عدن.. مأساة لا تخطئها العين

حين يعزْ الخبز ويفتقد الماء  ويسود الظلام.. يتألق الفقر وتبرز الجريمة
عديد الناس يتضورون جوعاٍ ومنهم من يبحث عن غرفة ماء ونازح يبحث عن مأمن له

عدن مدينة منكوبة قد تختزل هذه العبارة ما يعانيه أبناء عدن هذه الأيام ولكنها لا تتكفل بتجسيد حقيقة المعاناة .
انها مدينة مقطعة الأوصال ان تكتوي أي مدينة من مدنها بلظى الحرب يعني ان تستفرد هذه الحرب بأبناء هذه المدينة وان لا تترك لهم مجالاٍ للفكاك من أسرها¿
لهذا تتعاظم المأساة ونسمع عن قصف وتدمير يطال المنازل والمصانع والمصالح العامة ونزوح جماعي إلى مدن آمنه أو محافظات أخرى أو شرقاٍ باتجاه جيبوتي والصومالونسمع عن انهيار كامل لمنظومة الأمن الغذائي والمائي في هذه المحافظة التي تشتد فيها المعارك هذه الأيام.
للوقوف على حقيقة المعاناة “الثورة” التقت مجموعة من المواطنين هناك الذين تحدثوا بأفواه متهدجة كمرادف طبيعي من حالة انعدام الشعور بالأمان والخوف الذي يرزحون تحت وطأته.. وكانت هذه هي المحصلة:
البداية كانت مع المواطن/ طه مروان من أبناء دار سعد والذي تحدث بإفراط عن معاناته قائلاٍ:
يا أخي نحن أشبة ما نكون في الجحيم القصف يأتينا من كل مكان ولا تستطيع ان تميز من صاحبك من عدوك كل شيء في المدينة مستهدف أي حركة كانت في الشارع أو كانت على سطح المنزل مستهدفة إن لم يأتك القصف من السماء جاءك من الأرض الطيران يقصف والدبابات تقصف والقناصة بالمرصاد فإلى أين المفر.
ويضيف: المعاناة أكبر من أن تتصور وأن نتصورها نحن أبناء المدينةإذا أردت ان تشتري حاجتك من البقاله فعليك أولا ان تغامر بروحك ناهيك عن كون هذه البقالات والدكاكين قد اغلقت أبوابها وما يفتح منها فلا يزيد عن بضع ساعات وان توفقت في الوصول إليها سالماٍ فلن تسلم من اخذ دورك أمام جمهرة واسعة من الناس الكل ينتظر ليشتري حاجته.
واستطرد: وأما عن الماء فحدث ولا حرج الماء مقطوع إلا من بعض الأحياء فقط وهو إن وصل فلا يصل إلا في ساعة متأخرة من الليل في المجمل إذا أردت ان تحصل على حاجتك من الماء فعليك أن تغامر بروحك ايضاٍ.
وأردف: أما عن المخابز فأنت لا تضمن حتى أن تحصل على حاجتك من المخبز إلا إذا ذهبت في ساعة مبكرة واخذت دورك في طابور طويل وعريض وفوضوي وقد تعود إلى منزلك من دونه المأساة كبيرة وكما قلت لك في البدء فهي عصية عن الوصف والتجسيد.
أنا احدثك عن قله قليلة من أبناء عدن تستطيع ان تنهض مالياٍ بأعباء حاجتها من الغذاء والدواء أما الغالبية العظمى فهي تملك شر ونفيرولا تجد لها معين غير الله.

نزوح وتشرد
أما الأخ/ حسن سالم عبيد احد النازحين من دار سعد إلى التواهي فيقول:
تركنا كل ما نملك في دار سعد نجاة بحياتنا إلى التواهي ومع هذا فالحرب تلاحقنا والآن ما فيش أمامنا إلا للجوء إلى الصومال وجيبوتي بعد ان تقطعت بنا السبل .
وأضاف: الحرب خبيثة وشرسة وشيطانية وهي لا تميز بين مدني وعسكري بين مقاتل وغير مقاتل الكل هدف والكل تأثر بهذه الحرب العبثية.
كنا امنين في بيوتنا نعول أسرنا فما الذي حصل حتى ينتهي بناء النزوح والتشرد ولو كنت بمفردي لهانت علي مصيبتي واستطعت ان أتدبر أمري ولكني أعول أسرة من عشرة انفس ومعهم أمي القعيدة فلماذا هذا الجنون ولماذا لا يفكر تجار الحروب بالمعاناة لتي يتكبدها المواطنون البسطاء مع هذا اعتقد ان حالي أفضل بكثير ممن فقدوا أرواحاٍ عزيزة عليهم أو فقدوا عضواٍ عزيزاٍ من أعضائهم وهم كثر.

مدينة أشباح
وفي السياق تحدث أيضا الأخ / محمد رويس صالح من أبناء كريتر قائلاٍ:
يا أخي لا تقول لي ولا أقلك عدن في طريقها أن تتحول إلى مدينة أشباح ويبدو ألا مكان فيها أصبح آمنا المعارك تدور في كريتر في دار سعد والتواهي والمعلا وخور مكسر والمنصورة والجميع يدفع الثمن حتى المستشفيات لم تسلم فقد تم تدميرها ونهب محتوياتها.
ويضيف: لم يعد هناك لا غاز ولا ديزل ولا بترول ولا ماء ولا كهرباء و لا أفران وهناك من يتربح من معاناة الناس ويستغل حاجتهم فيبيع حاجة الناس من الغذاء والدواء بأضعاف مضاعفة.
لماذا هذا الهدم الممنهج لهذه المدينة المسالمة وما الذي فعلته عدن حتى تغرق في هذا الجحيم العبثي فكل شيء أصبح يدل في حياتنا على العبث والفوضى والمستقبل أصبح مظلماٍ للغاية والمصيبة ألا ضوء في نهاية النفق.

نقص الغذاء والدواء
أما الأخت / علوية سمير من أبناء المعلا فقد تحدثت إلينا بلسان ينضح بالمرارة والألم حيث قالت:
أيش يا أخي يشتوا نكون لاجئين في الصومال وجيبوتيويشردونا ويشردوا عوائلنا أطفالنا بلا مدارس وأمراضنا بلا علاج ما عاد فيش مكان امن وما عاد فيش تفكير بالإنسانالقي نظرة بس على الجثث في الشوارع وأنت بتعرف كم يساوي الإنسان عندنا.
اليوم يكفي ان تسلم بروحك وما عاد تفكر بحاجة ثانية وكل نهار ينتهي يضيف لك هم فوق الهم لازم تفكر بسلامتك من أول وجديد. 
بعض الأسر هنا ما دخلت بطونها أكل من ثلاثة أيام وبعض المرضى ماتوا من نقص الدواء غير أطفالنا المصفرين من الفجعةخلاص يا أخي كملت كلامي.

زوبعة في فنجان
 الأخ / نبيل محمد علي من أبناء خور مكسر قال:
يعيش أبناء عدن اليوم حالة يرثى لها جراء الأوضاع الراهنة التي تمر بها المحافظة فالمواطن يفتقر إلى عديد من المقومات الحياتية والصحة والأمن والغذاء بشكل نهائيبالإضافة إلى ما تشهده المحافظة من حاله الدمار للبنى التحتية وانعدام النظافة وانتشار الأوبئة في الشوارع نتيجة تكدس القمامة في الشوارع والحارات.
وأضاف: أنا اسكن في خور مكسر وبسبب الحصار  وانعدام الخدمات فيها اضطررت بالنزوح إلى كريتر ومنها إلى المنصورة أي ذنب اقترفناة لنعاقب ونحن ليس لنا ناقة ولا جمل.
واختتم بالقول: ندعو الله بأن يخرج بلادنا من الأزمة الراهنة سريعاٍ وتعود الحياة إلى طبيعتها حتى يتسنى للمواطن من ان يعيش حياة كريمة بعيدة عن الخوف الذي أصبح يرافقنا دائماٍ فاليمنيون إخوة وما يجري اليوم زوبعة في فنجان وبإذن الله تنتهي قريباٍ.

شحه البضائع
الأخ / سند محمد عبدالقادر صاحب بقالة بمديرية الشيخ عثمان يقول:
يمكن ان يكون الوضع في الشيخ عثمان هادئ ولكن نحن مضطرون بسبب حالة الفوضى التي تشهدها عدن أن نغلق محلاتنا بصورة مبكرة الشيء الذي يؤثر على ارزاقنا بشكل كبير بالإضافة إلى صعوبة وصول البضائع إلى المحافظة وهو ما يضيف أعباء مالية فوق القيمة الحقيقة للبضائع والصعوبات هذه لا تخفى عليكم فتجار الجملة يشكون من صعوبة إمدادهم بالبضائع فما بالك نحن التجار العاديينوفي النهاية المواطن المسكين الذي يتحمل تبعات هذه الفوضى.
وأردف: أصبحت أفكر بصورة مستمرة بأن اصفي عملي بالكامل لان المشاكل كثرت والمواطن يوزع اتهاماته في كل مكان ويحملنا مسؤولية إخفاء البضائع بغرض التحكم بسعرها مع انه يعرف بحقيقة الأوضاع في المحافظة وصعوبة وصول البضائع إلى المحلات التي وحتى ان توفرت هذه البضائع فيبقى صعوبة توصيلها وهو ما يستحيل في ظل انعدام البترول والديزل.
واستطرد:المشكلة متعددة الجوانب ومرتبطة ببعضها البعض والفوضى تدب في كل مكان واعتقد انه من الأنسب لي على وجه الخصوص ان اصفي أعمالي وانتظر حتى تعود الأوضاع إلى سيرتها الأولى لأنك لو سلمت من لسان الناس فلن تسلم من يد اللصوص وكثير من المحلات قد تعرضت للسرقة لهذا نضطر إلى أن نقفل محلاتنا مع مغرب كل يوم.

أزمة بترول
وبدوره تحدث الأخ / عوض أنور جابر سائق تكسي بالقول:
أوقفت سيارتي التاكسي التي املكها وهي مصدر الدخل الوحيد بالنسبة لي ولأسرتي بسبب انعدام البترول وفكرت أحولها إلى غاز ولكن تحويلها يحتاج إلى مائة ألف ريال واليد قصيرة والعين بصيرة والشغل متوقف بسبب الأوضاع وليس كما كان في السابق والآن حتى الغاز أصبح معدوماٍ وما فيش ضمانات.
وأضاف: عرضت سيارتي للبيع حتى استطيع توفير مصاريف لأسرتي لأني لا املك دخلاٍ آخر إلا أن الأسعار هذه الأيام هابطة وحتى الذي سوف يشتري منك لن يدفع لك المبلغ كامل وبعدين لاحق بعد حقك والآن أنا معي شوية فلوس إذا كملت علي با تحول إلى شحات لأنه ما فيش معي شغل وما فيش معي طريق ثاني خاصة وان شغلي يحتاج إلى بترول والبترول معدوم والدنيا حرب والناس مشغولة بالكهرباء والماء وتوفير لقمة العيش.

متى تفتح المدرسة
وكانت لنا وقفة مع الطفل / أواب فيصل الذي بدت آثار الصدمة بارزة على وجهه واخذ يتحدث إلينا وهو يبكي قائلاٍ:
ما أشتي حاجة أشتي أروح المدرسة متى بتفتح المدرسة وأشوف أصحابي.

المحرر
هذا غيض من فيض مما تكابده عدن الكنف الرءوم الذي احتضن كل اليمنيين بمختلف مشاربهم ومناطقهم وذوبت الجميع في هوية واحدة.
عدن الذي كانت تمثل ملخص الديمغرافية الوطنية بالامتداد الذي يستوعب كامل المكون الوطني دون إقصاء لأحد تترنح تحت ضربات الخصوم وهي تكابد غائلة الجوع وتنزف دماٍ دون ان تجد من يسد لها حاجة أو يضمد لها جراحاٍ.
عدن تختصر المسافات تختزل المعاناة :
لتصرخ ( مكنوا للنور من العبور ).

https://www.althawranews.net/pdf/2015/05/05/09.pdf

قد يعجبك ايضا