ما الذي يمنح الإرهاب ..فرصة التوسع ¿

¶ العميد الطويل : الإرهاب في اليمن وصل إلى مرحلة خطيرة وصراع القوى السياسية يمنحه فرص التوسع
¶فيصل محبوب : مؤشرات خطيرة توحي بظهور جماعات إرهابية عديدة والحل في يد القوى المتصارعة
¶الدكتور الشجاع: عندما تغيب الدولة يحضر الإرهاب واستمرار الغياب يعني تمدد أكثر للتنظيمات الإرهابية
هكذا عرف الإرهاب نفسه ينتظر الفرصة ليوجه ضرباته وإن لم تأت يبحث عنها بلا كلل وبلا أدنى ملل لكن هذه المرة لم يْتعب نفسه كثيرا ليسدد لكماته وينفذ مخططاته الخبيثة فالفرص تأتيه من كل حدب وصوب ولعل أهمها بالنسبة له هو ترهل الدولة يوما تلو الأخرى وتفكيك مؤسساتها وتتويه المؤسسة العسكرية في الصراعات السياسية وكذا استمرار سوء قراءة القوى السياسية للمرحلة الراهنة وعدم إدراكها للارتدادات العكسية التي تسببها اختلافاتها وتشبثها بمواقفها وبما أن الأزمة التي تعصف بالبلاد منذ بداية العام2011م قد شكلت أولى الخطوات التوسعية للتنظيمات الإرهابية بمختلف أهدافها وتوجهاتها فإن مطلع العام 2015م والذي بلغت فيه الأزمة اليمنية أوجها وذروتها اعتبر بمثابة وضع حجر الأساس لمشروع الرعب والإرهاب المنظم في كل مساحات الوطن أولا وتفكيك النسيج الاجتماعي ثانيا ولضرب مشروع الدولة أولا وأخيرا ..
عدد من الخبراء والأكاديميين العسكريين والسياسيين والاجتماعيين والمثقفين والباحثين حذروا من تنامي النشاط الإرهابي في اليمن خصوصا في ظل استمرار ترهل الدولة وتفكيك مؤسساتها وانزلاق القوى السياسية إلى مربع الصراع..
البداية كانت مع الخبير والباحث العسكري العميد الركن قاسم الطويل نائب مدير مركز الدراسات الإستراتيجية بالأكاديمية العسكرية والذي حاول في أول حديثه أن يضع الإرهاب في اليمن بين قوسين طبقا لتشخيصه للواقع الحالي والمستقبلي ومن خلال المعطيات الموجودة على الأرض ويقول : ” إذا ما قمنا بتشخيص الإرهاب في اليمن لمعرفة واقعه الحالي أو المستقبلي بناء على المؤشرات أو المعطيات الموجودة على أرض الواقع فسنجد أن الإرهاب في اليمن بات له واقعا مغايرا عما كان عليه في السابق وله أبعاد ورؤىٍ تختلف في الكثير منها عن الإرهاب في دول أخرى فقد وصل الإرهاب في اليمن إلى مرحلة خطيرة للغاية حيث لعبت تنظيماته على الكثير من الأوراق أبرزها استغلالها الوضع المتدهور في البلد بدءا باستغلالها لترهل أجهزة ومؤسسات الدولة ومرورا بغياب القانون وانتهاء بانشغال القوى السياسية في الصراعات المحتدمة فيما بينها فيما تحاول هذه التنظيمات وبشتى الوسائل أن تتغلغل في المجتمع وتغرس في أجياله أفكارها المتطرفة لتضفي على نشاطها فيما بعد نوعا من المشروعية ـ كما تظن ـ بعد استقطابها لعدد من المواطنين خصوصا فئة الشباب الذين تحاول ـ جاهدة ـ شد اهتمامهم وجذب طاقاتهم إلى مشاريعها الإرهابية وتركز تلك التنظيمات على الظروف والمشاكل التي يعانيها ويمر بها شباب الوطن .
ويرى الطويل” أن تنظيم القاعدة وغيره من التنظيمات الإرهابية تحاول السيطرة على الكثير من المواقع الإستراتيجية في مناطق مختلفة من البلد ونجحت في بعضها أحيانا قبل أن تدحرها قواتنا المسلحة لكن ما تفتأ تغيب حتى تعود مرة أخرى “.
خلط الأوراق
العميد الطويل كان قد ربط ــ في سياق حديثه ـ التنظيمات الإرهابية في اليمن بقوى خارجية وداخلية تستخدم بالأساس كأوراق سياسية حيث اعتبر أن القوى الإرهابية في اليمن غالبا تعمل بشكل منظم ومرتب له .
وقسم الطويل التنظيمات الإرهابية في اليمن إلى ثلاثة اتجاهات الأول جهات إرهابية تعمل لصالح جهات خارجية تنفذ أجندات خاصة بها أما الاتجاه الثاني فهو فرق إرهابية أخرى تعمل لصالح جهات تقوم بخلط الأوراق السياسية في اليمن و الاتجاه الثالث في الإرهاب هو اتجاه غير منظم .
 وكان الطويل يقصد بالإرهاب غير المنظم بعض العمليات التي ينفذها تنظيم القاعدة .
 وقبل أن يختم حديثه أشار إلى نقطتين هامتين الأولى توجه بها إلى المجتمع الدولي والثانية إلى القوى السياسية في اليمن عامة والمؤسسة العسكرية خاصة فقال ” على الجميع أن يعي أن الإرهاب هو مشروع عابر للقارات لا يعترف بالحدود ولا بمسميات الدول وهذا يعني أن العالم كل العالم متضرر منه ومن نشاطاته الحالية سواء في اليمن أو غيرها من الدول التي تعاني من ذات المشكلة أما النقطة الأخرى والتي أود أن أوجهها إلى القوى السياسية في اليمن عموما والمؤسسة العسكرية خصوصا هي أن عليهم أن يدركوا صعوبة المرحلة التي تمر بها اليمن وبالتالي عليهم أن يدعوا المناكفات السياسية جانبا ويقدموا التنازلات تلو التنازلات ويعملوا لصالح هذا الوطن الذي هو ملكنا جميعا والذي لا نملك لأنفسنا وطنا غيره “.
صراع القوى
الكاتب والمحلل السياسي الدكتور عادل الشجاع يقول “ثمة أسئلة تطرح حول النشاط الإرهابي بشكل عام أبرزها متى يظهر وكيف ومن يسهل مهامه ¿والإجابة بلا شك هي أن ظهور التنظيمات الإرهابية يحدث ـ دائما عندما تغيب الدولة كما تتوسع أنشطة الجماعات والتنظيمات الإرهابية وكلما توسعت دائرة الترهل داخل أجهزة ومؤسسات الدولة وهو ما نعيشه اليوم فمؤسسات الدولة وأجهزتها تعاني من مشاكل جمة فالمؤسسة العسكرية لم تستطع الابتعاد عن خط الصراع السياسي الدائر بين القوى السياسية وبالتالي فقد وقعت في شرك تلك القوى وهاهي اليوم تتمرغ بغبارها أيضا يعاني القطاع الاقتصادي بالدولة أزمة حادة كانت كفيلة بوضع الشباب في خانات البطالة والحرمان من أبسط حقوقهم وهذان الأمران كانا كفيلين بظهور الجماعات الإرهابية التي كان ينقصها ترهل أجهزة ومؤسسات الدولة وجنوح الشباب إلى مشاريعها وأعمالها المتطرفة .
 ويضيف بالقول :ما نراه اليوم ما هو إلا دليل واضح على أن مشروع الإرهاب يأتي عندما تغيب الدولة .
 الدكتور الشجاع لم يفوت فرصة الحديث عن خليفة الوضع القائم في البلد سياسيا وأيدلوجيا فقال ” عندما غابت فكرة الدولة عن الأطراف السياسية ظهر الصراع القائم بمعنى أن محاولة كل طرف تسخير الدولة لمصالحه المحدودة أدى إلى نشوب الصراع بين القوى فكل قوة تريد أن يكون لها أياد كثيرة داخل مؤسسات الدولة وعلى سبيل المثال عندما قامت الوحدة ولم تكن فكرة الدولة عند شريكي المشروع حاضرة حاول كل طرف الدفع بالآخر خارج السلطة وذلك عن طريق الزج بالمناصرين في مناصب الدولة وحتى في الوظائف البسيطة دون الانتباه للكفاءة من جهة والشراكة في العمل السياسي من جهة أخرى ومثل الممارسات التي حدثت في مشروع الوحدة حدثت نفسها في السنوات الماضية فكل جهة حاولت أن ترجح كفة السلطة لصالحها وبالتالي شكل ذلك عبئا ثقيلا على كاهل الدولة وحصل العجز من جانب وتفككت أجهزة الدولة من جانب آخر ومن هنا يجب القول إن استمرار الوضع على ما هو عليه دون أن تراجع القوى السياسية حساباتها وتغلب مصلحة الوطن فإن الإرهاب سيعمل بصور بشعة لا نتصورها “.
مستقبل الإرهاب
فيصل محبوب رئيس منظمة حياد للدراسات والأبحاث السياسية تحدث من جانبه عن مستقبل الإرهاب في ظل الفراغ السياسي الذي تعيشه اليمن وانشغال مؤسسات الدولة في المماحكة السياسية دون غيرها وأكد أن الإرهاب ـ على الأرجح ـ في المستقبل القريب لن ينحصر في تنظيم القاعدة وحسب بل ستظهر جماعات عدة ومختلفة.
 وفند محبوب نظريته تلك بقوله ” الجميع يعلم أن التنظيمات الإرهابية بمختلف توجهاتها لا تظهر إلا عندما تغيب الدولة وعندما غابت الدولة خلال السنوات الماضية توسعت التنظيمات الإرهابية في هجماتها على اليمنيين سواء أكانوا عسكريين أو مدنيين .
 لكن بالمقابل حسب قوله ثمة مؤشرات خطيرة فرضتها التطورات الأخيرة للأزمة السياسية اليمنية فالفراغ السياسي حاليا وغياب القانون سيفرز لنا واقعا مغايرا لما حدث بالسابق أو لما يحدث في الوقت الحالي حيث ستتجه كل جهة سياسية أو غير سياسية إلى حمل السلاح بداعي أنها الجهة المخولة بفرض هيبة الدولة وإرساء دعائم الأمن والاستقرار وتحقيق مطالب الشعب وقد ظهرت بوادر هذه اللعبة إذ نشاهد اليوم جهات عدة تشكل لجان شعبية وتتولى المهام الذي يفترض أن تمارسها الدولة فهناك لجاناٍ شعبية في أبين وحضرموت وشبوة ومحافظات أخرى .
وتابع بالقول : وبناء على هذه المعادلة فإنه لا مفر من مواجهات دامية ـ لا سمح الله ـ سيدفع ثمنها الشعب اليمني وإذا ما تحقق هذا الأمر فإن المجال سيفتح تماما أمام التنظيمات الإرهابية التي نتحدث عنها اليوم كتنظيم القاعدة ـ مثلا ـ حيث ستعمل على توسيع نطاق أنشطتها الإجرامية ومضاعفة عملياتها الإرهابية في مختلف المناطق اليمنية وبالتالي ـ وبالضرورة ـ ستتغير قواعد اللعبة ومعها ستتغير طريقة الحياة اليومية للوطن عموما وللمواطن على وجه الخصوص إذ سيفرض علينا واقع العنف المفتوح والإرهاب اللامحدود ومن هنا أدعو كافة القوى السياسية أن تتخلى عن مناكفاتها وصراعاتها وأن تعمل على قطع الطريق أمام المتربصين بالوطن .
قوة الشعب
أما المحامي والناشط الحقوقي لبيب جمال فقد أشار إلى كلمة السر التي تقف أمام حل لغز نمو الإرهاب في اليمن بشكل متسارع والتي قد تزيد من نموه وتطوره الأحداث الأخيرة على الساحة الوطنية فقال ” ثمة أياد خفية تحرك العملية السياسية في اليمن وتحرك معها ورقتها الرابحة المتمثلة بالإرهاب والجماعات الإرهابية.
وذهب إلى أن الحل في يد الشعب ولا غيره حيث يتوجب عليه أن يمارس الضغط المتواصل على كافة القوى السياسية للتخلي عن الحقد والكراهية فيما بينها والعمل على إنجاز مشروع واحد هو بناء اليمن التي هي ملك لكل اليمنيين.
لكن يشترط جمال لنجاح هذه الخطوة أن لا نؤيد طرفاٍ على آخر فيما يخص حضور الدولة وإن اختلفت رؤانا في الكثير من الأحيان .

قد يعجبك ايضا