مشاهد مؤلمة من ضحايا ودمار عاصفة العدوان

(رداد ومتعب وشهاب الدين وصقر /أبناء/.. أدهم وبديع وأديب ومحمد/أحفاد) هؤلاء هم أسرة واحدة هي أسرة المواطن محمد عبد صالح الجرادي- «قرية قْرúضي»- عزلة بني الجرادي – مديرية السلفية ريمة.. خرجوا من قريتهم المتواضعة بحثاٍ عن وطن يْسúكنْهم فرصةٍ للعمل والعيش الكريم ولم تمض عشرة أيام على مغادرتهم القرية إلى منطقة حرض وتحديداٍ سوق المشنق المجاور لمخيم المزرق.. إلا ونبأ إبادتهم الجماعية يزلزل قريتهم ويهز قرى ريمة وقرى كل من شهد جمع أشلائهم والإعداد في إرسالهم إلى ذويهم حيث مسقط رؤوسهم.. لقد خرجوا يحدوهم الأمل في العيش الكريم ليعودوا في موكب جنائزي مهيب لن يغادر فزعه ذاكرة المواطنين.. عاد منهم 8 في أكفان الردى يحكي المواطنون الذين حضروا مراسيم التشجيع أن الجثث لم تعرف وأن جثتين حتى اللحظة لم يحصل عليها أهلها بعد بينما نجا منهم ثلاثة ليحملوا فاجعة ستثقل وجدانهم كوابيس إلى آخر حياتهم.. هذه إحدى قصص الردى الأليم كواحدة من نتائج عاصفة الحزم العدوانية بقيادة المملكة العربية السعودية… فكيف بدأت وإلى أين انتهت بعد دخولها الأسبوع الثالث.. إلى مشاهد وفلاشات مرصودة من نتائجها الكارثية.. إلى التفاصيل :

الكل يغط في نومه في أمان خارطة العربية السعيدة أْم العــروبة ومنبعها بينما الساعة تتجاوز تمام الثانية بعد منتصف الليل.. وفي توقيت واحد يصعق سكان أمانة العاصمة ومحافظات صنعاء والحديدة وصعدة وعمران وأخرى على وقع انفجار عنيف تشتت أصداؤه في سماوات المعمورة اليمنية.. فما الذي حدث.. ¿¿ ولماذا تطايرت الشبابيك شظايا من الزجاج وارتعدت الارض وأضاءت كبركان..¿
هكذا سأل أحمد ردمان – سكان منطقة المطار – نفسه وهرع من توه إلى الشباك المطل باتجاه أصوات الانفجارات والخراب.. لقد رأى ألسنة اللهب في كل مكان بما في ذلك المنازل التي تبعد عنه 150 متراٍ تقريباٍ.. رأى أضواء النيران التي تضيء ركام الخراب وسمع صراخاٍ لنساء وأطفال من جهات شتى في لحظة لم يعد يدرك حينها هل هي أصوات حقيقية أم خيالية من شدة الخوف والهلع..
زلزال صنعاء
لقد اهتزت صنعاء وسمع صرير الأبواب والنوافذ وفزع الأطفال إذ لم تكن الضربة في مطار صنعاء فقط فقد طالت معسكر القوات الجوية في الستين ودار الرئاسة في السبعين والقوات الخاصة في الصباحة ومقر الفرقة الأولى مدرع.. يقول حسين ناجي- من سكان حي عصر : هرعت إلى التلفاز لأفتح على قناة العربية الحدث لأفاجأ بما لم يتوقعه أي يمني العربية الحدث تبث بفخر كبير بأن المملكة العربية السعودية  تقود تحالفاٍ لعشر دول عربية وغير عربية وقد أطلقت عاصفة الحزم مستهدفة بذلك عدداٍ من مواقع العدو الإيراني في اليمن.. الهدف من هذه العاصفة- حسب المذيعة التي كانت تبتسم مع كل كلمة- هي إنقاذ اليمن من الحوثيين وأنصار الرئيس صالح واصفة إياهم بأزلام التدخل الإيراني في اليمن..»..
صْدم حسين لهذه الذرائع وهذا المنطق العقيم راحت به الصورة الذهنية- حسب تعبيره- إلى مجريات التسوية السياسية اليمنية التي كانت المملكة على رأس رعاتها وإلى المبادرة الخليجية وخطر بباله أن هذه الضربة وبهذه القوة المفاجئة أثمرت لمصلحة اليمنيين- مع أن هذا المبرر بحد ذاته لعنة تاريخية في جبين الأشقاء في نظره ونظر غيره- وأن هذه الضربة قد قضت على الحوثيين والإصلاح وصالح وهادي والقاعدة وعلى كل طرف كان له دور في الصراع (اليمني اليمني) وفي تجريع اليمنيين خمسة أعوام من الصراع وأزماته والانتظار للخروج من كرب الأزمات المتشابكة والمزمنة.. وأن الضربة المزلزلة التي أقضت مضاجع الأحياء والأموات هي الأولى والأخيرة في دوامة الصراع السياسي اليمني وسنرى من الصباح الباكر واقعاٍ آخر سيغير تعاستنا إلى سعادة وفقرنا إلى عيش كريم وخوفنا إلى أمن.. وليس غريباٍ هذا فالعربية تتحدث عن إنقاذ اليمن…
يواصل ناجي حديثه: وإذا كان عكس ذلك.. فماذا أحدثت هذه الضربة..¿!.. لقد صحا الناس على أشلاء ضحايا من الأطفال والنساء والرجال الأبرياء.. في كل مكان استهدفته ضربة العدوان الشقيق في الليلة الأولى..».. وهو ما أعلنته وزارة الصحة والسكان ظهيرة اليوم التالي أن الغارة أدت إلى استشهاد وجرح 65 شخصاٍ من المدنيين والنساء والأطفال..
حصيلة كارثية
كارثية عاصفة الحزم تكمن في قسوة مشاهد الموت والقتل الذي يحصد أرواح اليمنيين دون هوادة- حسب تعبير المنظمات الحقوقية والقانونية المحلية والدولية – حيث لم تقف هذه المشاهد عند حد في المدن أو خارج المدن والأهم هنا هو ماذا حصدت من أرواح المدنيين فمشاهد وبشاعة الأسبوع الأول من عاصفة العدوان  حصدت 857 شهيداٍ من المدنيين بينهم 160 طفلاٍ دون سن الخامسة عشرة و32 امرأة و13 مسناٍ.. فيما جرح 1214مدنياٍ.. وبعيداٍ عن التفاصيل المؤسفة فقد توالت مشاهد الأسبوع الثاني للعدوان لتحصد أمام أعين الكاميرات والعالم مئات الضحايا من البشر وصل عددهم نحو (1500) قتيل وجريح كحد تقريبي.. أما الأسبوع الثالث فلم تكتمل استدارته حتى اللحظة وإن استدارت فإن الأرقام ما تزال طي الرصد والتحليل..
 خلاصة مشاهد التنكيل والقتل الذي يطال اليمنيين سواء تحت نيران القصف والعدوان أو تحت وطأة الاقتتال الداخلي والصراع السلطوي الذي قتل كل معالم الحياة وبذور الأمل في وطن يتسع لكل أبنائه ويشهد النماء والعمران كما شهدته وتشهده دول العالم وبالأخص الجوار.. وأن ما يجري يرسم باختصار الصورة الشعرية لوضع اليمن المأساوي والمزمن في قصيدة غريبان وكلاهما الوطن للأستاذ عبد الله البردوني شاعر العرب الكبير في قصيدة:
«فوجَ يموت فننساه بأربعةُ / فلم يعد أحد يبكي على أحــــد
وفوق ذلك ألقى ألف مرتزقُ/ في اليوم .. يسألني.. ما لون معتقدي
بلا اعتقادُ وهم مثلي بلا هدف/ يا عمْ ما أرخص الإنسان في بلدي
واليوم يا ابني جوابَ لا حدود له / اليوم أْدúجى.. لكي يخضر وجه غدي»
قرى تحت القصف
مأساة وكارثة أسرة الجرادي وكابوس قرية (قْرúضي) – في بداية هذه المادة- لم تكن هي القرية الوحيدة فقد بدأت الكارثة من مخيم المزرق التي طالتها الصواريخ الشقيقة مخلفة نحو (300) قتيل وجريح وطالت مع المزرق سوق المشنق الذي ذهب جراءها نحو (40) بين قتيل وجريح ومفقود وكذلك استهداف سوق شعبي بيريم مخلفاٍ نحو 13 شهيداٍ و31 جريحاٍ.. كما طالت مصانع حيوية كمصنع الألبان في الحديدة مخلفاٍ 100 عامل وعاملة بين قتيل وجريح ومصنع الوطنية للأسمنت في لحج إضافة إلى استهداف محطات ومراكز وملاعب رياضية وغيرها من البْنى المؤسسية للمدن الكبر والصغرى..
الأقسى من ذلك أن طائرات العاصفة ذهبت إلى كل محافظة يمنية لتطال القرى والأسواق والجوامع والمدارس لتستدير خارطة اليمن تحت هواجس الردى والموت القادم من الجو إذ لم تعد الـمدن اليمنية المأهولة بالسكان والمعسكرات والمرافق -التي يمكن أن تكون أهدافاٍ للعدوان- هي وحدها من تعيش الخوف والموت, فقرى اليمن المعلقة صار لها نصيب من صواريخ الموت والدمار..
وفي هذا الصدد يقول أحمد عبدالله المطري: سمعنا بأول الغارات التي شنها العدوان السعودي مطارات اليمن خصوصاٍ في صنعاء والحديدة وعدن فارتعدت فرائصنا خوفاٍ على أبنائنا في المعسكرات وفي المدن وفي الأسواق وما إن مر اليومان الأولان حتى توالت الضربات لتخرج عن طور المدن والمعسكرات والأهداف التي تعلن عنها عاصفة العدوان على الشعب اليمني بحجة مساعدته لتصل إلى الأسواق الشعبية والقرى المعلقة في قمم الجبال التي لا ناقة ولا جمل لها في الصراع السياسي اليمني ولا في خارطة عاصفة العدوان الخارجي..
وأضاف المطري: لقد صارت قرى بني مطر البعيدة عن صنعاء والريفية بحد هدفاٍ للعدوان فقد شهدت بني مطر فاجعة لم تشهدها من قبل وهي ما حل بقرية حجر في بيت عكيش من قتل ودمار.. فقد ودعت هذه القرية 16 شهيداٍ تسعة أفراد من عائلة واحدة وخمسة جرحى.. مؤكداٍ أن هذه الحادثة جعلت كل قرية وكل بيت يمني يتوقع أن تحل الكارثة بهم في أي وقت.. وأن قرية بيت حجر في بني مطر ليست الأولى والأخيرة بل استهدف طيران التحالف قرى في محافظة صعدة وتعز وإب ومحافظة صنعاء بخولان وسنحان وحتى المساجد الأثرية استهدفت والمدارس وغيرها..
توصيف العامة والنخبة
يعجز أمامك أفراد الشعب البسطاء على التعبير عن بشاعة العدوان إذ أن معظمهم يلجأ مباشرة للدعاء إلى الله والآخر خصوصاٍ النساء يلجأن للدموع وإنزال أبشع الشتائم والدعوات بمن يقود هذا العدوان على اليمن.. فيما الأطفال الذين يموتون رعباٍ في الليل ويسرحون ويمرحون في النهار وتجد بعضهم في مقاهي الانترنت يمارسون الحروب الافتراضية للطيران والمواجهات البرية والألعاب المختلفة مفترضين أن العدو أمامهم هي الدولة التي تقود عاصفة الحزم والعدوان على اليمن وكما لو أنهم المقصود في قصيدة مصطفى للأستاذ عبد الله البردوني :
«فليقصفوا لست مقصف / وليعنفوا أنت أعنف
وليحشدوا أنت تدري / أن المخيفين أخوف
قد يقتلونك تأتي / من آخر القتل أعصف
ياااااا مصطفى يااا كتاباٍ/ من كل قلب تألف
ويا زمانا سيأتي / يمحو الزمااااان المزيف»
أما الحقوقيون فليس أكثر من توصيف العدوان البربري ينطبق على عاصفة الحزم في نظرهم فمن الصعوبة بمكان تبرير عدوان دولة على دولة أخرى بأي شكل من الأشكال.. فشرعية هادي – حسب طرحهم- التي أسقطها بيده وفشله أو حتى بالانقلاب عليه لا تبرر بأي منطق تدخل الدول الخارجية فهي شأن يمني 1000% لا تسمح له شرعيته بأي وسيلة كانت أن يستدعي الخارج على الداخل.. معتبرين أن ذريعة التدخل الإيراني في اليمن لا تنطبق منطقاٍ وعقلاـ انطلاقاٍ من كون العلاقات اليمنية مع الدول الأخرى شأن يمني أيضاٍ..
ويبقى المؤسف للشعب اليمني أنه وجد نفسه بين نارين نار عاصفة الحزم والعدوان الخارجي ونار الاحتراب الداخلي الذي يقتل اليمن أرضاٍ وإنساناٍ في كل محافظة يمنية يتزامن تقلبهم على ضفتي هذا الجحيم مواقف الساسة وحساباتهم المصلحية والسلطوية فقط فطرف سياسي يؤيد الحرب الداخلية ويدفع إلى تأجيجها لمزيد من الكسب السياسي وطرف سياسي يؤيد العدوان الخارجي على شعبه وهذه حسب العرف الوطني من خوارق العادات ولن تزيد البلد إلا تشظياٍ وفرقة وخسراناٍ.

قد يعجبك ايضا