جمعة رجب… هوية لا تنفصل عن تاريخ اليمن

محمد صالح حاتم

 

 

تُعد جمعة رجب واحدة من أعظم المحطات في تاريخ اليمنيين، فهي ليست مناسبة عابرة ولا طقسًا اجتماعيًا موروثًا، بل لحظة فاصلة شكّلت جوهر هوية هذا الشعب منذ فجر الإسلام.
في هذا اليوم المبارك دخل اليمنيون في دين الله أفواجا، دخولًا طوعيا واعيا، بعيدا عن الإكراه أو السيف، فكان إسلامهم تعبيرا صادقا عن فطرة سليمة وعقول منفتحة للحق، وهو ما جعل اليمن يحظى بمكانة خاصة في قلب الرسالة المحمدية.
لقد مثّل دخول اليمنيين إلى الإسلام حدثا استثنائيا في مسار الدعوة، حيث استجاب أهل اليمن للرسالة بسرعة وعمق، ففرح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بذلك وفرح بهم، وخلّد هذه اللحظة بحديثه الشريف الذي وصف فيه أهل اليمن برقّة القلوب ولين الأفئدة، وبأن الإيمان يمان والحكمة يمانية. ولم يكن هذا الوصف مجاملة عاطفية، بل توصيفا لحقيقة تاريخية وسلوكية ظل اليمنيون يجسدونها عبر القرون في مواقفهم مع الحق، وفي دورهم في نشر العلم والدعوة، وفي حملهم لرسالة الإسلام إلى آفاق واسعة.
ومن هنا جاءت تسمية جمعة رجب بـ«عيد الأعياد»، لأنها لا ترتبط بفرحة زمنية مؤقتة، بل تؤرخ لأعظم نعمة نالها هذا البلد، وهي نعمة الإسلام. فالأعياد في جوهرها ليست عددا ولا طقوسا، بل معانٍ كبرى، وأي معنى أعظم من أن يكون هذا اليوم هو اليوم الذي انتقلت فيه اليمن من طور الجاهلية إلى نور الإيمان، ومن التعدد والتمزق إلى وحدة العقيدة والانتماء؟ لذلك ظل اليمنيون ينظرون إلى جمعة رجب باعتبارها العيد الذي وُلدت فيه هويتهم الإيمانية الجامعة.
وترتبط جمعة رجب ارتباطًا وثيقًا بالهوية الإيمانية لليمن، وهي هوية لم تُصنع في سياق سياسي حديث، ولم تُستحدث كشعار ، بل هي امتداد طبيعي لذلك الدخول المبكر في الإسلام، ولتلك الخصائص التي تميز بها أهل اليمن منذ البداية. فالإيمان الذي وُصف بأنه يماني لم يكن مجرد انتماء شكلي، بل سلوكا وقيما وحضورا حضاريا، تجسّد في العلم والحكمة، وفي مواقف الثبات والصبر، وفي نصرة الحق مهما كانت التحديات.
إن التمسك بجمعة رجب في هذا الزمن ليس استدعاء للماضي بدافع الحنين، بل هو فعل وعي ومسؤولية، خاصة في ظل ما تتعرض له الهويات الأصيلة من محاولات طمس وتشويه، وما يُفرض على الشعوب من نماذج ثقافية دخيلة تسعى لفصلها عن جذورها.
فحين يتمسك اليمنيون بجمعة رجب، فإنهم يتمسكون بذاتهم، ويحمون ذاكرتهم ، ويؤكدون أن علاقتهم بالإسلام ليست طارئة ولا مستعارة، بل متجذرة في التاريخ والوجدان.
كما أن إحياء جمعة رجب يرسّخ حالة الانتماء الجامع بين اليمنيين، بعيدًا عن الاصطفافات الضيقة، لأنها مناسبة تتجاوز الخلافات، وتعيد الجميع إلى أصل واحد وهو أصل الإيمان. وهي تذكير سنوي بالقيم التي دخل بها اليمنيون في الإسلام أول مرة، قيم الصدق وسرعة الاستجابة للحق والحكمة في المواقف، وهي قيم أحوج ما يكون إليها اليمن اليوم في مواجهة التحديات الفكرية والثقافية والسياسية.
إن جمعة رجب ليست مجرد ذكرى تُستعاد، بل مسؤولية تُحمل، ورسالة ينبغي أن تتحول إلى سلوك ووعي وثبات على الموقف. فهي اليوم الذي أعلن فيه اليمن انتماءه للإسلام، وهي العهد الأول الذي ربط هذا الشعب بدين الله، وهي الجذر الذي تفرعت منه الهوية الإيمانية التي لا تزال حاضرة رغم كل محاولات الاقتلاع. ولذلك ستبقى جمعة رجب عيدًا للإيمان، وعنوانا لليمن، وشاهدا حيًا على أن هذا الشعب دخل في دين الله أفواجا عن قناعة… وسيبقى متمسكًا به ما بقي الإيمان في القلوب..

قد يعجبك ايضا