زبيد .. مدينة المآثر الإسلامية والتاريخ العريق

تكتسب مدينة زبيد التاريخية أهميتها وشهرتها الكبيرة من خلال احتوائها على أكبر عدد من الآثار والمعالم الإسلامية في اليمن إذ يوجد بها 86 مسجدا و مدرسة إسلامية أهمها الجامع الكبير ومسجد الأشاعر والذي يعتبر أول جامعة في العالم ويعود معظم هذه المعالم الإسلامية  إلى القرن الهجري الأول كما يوجد بها مئات المنازل التاريخية التي تعاني من الإهمال مما جعلها آيلة للسقوط.
وزبيد يطلق هذا الاسم اليوم على إحدى مديريات محافظة الحديدة وهو اسم لوادي زبيد الذي يعتبر من أشهر أودية اليمن وقد سميت باسمه هذه المدينة التاريخية و التي كانت تعرف حتى بـداية العصر الإسلامي بالحصيب نسبة إلى الحصيب بن عبد شمس ,وفيها يقول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لمعاذ رضي الله عنه إذا وصلت أرض الحصيب فهرول أي .. يسرع في مشيته º وذلك لأنها حارة بطبيعتها  . ويذكر المؤرخ الهمداني في كتابه صفة جزيرة العرب بأن الحْصيب هي قرية زبيد وسكانها من قبيلة الأشاعر.

 أيضا تشير العديد من المصادر التاريخية إلى أن زبيد لبت الدعوة الإسلامية في أواخر العام السابع وبداية دخول العام الثامن الهجري,برئاسة الصحابي الجليل أبي موسى الأشعري وأخويه رهم وأبي بردة وستة وثلاثين نفراٍ من الأشاعرة فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم بارك الله في زبيد «ثلاثاٍ».

موقعها :
ويجمع المؤرخون اليمنيون ومؤلفو كتب التراجم والطبقات الذين عاشوا فيما بين القرن السادس والعاشر الهجريين/ الحادي عشر والسادس عشر الميلاديين على أن مدينة زبيد أنشئت في بداية القرن الثالث الهجري/ التاسع الميلاديº ويذكرون بأنه في أواخر القرن الثاني الهجري/ الثامن الميلادي ازدادت القلاقل في اليمن فخرجت قبيلتا عك والأشاعر في تهامة عن طاعة الخليفة العباسي فجهز  لهم الخليفة المأمون سنة 202هـ/817م جيشاٍ كبيراٍ بقيادة محمد بن عبدالله بن زياد وبعد حروب جرت بينه وبين اليمنيين استطاع بن زياد الاستيلاء على تهامة كلها.
  وتنفيذاٍ لأوامر الخليفة المأمون باستحداث مدينة باليمن في بلاد الأشاعر بوادي زبيد اختط ابن زياد مدينة زبيد سنة 204هـ/819م واتخذها عاصمة سياسية وعسكرية لدولته التي بسطت نفوذها على معظم مناطق اليمن.
كانت مدينة زبيد في عصر الهمداني واحدة من أهم وأشهر مدن العالم الإسلامي ولم تكن كما يعتقد بعض الباحثين مجرد قرية صغيرة لا وجود لها على الخارطة السياسية ليمن القرن الثالث الهجري/ التاسع الميلادي فالمؤرخ الهمداني نفسه يذكر مدينة زبيد في كتابه «صفة جزيرة العرب» كواحدة من أشهر مدن العرب بل كانت واحدة من أكبر المدن العربية وأكبر مدن اليمن في القرن الثالث الهجري/ التاسع الميلادي. ووصف الهمداني لهذه المدينة لا يترك مجالاٍ للشك في هذه الحقيقة الدامغة º حيث ذكر الهمداني مدينة زبيد ضمن مدن العرب المشهورة واقترن ذكره لها بذكر مدن اليمن الكبرى مثل عدن وصعدة وشبام وحضرموت والجند.
وفي عصر الدولة الرسولية أصبحت زبيد من أهم مدن العالم الإسلامي كان  ابن الديبع والمقري والحضرمي والفيروز أبادي أشهر علمائها وتؤكد المعلومات التي وردت عن مدينة زبيد في مؤلفات المؤرخين والرحالة والجغرافيين في القرنين الثالث والرابع الهجريين/التاسع والعاشر الميلاديين علماء منهم اليعقوبي (توفي سنة 284هـ/891م) وابن رسته (توفي بعد سنة 290هـ/903م) وابن حوقل (توفي سنة 367هـ/977م) وغيرهم بأن مدينة زبيد كانت منذ النصف الثاني من القرن الثالث الهجري/ التاسع الميلادي مدينة إسلامية مشهورة. مرت  بمراحل مختلفة من التطور والازدهار منذ إنشائها حتى عصر الدولة الرسولية حيث أصبحت خلال القرنين السابع والثامن الهجريين/ الثالث عشر والرابع عشر الميلاديين العاصمة الثقافية والاقتصادية فقد احتلت مكانة علمية مرموقة وصارت واحدةٍ من أهم وأشهر مدن العالم الإسلامي بشكل عام. ويرجع الفضل في ذلك إلى اهتمـام ملوك وأمراء وأميرات الدولة الرسولية بالمدينة حيث أنشأوا فيها القصور والمساجد والمدارس والأربطة والخوانق والأسبلة ودور الضيافة وأوقفوا على كل واحدة من تلك المنشآت أموالاٍ عظيمة مكنت بعضها من الاستمرار في أداء وظيفتها الدينية ورسالتها العلمية حتى اليوم.
 إن اهتمام ملوك وأمراء بني رسول بالعلم وإكرامهم وتبجيلهم وتقديرهم العلماء وتشجيع المؤلفين ومساعدة طلاب العلم جذب إلى زبيد عدداٍ كبيراٍ من مشاهير علماء العالم الإسلامي في ذلك الوقت وطاب المقام فيها لبعضهم فسكنوها وتأهلوا بهاº فهذا مجد الدين الفيروز آبادي العالم النحوي المشهور زار مدينة زبيد فأحبها واستقر فيها وتقديراٍ لمكانته العلمية عينه الملك الأشرف إسماعيل بن العباس قاضي القضاة في سنة 797هـ/1395م وزوجه الملك الأشرف بابنتهº عاش مجد الدين الفيروز آبادي في زبيد عشرين سنـة ألف معجمه المشهور بالقامــوس المحيط في إحــدى مدارسها وتوفي ودفن بها سنة 818هـ/ 1395م.
   كما تؤكد كتب التاريخ أن مدينة زبيد تطورت كثيراٍ في العصر الرسولي تطوراٍ عمرانياٍ كبيراٍ وازدهرت الحياة الاقتصادية فيها وازدادت عدد منشآتها الدينية إذ بلغ عدد المساجد والمدارس فيها في النصف الأول من القرن الثامن الهجري/ الرابع عشر الميلادي ما يقرب من مائتين وأربعين مسجداٍ ومدرسة. وقد اهتم ملوك وأمراء وأميرات بني رسـول ببناء المدارس العلمية المتخصصة في مدينة زبيد فزاد عدد المدارس التي أنشئت فيها لتدريس المذهب الشافعي ومدارس المذهب الحنفي ومدارس للحديث النبوي الشريف ومدارس الفقه ومدارس النحو ومدارس لتعليم القرآن الكريم وأوقفوا على كل مدرسة أوقافاٍ جليلة مكنتها من أداء وظائفها التعليمية عبر قرون طويلة عشرون مدرسة من هذه المدارس ما تزال قائمة حتى اليوم يتوافد عليها عدد من الطلاب من سكان مدينة زبيد ومن القادمين إليها من مناطق مختلفة من اليمن ومن غير اليمن من البلدان العربية والإسلامية يتلقون العلم في هذه المدارس التي كانت توفر لطلابها العلم وتوفر للقادمين منهم من مناطق بعيدة للعلم مكاناٍ للإقامة.
لم يقتصر اهتمام ملوك وأمراء بني رسول على بناء المنشآت الدينية فقط بل حرصوا كذلك على ترميم وتجديد وتوسيع كل المنشآت الدينية والتعليمية وكذلك أسوار وأبراج المدينة وبواباتها وخنادقها. وأنشأوا الأسبلة وأقاموا دور الضيافة التي تستقبل الغرباء عن المدينة وتقدم لهم الطعام والإقامة مجاناٍ.
رافق ازدهار الحياة العلمية والثقافية والتطور العمراني والاقتصادي في زبيد نهضة زراعية وصناعية كبيرة فكانت المدينة محاطة بالحدائق الجميلة وخصوصاٍ حدائق النخيل التي أنشأها ملوك وأمراء الدولة الرسولية وبنوا لهم فيها قصوراٍ فخمة. يصف الرحالة الشهير ابن بطوطة الذي زار مدينة زبيد في سنة 728هـ/1328م أيام الملك المجاهد الرسولي المدينة بأنها «مدينة عظيمة… وليس باليمن بعد صنعاء أكبر منها ولا أغنى من أهلها واسعة البساتين كثيرة المياه والفواكه من الموز وغيره.. كثيرة العمارة بها النخل والبساتين والمياه».
عاشت مدينة زبيد عصرها الذهبي في العصر الرسولي الذي دام ما يقرب من مائتين وثلاثين عاماٍ (858-628هـ/1454-1229م) حينها كانت هي العاصمة الثقافية لواحدة من أقوى دول الشرق في تلك الفترة. أنجبت زبيد جيلاٍ من فطاحل العلماء والمؤرخين الذين ذاع صيتهم في الآفاق وخلفوا لنا أعدادا هائلة من المؤلفات الهامة في مجالات العلم المختلفة منها في العلوم الدينية: علم الحديث والفقه والتفسير والقراءات… ومؤلفات في علم الفلك والكيمياء والرياضيات والطب وفي اللغة العربية وقواعدها وآدابها ومؤلفات في الجغرافيا والتاريخ وفي الزراعة وفنون الصيد وعلم المساحة وغيرها من العلوم وهنا يذكر لنا الأستاذ والأديب أسامة الحضرمي بعضا من هؤلاء العلماء الذين أنجبتهم زبيد أو عاشوا فيها كالفيروز آبادي والمقري الزبيدي والمرتضى الزبيدي والعلامة الحضرمي والمؤرخ الشهير ابن الديبع  وغيرهم الكثير من العلماء والشعراء الذين مازالت تنجبهم زبيد مدينة العلم والعلماء. والتي أصبحت في تلك الفترة قبلة العلم التي جذبت إليها كبار العلماء والفقهاء والمؤرخين والرحالة وأقطاب الصوفية وطلبة العلم من مختلف الأقطار العربية والإسلامية.

تخطيط المدينة
عرفت مدينة زبيد بالمدورة أي المدينة الدائرية فهي مدينة دائرية التخطيط منذ اتخاذها عاصمة سياسية وعسكرية لدولة الزياديين في القرن الثالث الهجري كما كانت المدينة محاطة بسور من الطين تفتح فيه أربعة أبواب هي على ما يبدو نفس الأبواب الحالية للمدينة اثنان من هذه الأبواب يحملان نفس الأسماء التي عرفا بها في مطلع القرن الثالث الهجري وما يزالان يعرفان بهما حتى اليوم: باب غِلاِفقِه ( يعرف حاليا باسم باب النخل) ويفتح في الواجهة الغربية من سور المدينة وباب عدن (يعرف حاليا بباب القرتب) ويفتح في الواجهة الجنوبية من سور المدينة باب سهام ويفتح على وادي سهام الذي يقع إلى الشمال من مدينة زبيد وما يزال هذا الباب يحمل نفس الاسم حتى اليوم باب سهام  البوابة الشمالية لمدينة زبيد وأخيراٍ باب الشِبِارق الذي يفتح في الجهة الشرقية من المدينة على قرية تحمل نفس الاسم. ورد ذكر هذه الأبواب في وصف المقدسي (توفي سنة 380هـ/990م) لمدينة زبيد في كتابه المشهور أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم. يقول المقدسى «زبيد… بلد جميل حسن البنيان يسمونه بغداد اليمن.. به تجار كبار وعلماء وأدباء مفيد لمن وصله مبارك على من سكنه. آبارهم حلوة وحماماتهم نظيفة. عليه حصن من طين بأربعة أبواب باب غلافقة (حالياٍ باب النخل) وباب عدن (حالياٍ باب القرتب) وباب سهام وباب الشبارق.. أكثر بنيانهم الآجر ومنازلهم فسيحة طيبة والجامع ناء عن الأسواق نظيف مبيرق الأرض تحت المنبر تقويرة.. أجرى إليها ابن زياد قناة. وهي ( أي مدينة زبيد) بلد نفيس ليس باليمن مثله غير أن أسواقه ضيقة . .ويتضح من الوصف أن المدينة كانت في القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي حاضرة اليمن الأولى ومقر أقوى ملوكها وأهم مراكزها التجارية والعلمية.

أسوار المدينة
أما بالنسبة لسور مدينة زبيد والذي اندثر في السبعينيات نتيجة للإهمال الذي أصاب المدينة كمختلف المعالم التاريخية فيها فتذكر المصادر التاريخية اليمنية بأنه كان لزبيد خمسة أسوار بنيت حول المدينة كجانب دفاعي في المقام الأول فالسور الأول تم بناؤه عند إنشاء المدينة على يد محمد بن عبدالله بن زياد في مستهل القرن الثالث الهجري/ وأقام الحسين بن سلامة في نهاية القرن الرابع الهجري العاشر الميلادي سورها الثانيº أما السور الثالث فتفيد بعض المصادر التاريخية بأن من بناء الوزير منِ الله الفاتكي والذي نرجحه هنا هو أن هذا الوزير قام فقط في بداية القرن السادس الهجري بعملية تجديد وترميم للسور الذي بناه الحسين بن سلامةº والسور الرابع بناه علي بن مهدي في منتصف القرن السادس الهجري والمرجع وتنسب المصادر التاريخية بناء السور الخامس إلى طغتكين بن أيوب ثاني ملوك بني أيوب على اليمن في الربع الأخير من القرن السادس الهجري كانت مدينة زبيد في بداية القرن السابع الهجري حسب وصف ابن المجاور لها دائرية التخطيط محاطة بثلاثة أسوار يتخللها عدد من الأبراج. الغريب في المعلومات التي أوردها ابن المجاور عن أسوار مدينة زبيد بأنه يذكر بأن سور مدينة زبيد تتخلله مائة وتسعة أبراج. وهذا يعني حسب قوله أن مدينة زبيد كانت في عصره محاطة بسور واحد فقط. وهنا يتساءل الدكتور محمد العروسي أستاذ الآثار والعمارة الإسلامية بجامعة صنعاء قائلا : إذا  كان كذلك أين ذهبت الأسوار الأخرى التي تحدث عنها وأشار إلى وجودها المؤرخ ابن المجاور وذكر أسماء منشئيها!¿  
 يبدو أن التوسع العمراني الذي عرفته مدينة زبيد فيما بين القرنين الرابع والثامن الهجريين/ العاشر والرابع عشر الميلاديين كان أهم الأسباب التي أدت إلى إلغاء الأسوار القديمة وبناء سور جديد حول المدينة في كل مرة يتزايد فيها عدد سكانها. أما أبواب المدينة الأربعة التي أشرنا إليها فقد ازدادت وبلغت في القرن الثاني عشر الهجري/ الثامـن عشر الميلادي ثمانية أبواب يذكر الرحالة الدانمركي كارستن نيبور الذي زار مدينة زبيد في تلك الفترة بأنه شاهد خمسة من هذه الأبواب التي كانت تفتح في سور المدينة. كانت مدينة زبيد مدينة واسعة تقدر مساحتها في العصر الرسولي بأربعمائة هكتار تقريباٍ.  

أرباع المدينة
دخلت زبيد الصراع السياسي بسبب الدويلات التي حكمت فيها ,فظهر التنوع الصناعي والعمراني وكذلك التنوع المذهبي من خلال المساجد والمدارس الإسلامية والدينية التي تمثلها كل المذاهب . وأصبحت زبيد مدينة مختلطة تضم حارات وأحياء عرفت بـ : ربع العلي وربع المجنبذ وربع الجامع وربع الجزء .
 يقول أسامة الحضرمي بأن أهالي مدينة زبيد استبشروا خيراٍ في المحافظ الأسبق لمحافظة الحديدة القاضي أحمد عبدالله الحجري والذي كان له اهتمام خاص  بالمدينة وكان يزورها أسبوعياٍ ووعد بتغيير حالها إلى الأفضل وإزالة مختلف التشوهات والمخالفات منها ,إلا أن الحظ لم يسعفه لتحقيق حلمه وحلم جميع اليمنيين في الحفاظ على هذه المدينة التاريخية الإسلامية..
 
 الأحياء في الوقت الحاضر هي كما يلي:
رْبع العلي: وهو ربع الأعلى المسمى الحصيب نسبة الى الحصيب بن عبد شمس وأهم المنشآت المعمارية التاريخية الباقية في هذا الربع هي: باب سهام: (البوابة الشمالية للمدينة) والمدرسة الفاتنية والمدرسة الجعمانية ومسجد الخطوة ومسجد الجبلي .  
ربع المْجنبذ: وسمي بهذا الاسم لموقعه بمقر الحكم مجنبذ الملك أما بالنسبة لأهم المنشآت التاريخية الموجودة حالياٍ في هذا الربع فهي كما يلي: باب الشبارق (بوابة زبيد الشرقية)º قلعة زبيدº مدرسة الميلين المعروفة في وقتنا الحاضر بالإسكندريةº المدرسة الكمالية والمدرسة الدعاسية والمدرسة الوهابية ومدرسة الريمي وكل من مسجد المهادلة ومسجد سرور ومسجد الحداد .  
رْبع الجِزِء: وسمي بذلك لموقعه في الجزء الجنوبي الغربي للمدينة وأهم المنشآت التاريخية في هذا الربع هي كما يلي: .باب القِرúتِب البوابة الجنوبية للمدينة والمدرسة العفيفية والمدرسة الجبرتية والمدرسة الفرحانية والمدرسة الياقوتيـة والخان المجاهدي والمدرسة الغصينية ومسجد الخاص ومسجد العدني .
وأخيرا رْبع الجامع: وسمي بذلك نسبة إلى الجامع ويشمل هذا المربع على العديد من المنشآت التاريخية والأثرية أهمها : باب النخل (البوابة الغربية للمدينة) الجامع الكبير المدرستان المنصوريتان العليا والسفلى المدرسة التاجية والمدرسة المزجاجية ومسجد المحب ومسجد الرهائن.  
 
الجامع الكبير معرض للانهيار
يعتبر الجامع الكبير بزبيد من أهم وأبرز الجوامع في العالم الإسلامي ,ويؤكد العديد من المؤرخين بأن الجامع أنشئ في عهد الدولة الزيادية وفي سنة 393هـ جدد عمارته الحسين بن سلامة ,وفي سنة 574هـ أعاد عمارته المبارك بن منفذ الكناني  نائب توران شاه الأيوبي .وفي سنة 579هـ قام السلطان طغتكين بن أيوب بتوسيعه في الجناح الشرقي والغربي والمؤخر والمنارة ,وفي سنة 897هـ أعاد عمارته الملك الظافر بن عامر بن عبد الوهاب بن داود بن طاهر وزينت جدرانه وسقوفه بالنقوش والآيات القرآنية .وفي سنة 1131هـ قام بعمارة المقاصير لطلاب العلم بداخل الجامع وتحتوي على أربع عشرة مقصورة .وللجامع محرابان الأول للجمعة والثاني جهة الشرق خاص لصلاة الفروض. ويتخلل الجامع سبع قبب وثلاثة عشر بابا وأربعون نافذة ومساحة الجامع أربعة آلاف وخمس مائة متر مربع ويعد الجامع الكبير بزبيد من أهم المدارس العلمية التي كانت مشاعل للفكر في جميع الفنون العلمية والقرآن وعلومه والحديث الشريف وأسانيده ومصطلحه والفقه وأصوله وفروعه ,ومن أشهر مدرسيه وخطبائه ومحدثيه العلامة أبو الفتوح ابن أبي عقامة التغلبي في علم القرآن والفقه والقاضي العلامة محمد بن عبدالله بن أبي عقامة وغيرهم الكثير.  
 واليوم  يعاني الجامع الكبير إهمالاٍ شديداٍ من قبل الجهات ذات العلاقة فمختلف جدرانه وسقوفه تعاني  تصدعاٍ شديداٍ,وبحاجة إلى ترميم سريع كما أن الزخرفة والنقوش والآيات القرآنية طمست وكان المصحف مكتوباٍ كاملاٍ في الجامع لكن تم طمسه أثناء الترميمات العشوائية السابقة ويحتاج إلى إعادته وقبل أعوام تسببت الأمطار الشديدة التي تعرضت لها مدينة زبيد   بانهيار سقف الطارود الرابع من مبنى الجامع التاريخي أيضا تحتاج الحمامات الخاصة بالجامع إلى ترميم  وتزويده بخزانات كافية للمياه, جامع الأشاعرة أو جامعة الأشاعر فقد بناه الصحابي الجليل أبو موسى الأشعري وقومه في العام الثامن للهجرة وسمي باسم قبيلة الأشاعر وتم بناؤه بجوار بئر قديمة كان العرب الأشاعرة ينزحون منها الماء ويسقون دوابهم وهي تقع الآن غرب مسجد الأشاعر .وفي سنة 204هـ اختط محمد بن زياد مدينة زبيد عسكريا  عندما أرسله الخليفة العباسي المأمون لإخماد ثورة الأشاعرة بالقوة ,وفي سنة 205هـ أتخذها محمد بن زياد عاصمة لدولته الزيادية ومن ثم بنى مسجد الأشاعر في الربع الأول من القرن الثالث الهجري ,وفي سنة 407هـ بنى الحسين بن سلامة مسجد الأشاعر وكتب اسمه على لوح خشبي موجود حاليا شرق المحراب بالخط الكوفي,وفي سنة 834هـ بدأ المسجد في التصدع فجدد بناءه الخازندار برقوق الظاهري وقام بتوسيعه في الجناح الشرقي والغربي والجناح الجنوبي وخصص مقصورة للنساء وأوقف عليه أرضا ثمينة ومقدمة قرآنية تقرأ بعد الظهر . وفي سنة 891هـ جدد بناءه الملك المنصور عبد الوهاب بن عامر بن طاهر وفي سنة 1276هـ في بداية الحكم العثماني الأخير أصلح ما تخرب من سقفه,وللأشاعرة محراب كبير للصلاة ويتوسطه حلقات العلم وقراءة الأمهات الست ,والتي مازالت قائمة حتى اليوم ,حيث يأتي العديد من طلاب العلم الى الجامع ليس من اليمن فحسب وإنما من العديد من الدول الإسلامية كماليزيا وأندونيسيا وغيرها ,وله أيضا محراب يقع شرقا للطريقة الجيلانية ومحراب آخر في الغرب للطريقة النقشبندية . وللمسجد ثلاثة أبواب الأول يقع في الجنوب والثاني في الغرب والثالث في الشرق وللمسجد بكتان الأولى في غرب المسجد وتسمى الطويلة والثانية في الشرق وتسمى الحريبية وبنتها الحرة ماء السماء جهة الطواشي فرحان أم الملك الزاهر الرسولي سنة 831هJ831هـ .
يعاني الجامع تصدعاٍ كبيراٍ في الأسقف وتشقق مختلف الجدران الأمر الذي يهدد بسقوط الجامع في أية لحظة كحال بقية معالم المدينةالمهددة بالاندثار كما أن مختلف الكتابات التي على الجدران لآيات من القرآن الكريم والزخارف النباتية والهندسية قد طمست بالكامل في أوقات سابقة نتيجة للترميم بطرق عشوائية من قبل بعض فاعلي الخير نتيجة إهمال الجهات المختصة في القيام بواجباتها, كما يحتاج الجامع إلى إنشاء خزان للمياه والى مولد للكهرباء والى فرش جديد بدلاٍ عن الفرش السابق الذي اتلف نتيجة تقادم الزمن عليه. الأخ محمد يوسف  والذي يسكن بالقرب من الجامع يقول: الجامع أهمل بشكل كبير كمختلف معالم المدينة ويتساءل: إذا كانت الجهات المختصة لم تستطع توفير مولد للكهرباء فكيف ستنقذ المدينة من الوضع الذي صارت إليه .

حدائق زبيد
 لم تشتهر مدينة زبيد بالعلم والعلماء وفنها المعماري الفريد وفنونها الشعبية والفلكلورية وصناعاتها وحرفها اليدوية المتعددة فحسب وإنما اشتهرت كذلك  بحدائق النخيل التي تحيط بها وتزرع فيها الخضروات والقمح والذرة بأنواعها والموز وبعض الأعشاب الطبية ويعود الفضل في ذلك إلى استخدام نظام ري متطور منذ وقت مبكر غير أن كل ذلك للأسف انتهى خلال السنوات القليلة الماضية بسبب قلة الإمطار أولاٍ والبناء في مزارع وبساتين المدينة .
احتلت زبيد مكانةٍ مرموقة بفضل منشآتها الدينية والعلمية التي جعلتها أهم المراكز العلمية والثقافية في العالم الإسلامي أيضا كانت مركزاٍ تجارياٍ مشهوراٍ بفضل موقعها الهام بين عدن ومكة حيث كانت تمر منها منتجات الهند عن طريق عدن إلى بلدان حوض البحر الأبيض المتوسط. اشتهرت زبيد كذلك بمصنوعاتها التقليدية والحرفية فكانت من أكبر المراكز الإنتاجية لصناعة الأقمشة من القطن والحرير وصناعة النيلة وكذلك الأغطية التي تعرف باليمن «باللحافات» فضلاٍ عن الصناعات الفخارية من أوانُ وكؤوس ومباخر وغير ذلك.

التشاؤم من طائر البومة:
 أهل زبيد حسب معتقداتهم الشعبية يتشاءمون كثيراٍ  من طائر البومة ويعتقدون بأنه إذا طار فوق أحد المنازل فإن هذا المنزل وأصحابه سيصابون بمكروه ,وعلى ما يبدو أن اعتقادهم هذا صحيح إلى حد كبير حيث أصيبت زبيد بالإهمال والخراب منذ أن أدرجت ضمن  قائمة التراث الإنساني العالمي وحتى اليوم وأصبحت بيوتاٍ لطائر البومة .

الطابع المعماري لمنازل زبيد
تمتاز مدينة زبيد بطابعها المعماري المميز فهي كما يلاحظ مدينة من الياجور المسمى القولب ومادة النورة الكدري والطين ,وهذه المنازل مقسمة مابين مربعة وقبل ساحة أمام المربعة وكذلك صفة وحمام ومطبخ ,وهناك بعض البيوت تحتوي على خلوة دور ثان ومبرز للمقيل (مفرج بلهجة أهل صنعاء) .كما أن معظم منازل زبيد مزخرفة من الداخل وكذلك من الخارج لبعض المنازل وهناك أكثر من ثلاثمائة نوع من هذه الأشكال الزحرفية النباتية والهندسية وذلك ما تحتويه واجهة المربعة من نقوش وزخارف بمادة القولب والنورة أما من داخل المربعة أي (الغرفة) فهناك نقوش وزخارف في صدر المربعة ونقوش أخرى على الأخشاب في السقف تمثل رسومات متنوعة بالألوان الطبيعية النباتية المبتكرة في ذلك الوقت.  

مكونات البيت الزبيدي
ـ المربعة : وهي غرفة كبيرة المساحة تصل إلى 3×4 أو 4×4 وهي عالية السقف وتحتوي على شبابيك أمامية وغريبة وخزانة كبيرة نسبيا لحفظ الكتب ومختلف جدران وأسقف المربعة منقوشة بنقوش زيتية طبيعية لأشكال نباتية في الغالب تمثل نقوشا في غاية الجمال والإبداع وأيضاٍ الصفة : ـ وهي عبارة عن غرفة مفتوحة الأبواب وقد تكون بعض أبوابها على شكل عقود كبيرة وتستخدم غالبا في فصل الصيف عندما يكون الجو حارا ,وبذلك نلاحظ أن المعماري راعى بشكل كبير الخصوصية البيئية لمدينة زبيد . بالإضافة الخلوة : وهي عبارة عن غرفة كبيرة تبنى في الدور الثاني للمنزل وفيها العديد من النقوش والزخارف في مختلف جدرانها وسقفها وأيضا على شبابيكها .

أقدم المنازل في المدينة:
ومازالت العديد من المنازل القديمة في مدينة زبيد التاريخية موجودة رغم اندثار الكثير منها وهذه المنازل تعاني حاليا  خرابا كبيرا وتحتاج إلى ترميم سريع للمحافظة على ما تبقى منها بسبب الملوحة وعدم الصيانة المستمرة لها ,ومن هذه المنازل بيت أحمد طاهر حويج وبيت الوجيه ,وبيت المرزوقي ,وبيت الوجداني ,وبيت الرملي ,ويقول أحمد طاهر الحويج بأن منزله بني قبل حوالي ماتين وخمسين سنة تقريبا ويعاني تصدعا كبيرا في مختلف جدرانه وحاليا يتم ترميمه بمساعدة منظمة إل جي تي زد والتي تتحمل حوالي 40% من التكاليف وهو 60% ويقول: منازل زبيد تعاني  تصدعا كبيرا في مختلف أجزائها وحالة المواطنين المادية محدودة جدا ولا يستطيعون تحمل تكاليف الترميم بالمواد الأصلية خاصة و أن الأسعار في ارتفاع  يوميا , خصوصا أسعار الياجور والنورة , كما أن معامل البلك متوفرة بكثرة بالقرب من المدينة  عكس محاريق الياجور مما يستوجب على الدولة وبمشاركة القطاع الخاص المساهمة الفاعلة في انقاذ هذه المدينة ,ويضيف قائلا: لا أعتقد أن البناء الأسمنتي سيتوقف مالم تكن هناك حلول حقيقية للمشكلة .أيضا سامي رمضان من سكان المدينة يقول: الجهة التي تعمل ولو أنه بشكل بسيط هي الـ “جي تي” زد أما الجهات الرسمية المعنية بالأمر فهي في نوم عميق.
تصوير / فؤاد الحرازي

قد يعجبك ايضا