العدوان مستعر.. والحياة مستمرة

مواطنـون: صامدون وشعبنا اليمن عصيْ على الإذلال

نستيقظ وننام على القصف ومعاناتنا لن تزيدنا إلا صموداٍ وحبا في التضحية من أجل يمن حر لا ينصاع للمساومات

تجار: إقبال على مقاهي الانترنت والمطاعم ومراكز التسوق كالمعتاد

استمرار القصف لا يعني أن الناس لم تعد بحاجة لمقومات وعناصر الحياة سواء الضرورية أو الكمالية

¶  البترول والديزل والغاز منعدم.. غير أن حركة الشوارع والخطوط الطويلة لاتتوقف

الكهرباء مقطوعة والهواتف والنت شغال على مدار 24 ساعة النفوس محبطة والأمل يشع من حديث كل عامل ومن قلب كل عاطل ومن ابتسامة كل عابر.. هذا هو واقع الشعب اليمني رغم مرور خمس سنوات من الصراعات السياسية ورغم اقتراب الشهر والنصف على بدء العدوان البربري لعاصفة التحالف العربي بقيادة المملكة  السعودية..
 الصمود والتضحية والاستنفار المستمر لكل طاقات الأمل والتفاؤل بالنصر والسلام.. هي طقوس الحياة اليومية في كل الأرجاء اليمنية المختزلة في قلب العاصمة صنعاء.. في هذه المادة الاستطلاعية سنتابع كيف يحدث هذا تحت وقع الصواريخ الآتية من البحر وتحت هطل القذائف التي تمطرها 185 طائرة معادية مزودة بأحدث تقنيات التسليح الدولي في عصر منطق الغاب وشريعة الاستعلاء والغطرسة بالمادة والسلاح.. إلى التفاصيل:

بعد مرور ما يقرب الشهر والنصف من العدوان السعودي على اليمن بعاصمتها ومدنها وحتى بعض مناطقها النائية والريفية يبدو شارع الزبيري وسط العاصمة معافى وكما لو أن شيئاٍ لم يحدث البنوك والمشافي والشركات مشرعة أبوابها دون أي مشكلة العملة المحلية كعادتها والأسعار في المواد الغذائية وحتى أجرة الراكب في الباصات لم تزدد على حدها المعروف رغم انعدام المشتقات كل شيء على ما يرام رغم حجم الألم..
يقول أحدهم كان بجواري في البوفية وأنا أتناول وجبة الإفطار صباح الرابع من مايو الجاري:  البلاد بخير ما مقارنة بما قد يحدث في أي بلد تعرض لهذا الحصار وهذا القصف الذي كان يتوقع مرتكبوه أن الشعب اليمني سينهار في يومين وها نحن نشارف على الشهر والنصف لو كان لدينا دولة لانهارت تحت هذه الضربات الموجعة..
يبدو محقاٍ في حديثه فالمشهد كان يعكس ذلك ونحن نتناول وجبة الإفطار في البوفية الكائنة أمام منطقة البنوك في شارع الزبير تحديدا بالقرب من المستشفى الجمهوري فلا شيء يشير إلى أزمة الصراع وصلف العدوان سوى أصوات المضادات الجوية أما البشر فيتقاطرون سيراٍ على الأقدام نظراٍ لانعدام المشتقات وهذه هي الأزمة التي اعتادها اليمنيون وألفوها منذ زمن بعيد فليست وليدة الآن وإن كانت أشد وقعاٍ على الناس..
جاهزية شعبية
في وسط قلب ميدان السبعين لم تمر دقائق على الضربات العدوانية إلا احتشد البشر وتقاطرت أسرابهم ليطلوا على نتيجة هذه الغارات الوحشية والبربرية التي تطال كل إنجاز غير آبهين باحتمال معاودة الغارة تلو الاخرى كما حدث في مخيم المزرق وفي يريم وغيرها من جهات اليمن الأربع.. أهم ما في الأمر أن هؤلاء البشر لا يحتشدون ليشاهدوا ما أسفر عنه العدوان فحسب بل وليؤكدوا أن اليمن ستبقى ما بقي صمود أبنائها وأنهم لا يعيرون الموت مخاوف الفناء والإبادة التي تتعمدها طائرات الأشقاء الذين جرهم الغي إلى مربع الإجرام في قتل البشر وطحن الحجر وقطع الشجر في يمن الإيمان وموطن العروبة والأصالة..
هذا ما لوح إليه أحمد الراجحي- أستاذ تربوي من الذين زاروا ميدان السبعين بعد استهدافه- مشيراٍ إلى أن اليمنيين بطبعهم جاهزون لكل طارئ فتجدهم في الكوارث الطبيعية والكوارث التي هي من صنع البشر والتي من أهمها هذا العدوان البربري على حضور دائم وصمود قلما تجده في شعب من الشعوب كما تجدهم أيضاٍ في أعلى درجات الجاهزية للإنقـاذ أو المواجهة في معارك الميدان -وهم المعروف عنهم البسالة والصمود والفروسية- أو حتى التحدي والصمود وإفشال وفضح كل ذرائع القصف الجــوي والعدوان السافر على الوطن ومقدراته..
وقال الراجحي: إن استمرار الناس في أعمالهم وفي محلاتهم وفي الأسواق والطروق لا يعني الاستسلام لقدر الموت تحت العدوان بقدر ما يعني التحدي والصمود ومواصلة الحياة بلا خوف من موت أو من عدو يستعلي بقوة سلاحه وتقدمه التقني على شعب فقير.. كما أن التفاف العامة وتوصلهم وتكاتفهم في مواطن الإنقاذ والمساعدات الإنسانية للمتضررين مبعث فخر وصمود وصناعة متقنة للمعنويات العالية. 
مشهد ظهيرة الزلزال
 الساعة تشير إلى الواحدة والنصف ظهراٍ والحياة تدب في الأسواق والشوارع والمرفقات الحكومية والخاصة وفي هذه اللحظات كانت أدخنة الصاروخ البركاني الذي شهده جِبل فج عطان في تمام الساعة الحادية عشرة والنصف يوم الاثنين 20 إبريل الماضي- تخيم بسوادها ورمادها على سماء العاصمة.. فيما أزيز الطائرات يعبر أجواء العاصمة والمضادات الجوية تواصل مارثون السباق والمحاولات المستمرة على الاقتراب من الطائرات الشاهقة التي تفتح الصوت كمن يتحدى هذه المضادات في الاقتراب منه صواريخ عابرة للقارات تأتي من البحر أو من القواعد السعودية والتي كان المواطن العربي ينظر بمنتهى الفخر والاعتزاز لهذه القواعد وهذه الدولة القوية لعلها تكون الترس العربي الأصيل حين يشتد الصراع الوجودي بين المجتمع العربي والاحتلال الصهيوني لكن هذه الصواريخ وجهت صوب اليمن وليس إيران لتعبر هذه الصواريخ أجواء العاصمة صنعاء على ملأُ من العيون والمشاهدين لتصل إلى أهدافها التدميرية في أبشع صور الحقد على مقدرات الشعب اليمني..
كانت اهم مشاهد ذلك الزلزال المعادي الذي هز العاصمة صنعاء هي صمود الناس وخروجهم إلى الشوارع إلى حيث الضرر الذي امتد سبعة كيلوا متر في حدة والستين الجنوبي وإلى الصافية كما هرع الناس بمعنويات عالية للمستشفيات وبنوك الدم للتبرع بالدم..
 كنت على مدخل سيتي مارت –وسط أحياء الكويت والدائري- حــين كان الدخان يخيم في سماء العاصمة بعد استهداف جبل عطان بصاروخ ضخم مرحم دولياٍ المواطنين يتزاحمون في مداخل ومخارج السوق.. قال الصديق “صادق حسان”- أحد المتسوقين- سنظل نواصل الصبر والصمود والإصرار على الحياة ولن نعدم الوسائل حتى نموت الموت لن يتأخر أو يتقدم سيأتي في الأجل المكتوب له سواء بطائرة أو حادث مروري أو رصاصة أو طائشة أو غيره..
كان حسان يتحدث بحزم وتفاؤل ويؤكد لنا ومجمــوعة من المتسوقين أن استمرار العدوان يعني استمرار الصبر والصمود واتقاد الغيض تجاه من يرتكبون هذه الجرائم بحق الشعب اليمني إذ لا مفر من القضاء العادل وأن الحق لن يضيع مهما أحاطت الظروف بالشعب اليمني فحقه محفوظ على مر التاريخ وهو المنتصر على مر العصور والمعادلات التاريخية..
الظلام والحياة
رغم الظلام الدامس في العاصمة صنعاء إلا أن الحياة تبدو في أوجها الكل يكافح في محله التجاري أو ورشته بمولده الخاص ففرص الحياة لم ولن تجد طريقاٍ مسدوداٍ في قواميس اليمنيين فرغم الظلام الذي يعجْ على صنعاء محاولاٍ إطفاء ذبال الحياة فيها إلا أن ضوء الأمل والحب والعمل والتطلع إلى مستقبل سيفضي به حاضر المعاناة إلى إشراق دائم حتى المولــدات والمواطير بضجيجها تستميت في إنعاش قلب الحياة في عاصمة عصية على الموت والخوف.. فالعدوان الذي يقترب من الأربعين يوماٍ لم تمكنه غطرسة واستعلاء مرتكبيه من إغلاق مقاهي النت ومراكز التسوق حتى التي تهشمت نوافذها جراء القصف في حدة وعصر والسلامي والمصباحي وغيرها..
يقول عبدالله عزالدين – من سكان عصر صاحب مقهى أنترنت: رغم الظروف المحدقة والمحيطة بالخطر على كل أزقة وشوارع صنعاء إلا أن هناك إقبالاٍ على مقاهي الانترنت بشكل لا يتصور ربما لأن انقطاع الكهرباء دفع بمن يريدون متابعة الأخبار والأحداث إلى البحث عن بدائل للقنوات الفضائية.. موضحاٍ في نفس الوقت أن الإقبال ليس فقط على مقاهي الإنترنت بل المحلات والبوفيات والمطــاعم ومراكز التسوق وغيرها..
نماذج وصور الصمود اليمني ومشاهده التي تبعث على الفخر والاعتزاز في النفس كثيرة ولا يتسع المقام لإيجازها لكن الكثير من المحللين هنا والمتابعين للحالة اليمنية يرون أن هذا الصمود هو جزء كبير من قاعدة الانتصار للسيادة اليمن وحق شعبها الإنساني..
 كما تظل مشاهد الصمود في نظر العالم – حسب أولئك المحللين- هي مبعث الأمل والتفاؤل إذ لم تمر أي دولة أو بلد بأزمة أبدية ولا بسلام أبدي فالظرف استثنائي وسيزول كيد الظالمين ويرتد في نحورهم عما قريب..

https://www.althawranews.net/pdf/2015/05/09/09.pdf

قد يعجبك ايضا