوت الضروري لهم ولأسرهم في كل مكان في البناء والتعمير وفي الدكاكين الصغيرة والبقالات وفي المطاعم والمولات وفي أماكن أخرى لا تقل صعوبة عن سابقاتها وفي الوقت الذي كان العاملون في هذه المهن يغرقون بمتاعب الحياة كون الفائدة منها لا تكاد تفي بالأغراض الأساسية لأسرهم تضاعفت معاناتهم أكثر بسبب العدوان السعودي ليفقد الكثير من هؤلاء  ما كانوا يملكونه من مصدر رزق لهم ولأسرهم ليرتموا في أحضان الحرمان منذ انطلاق العدوان في الـ26 من مارس الماضي وإن استمر الأمر أكثر من ذلك فقد يكون مصيرهم كارثياٍ.
ربيع الصبري باحث أكاديمي وناشط حقوقي ومهتم بشريحة العاملين في المهن الحرة يصف لنا واقع هذه الشريحة من الناس فيقول ” منذ العام 2011م والأوضاع الاقتصادية للأسر اليمنية تزداد مأساتها يوماٍ بعد يوم ورغم ذلك فإن الكثير ممن يعتمدون على المهن البسيطة  ـ على الأقل ـ لم يفقدوا  لقمة العيش طوال هذه الفترة وظلوا يصارعون الحياة بإصرار وصمود لكن هذا الصراع توقف فجأة منذ أن دشن العدوان السعودي غاراته على الأراضي اليمنية والذي تسبب في وقف المشاريع الإنمائية التي كانت تنفذها شركات المقاولات في مناطق عدة في عموم الجمهورية كما تسبب العدوان  بنزوح السكان من مناطق كثيرة في بعض المحافظات وعلى رأسها صنعاء وعدن وهو الأمر الذي أدى إلى شل الحركة وبالتالي أغلقت الكثير من المحلات التجارية الصغيرة والمتوسطة التي تعتمد الأجر اليومي للعاملين فيها كل ذلك ـ بالتأكيد ـ أدى إلى فقدان  الكثير من أرباب الأسر والشباب العاملين في المهن الحرة فرص أعمالهم وباتوا اليوم غير قادرين على الوفاء بالتزاماتهم وتوفير أساسيات احتياجاتهم المعيشية لهم ولعائلاتهم خصوصا وأن طبيعة أعمالهم المفقودة لم تكن لتوفر لهم مبالغ مالية يدخرونها لأزماتهم فهي “بالكاد” توفر لهم  المصروف اليومي الضروري .
نموذج
يوسف الطيب شاب في السادسة والعشرين من عمره أنهى دراسته الجامعية وانتهى به الحال إلى أرصفة الأعمال الحرة التي يفترشها الكثير من أبناء المجتمع اليمني كان يوسف يشجب حظه ويرثي لنفسه فهو لم يكن ليقتنع يوما بمهنة كهذه ومع مرور الوقت تبين للشاب أن الحظ التعس الذي كان قد رضي به رفيقا في حياته لم يرض به  إلا بأوقات نادرة   فكان يستغرق نصف الأسبوع بحثا عن عمل والنصف الآخر يعمل فيه كمساعد بناء ليوفر لنفسه ولأسرته القوت الضروري في الحياة وبينما هو على هذا الروتين المحبط جاء ما لم يكن بالحسبان حيث فقد نصف أيام الاسبوع التي كان يعمل فيها  وذلك بعد أن اجتاح سماء الوطن عاصفة الهدم والقلق “عاصفة الموت” وتسببت في  شل الحركة في أغلب محافظات الجمهورية وتوقفت أعمال البناء والإنشاء وأغلقت الكثير من المحلات التجارية الصغيرة .
 الطيب ليس الوحيد في هذه المأساة, فغيره الكثير والكثير ممن اكتووا بنار الحرمان الذي سببته طائرات العدوان السعودي.
وهذا المقاول عبدالكريم الوجيه يتحدث عن عشرات العمال الذين كانوا يعملون معه في المشاريع التي ينفذها سواءٍ للدولة أو للمواطنين وقام بتسريحهم رغماٍ عنه بعد أن توقفت كامل أعماله .
ويشير الوجيه إلى أن ما يبعث على الحزن أكثر تجاه هؤلاء العمال هو أن أغلبهم يقع على عاتقهم أسر كبيرة يتولون رعايتها في الوقت الذي لا يجدون لأنفسهم أي طريقة أخرى لتوفير احتياجاتهم الضرورية .
خوف وبلاء
عمال بالجملة ممن التقينا بهم لم يعودوا يتحدثون عن مرارة الألم الذي تجرعوه في الأيام السابقة وهم يفقدون أعماله, بل تخطوا ذلك إلى ما هو أخوف منه ويقول علي السودي أحد عمال الأجر اليومي في أمانة العاصمة ورب أسرة مكونة من خمسة أبناء ” مر ـ إلى الآن ـ أكثر من ستة أسابيع وطائرات العدوان لم تتوقف عن غاراتها وبالتالي لم نتمكن من الحصول على أية فرصة عمل خلال هذه الفترة وما يخيفنا هو أن استمرار العدوان السعودي على أراضينا وتوسعه يوما بعد آخر يعني أننا سنعاني أكثر” .
هنا يجهش السودي بالبكاء وهو يتمتم في نفسه كلمات الأسى والفجيعة ويتساءل والدموع تسيل على خدوده التي لم يبق له الشقاء منها سوى الجلد الشاحب ” من أين سنطعم أولادنا ونحن على هذا الحال .. من سينهي معاناتنا ¿.
كارثة ستحل
مخاطر حقيقية تتربص بالكثير من الأطفال والنساء وكبار السن وخلال فترة وجيزة ـ لا سمح الله ـ إذا ما استمر العدوان على اليمن فاستمرار العدوان يعني فقدان أسر كثيرة جداٍ للغذاء الأساسي الذي هو الآن على وشك النفاد لا سيما وأن أكثر مدة للادخار في الأسر اليمنية لا تتعدى شهراٍ واحداٍ في الغالب فهل سيقف العالم إلى جانب الشعب اليمني أم أن صوت الإنسانية لا يستمعون إليه رغم أنه يصم آذانهم ¿

قد يعجبك ايضا